رغم فشل مفاوضات الكويت، وتعذر الحل السياسي، واستمرار خروقات الانقلابيين للهدنة التي كان يجب أن تتزامن مع مفاوضات الكويت، واستئناف قوات التحالف العربي لعملياتها العسكرية الجوية ضد الانقلابيين، إلا أن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، يتعامل مع الأحداث بشكل مستفز للقطاع الأكبر من الشعب اليمني، ويكشف عن التوجه الحقيقي لمنظمة الأممالمتحدة المتواطئ مع الانقلابيين. المبعوث الأممي الذي لم يصدر منه تصريح شديد اللهجة ضد الانقلابيين، رغم انتهاكاتهم الجسيمة وجرائمهم البشعة ضد المدنيين، أدان، في بيان له، يوم الجمعة الماضي، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وبشدة، ما أسماها "خروقات وقف الأعمال القتالية المتزايدة في اليمن"، وذلك في إشارة منه إلى عودة تدخل قوات التحالف العربي، وقصف مواقع وتجمعات ميليشيات الانقلابيين، وطالب الأطراف المتنازعة بالتوصل بصورة عاجلة الى حل سياسي شامل.
وقال المبعوث الأممي: "إن الخروقات الحاصلة غير مقبولة ولا تخدم مسار السلام، لا زلنا نبذل جهودًاً كبيرة من أجل إحلال السلام ولكن ذلك يتطلب حسن نية وتقديم التنازلات وهذا ما نعول عليه، إن وقف الأعمال القتالية لا زال جارياً وكل عمل عدائي من أي طرف يشكل خرقاً مباشراً موجهاً ضد الشعب اليمني، ندعو الأطراف الى ضبط النفس وتحمل مسؤولياتهم الوطنية فالحل الكامل لن يكون إلا سياسياً".
قرارات بلا فاعلية
وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تحمل الأممالمتحدة الانقلابيين مسؤولية فشل مفاوضات الكويت، وتلزمهم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، خاصة تلك التي تحت الفصل السابع، إلا أنها تعمل على إفراغ قراراتها من مضمونها بإدانتها لقوات التحالف العربي، والتي يمكن القول إن تدخلها يعتبر تنفيذاً لقرار الأممالمتحدة 2216 الذي يجيز التدخل العسكري لإرغام الانقلابيين على تنفيذ بنود القرار وعودة الشرعية، حتى وإن كان هذا التدخل ليس تحت إشراف الأممالمتحدة، إلا أنه في جوهره يعتبر تنفيذاً لقرار المنظمة الدولية.
لا شك أن عدم عزم الأممالمتحدة على تنفيذ قرارتها يعكس فشلها، ويجعلها تظهر بمظهر الضعيف الغير قادر على فعل أي شيء، سوى تنفيذ مخططات القوى الكبرى، وبيع الوهم للشعوب التي تعول على دور محوري للمنظمة الدولية، يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العالم.
وفي الحالة اليمنية، فقد فقدت قرارات الشرعية الدولية هيبتها ومكانتها، بسبب الدور السلبي للأمم المتحدة بخصوص الأزمة اليمنية، وتحولت المنظمة الدولية إلى أداة لتكريس الانقلاب، بغرض جعله أمراً واقعاً، بسبب المماطلة في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وعدم اتخاذ لهجة حادة ضد الانقلابيين، بل فتعامل الأممالمتحدة مع الانقلابيين شجعهم على المضي قدماً في مشروعهم الانقلابي، وأفقد الأممالمتحدة مصداقيتها في التعاطي الإيجابي مع قضايا الشعوب ومطالبها المشروعة.
لقد أصدر مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، ستة قرارات منذ بداية الأزمة اليمنية، إثنان منها تحت الفصل السابع، أهمها القرار 2216، بالإضافة إلى ثلاثة بيانات رئاسية، إلا أنه لم يتم تنفيذ أياً منها، بل فالحاصل هو العكس، حيث تعمد المنظمة الدولية إلى تدليل الانقلابيين بشكل يثير الشفقة، كما هو واضح من خلال أداء مبعوثيها إلى اليمن: جمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ، منذ بداية الأزمة وحتى الوقت الحالي.
صحيح أن المنظمة الدولية عبارة عن أداة بيد القوى الكبرى، تعمل على تنفيذ أجندتها ومشاريعها في العالم، إلا أن ذلك ليس مبرراً أن تعمد المنظمة إلى أداء أدوار عملية تتناقض مع قراراتها، وتفقدها هيبتها ومكانتها في مختلف أنحاء العالم.
دبلوماسية سلبية
تغلب اللغة الدبلوماسية على أحاديث وأداء مبعوثي الأممالمتحدة إلى اليمن، وقد يكون ذلك من متطلبات النجاح في العمل السياسي والدبلوماسي، بغرض كسب ثقة مختلف الأطراف، إلا أنه في مثل الحالة اليمنية يمكن وصفه ب"الدبلوماسية السلبية"، بل ويعد انتهاكاً لمبادئ الأممالمتحدة، خاصة ما يتعلق منها بحق الشعوب في الحرية والكرامة وتقرير مصيرها.
والمتأمل في أداء الأممالمتحدة، ممثلاً بأداء أمينها العام، بان كي مون، ومبعوثيها إلى اليمن، جمال بن عمر، ثم إسماعيل ولد الشيخ أحمد، سيجد أنها لا تتجاوز مجرد الاستنكار وإبداء القلق وإدانة وتحذير جميع الأطراف، بالإضافة إلى المطالبة بالتحقيقات، وتتعمد عدم تسمية الأشياء بمسمياتها، أو إدانة الطرف المتمرد فقط، وتحميله مسؤولية ما يجري في البلاد، وارتكابه جرائم بشعة بشكل شبه يومي في المناطق التي يسيطر عليها، وفي مناطق الصراع.
ويتضح من خلال تصريحات ومواقف الأممالمتحدة ومبعوثيها، الدلال الزائد لميليشيات الحوثيين، وفي نفس الوقت، ممارسة ضغوط كبيرة على دول التحالف العربي بقيادة السعودية، والحكومة الشرعية اليمنية، لتقديم تنازلات للانقلابيين، بذريعة حل الأزمة سلمياً، رغم تعذر ذلك، بدءاً من مفاوضات جنيف 1، وانتهاء بالجولة الثانية من مفاوضات الكويت.
استثمار الورقة الإنسانية
ومن أجل ممارسة المزيد من الضغوط على دول التحالف العربي، لجأت الأممالمتحدة، والمنظمات التابعة لها وغير التابعة، إلى نشر تقارير تتهم قوات التحالف العربي بانتهاكات ضد المدنيين في اليمن، وبعض التقارير تعتمد على معلومات مغلوطة يقدمها الانقلابيون.
وهناك الكثير من المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية في اليمن تعتمد على موظفين ومندوبين ممن ينتمون أو يوالون جماعة الحوثي، أو من الموالين للمخلوع علي صالح، وتقدم هذه المنظمات تقارير كاذبة، وسرعان ما تتلقف وسائل الإعلام العالمية هذه التقارير، وتنشرها على أنها حقيقية، وكل ذلك يتم وفقاً لحملات منظمة تهدف إلى الضغط على السعودية وابتزازها، ومحاولة تحجيم دورها وطموحها السياسي في المنطقة، لا سيما وأنها تولت مهمة مواجهة النفوذ الفارسي المتصاعد، من خلال تزعمها لعملية عاصفة الحزم ضد المشروع الفارسي في اليمن، ثم تزعمها للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ودورها في إحداث نوع من التوازن في سوريا، من خلال دعمها للمعارضة السورية المعتدلة، ومحاولتها توسيع دائرة نفوذها في العراق.
ويأتي في سياق الضغوط على السعودية، إدراج الأممالمتحدة لدول التحالف العربي، في تقرير حقوقي، ضمن القائمة السوداء، بذريعة انتهاك حقوق الإنسان والأطفال في اليمن، وهو التقرير الذي أثار حفيظة السعودية، ودول التحالف العربي، لعدم صحة ما ورد فيه من معلومات، ما أجبر الأممالمتحدة على التراجع عنه.
وفي تعليق له على التقرير المذكور، قال الناطق باسم قوات التحالف العربي، العميد أحمد عسيري، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط": "إن قوات التحالف العربي لديها دلائل بأن الأممالمتحدة في الوقت الذي تعترف فيه بشرعية الحكومة اليمنية، تتواصل مع الانقلابيين في صنعاء وتعتبرهم حكومة رسمية، وهذا فيه تناقض كبير".
الخلاصة، الأممالمتحدة لا تعدو كونها أداة بيد القوى الكبرى لتمرير مشاريعها ومخططاتها في العالم، وهي بذلك تسعى لتمرير هذه المشاريع في اليمن وغيرها، غير آبهة بطموحات الشعوب، التي ستمضي في سبيل تحقيق طموحاتها مهما كانت التضحيات، ومهما كان حجم المؤامرات الإقليمية والدولية التي تسعى إلى عرقلة ووأد طموحات الشعوب في الحرية والعدالة والديمقراطية.