جاءت هدنة بشمال اليمن لتهدئ صراعاً أسفر عن نزوح نحو ربع مليون شخص عن ديارهم، لكن المشاهد الدموية مازالت تلاحق علي ناصر. يقول الفتى البالغ من العمر 10 سنوات "رأيت جندياً يتألم بشدة بعد إصابته بعيار ناري في المعدة، كنت خائفاً للغاية.. الجندي كان يبكي وينزف، والدم في كل مكان". كان علي يستعيد ذكرياته بينما يستمتع بالأمان في شقة استأجرها والداه بالعاصمة صنعاء، على غرار آلاف الأسر التي فرت من القتال بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين -وهم من الطائفة الزيدية الشيعية- لا تتوقع أسرة علي العودة إلى دارها عما قريب. لا يستطيعون العودة لمنازلهم أما ناصر سعد الذي ترك ملجأه المؤقت في مدينة صعدة بشمال اليمن حين اندلعت الاشتباكات في الشوارع في ديسمبر (كانون الاول): "لا نستطيع العودة.. منزلنا تدمر تماماً". وأضاف فيما كان يساعد أبناءه في إنجاز واجباتهم المدرسية، "كان هناك إطلاق نيران في كل مكان، دمرت المنازل والمزارع، ودمرت أجزاء من المدينة القديمة في صعدة". وفي الشهر الحالي اتفقت الحكومة مع المتمردين الحوثيين على هدنة في صراع يثور ويخمد من وقت الى اخر بالجبال الوعرة في الشمال منذ عام 2004. وانتهى المطاف بسعد وأسرته في صعدة بعد تنقل متكرر فراراً من خط الجبهة، وتصاعد القتال في آب (أغسطس) وانضمت السعودية إلى المواجهة ضد المتمردين في نوفمبر (تشرين الثاني). 241 ألف نازح "31 ألف أسرة" وسجل أكثر من 241 ألف نازح أو 31 ألف أسرة في اليمن، وتعيش معظمها داخل او خارج مخيمات في الشمال وفقا لمفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، وعلى الجانب الآخر من الحدود في السعودية قالت الحكومة إنها تبني 10 آلاف وحدة سكنية للمدنيين السعوديين الذين أجلوا من منطقة الحرب النائية منذ نوفمبر. ويقول سعد ماطر الذي فر من صعدة قبل نحو عام ويساعد الآن الناس الذين يمرون بنفس الأزمة في التعامل مع الحكومة اليمنية ووكالات الاممالمتحدة ان الاف النازحين في صنعاء يعتمدون على مساعدات الاممالمتحدة او المدخرات او مساعدات الاقارب. وأضاف "وضع النازحين سيئ جدا. كثيرون يحاولون العمل كعمال باليومية او يعتمدون على الاقارب... لابد أن يدفعوا ايجاراً ليقيموا بشقق خاصة"، ولا يستطيع اليمن الفقير توفير الرعاية للمدنيين النازحين بالطريقة نفسها التي ترعى بها السعودية نازحيها حيث توفر لمن أجلتهم خياما مكيفة او قسائم للاقامة في فنادق. صنعاء تعد بإعادة البناء وتقول صنعاء إنها تريد اعادة بناء صعدة والمحافظات الاخرى التي دمرت في الصراع لكن دبلوماسيين يتساءلون عن مدى السرعة التي قد يحدث بها هذا وما اذا كانت الهدنة ستصمد، خاصة أنه إلى جانب الحوثيين تواجه الحكومة اضطرابات انفصالية في الجنوب وتنظيم القاعدة الذي يخشى الغرب أن يستغل انعدام الاستقرار في اليمن للإعداد لمزيد من الهجمات مثل محاولة تفجير طائرة أمريكية في 25 ديسمبر (كانون الاول). الألغام تمنع وصول الإغاثة وقالت ماري مارولاز المتحدثة باسم مفوضية الاممالمتحدة لشؤون اللاجئين ان وكالات المنظمة الدولية تطلب من الحكومة السماح لها بالوصول الى المدنيين في منطقة الحرب السابقة، لكن الالغام مازالت تغلق بعض الطرق، وقدرة وكالات الاغاثة على دخول المنطقة محدودة وتحظر الحكومة دخول الصحفيين والدبلوماسيين اليها ايضا. وبدأت الاموال المخصصة لعمليات مفوضية الاممالمتحدة لشؤون اللاجئين التي تساعد 171 الف شخص معظمهم لاجئون صوماليون في اليمن تنفد، وقالت مارولاز "ما لم يكن هناك رد فعل سريع من المانحين فإن هذا النقص الحاد في التمويل سيكون له قريباً أثر مباشر على ما يقدر بنحو 250 الف نازح و170 الف لاجئ باليمن". وعطل الصراع الذي يثور حيناً ويخمد حيناً على مدى سنوات طويلة التعليم في الشمال فلا يواظب كثيرون على الذهاب الى المدارس، ويحاول الان بعض من فروا الى صنعاء تعويض ما فاتهم. وقال ماطر منسق المساعدات "الاطفال يتلقون دروساً اضافية من مدرسين خصوصيين بعد الظهر لتحسين مستواهم التعليمي. ولا يتلقى أولياء الامور اي مساعدة من الحكومة في هذا" رويترز