يشهد اليمن هذه الأيام عددا من الأحداث الخطيرة التي يمكن أن تؤثر علي مستقبله ومستقبل المنطقة لعقود طويلة قادمة فهناك التمرد الحوثي الشيعي المسلح ضد الدولة الذي خلفوراءه مئات الآلاف من القتلي والجرحي واللاجئين الفارين من مناطق القتال . حوار - علي عليوة
خالد عمر مدير المركز الثقافي اليمني وفي الجنوب تمرد آخر يطالب بالانفصال في دولة مستقلة وما يمكن ان يجلبه من نتائج كارثية ، ولإلقاء الضوء علي هذه التطورات المتسارعة التي تجري علي ارض اليمن التقت شبكة الإعلام العربية "محيط " خالد عمر المستشار بالسفارة اليمنية و مدير المركز الثقافي اليمني بالقاهرة .
وكان لنا معه هذا الحوار ... محيط : ماهو تفسيركم لمايجري الآن في اليمن من تمرد الحوثيين وما يسمي بالحراك الجنوبي ؟ في تقديري ان التمرد الذي حدث في المناطق الشمالية من اليمن وظاهرة الحراك الداعية للانفصال في الجنوب هما نتاج بيئة واحدة وهي بيئة ظروف اقتصادية واجتماعية خلقت نوعا من التذمر والجنوح الى الاعتراض على بعض الأوضاع بطريقة خاطئة بدلا من الاتجاه للاعتراض عليها وتقويمها بطريقة سلمية وتحت سقف الدستور والقانون اليمني .. وأغلب مناطق اليمن لديها مشكلات في التنمية وفي توظيف واستيعاب العمالة وفي تحقيق دولة العدالة والقانون وتشكو من الكثير من المشكلات .
وهي مشكلات لاتنكرها الدولة ، ويعتقد أغلب اليمنيون أنه مهما كانت ظروف وأوضاع البلد فانه لايمكن أن تكون مبررا للخروج على الدولة ومؤسساتها الدستورية والتمرد عليها ، وطبعا أنا هنا أتحدث عن الذين انخرطوا في التمرد في الشمال أو الذين يشاركون في المظاهرات المطالبة بالانفصال فقد تم استغلال ظروفهم وتذمرهم وسوقهم الى هذه المشاريع .. أما القادة فلديهم مشاريعهم ولديهم أجندتهم ومموليهم . محيط : ماهي مطالب الحوثيين ؟ ولماذا كان هناك ست جولات من القتال مع الحكومة ؟ بدأت الحرب الأولى للحوثيين مع الحكومة اليمنية عام 2004 ، واستمرت الجولات حتى وصلت لست مرات ، ولو كان هناك أهداف ومطالب واضحة ما استمر الصحفيون في السؤال عن الأهداف والدوافع الى اليوم ، لا أحد في اليمن حتى الحوثيين أنفسهم يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال أو لديه مبرر منطقي ومقنع لهذه الحرب .
أما لماذا وصلت الجولات الى ست مرات فهذا يعني أن حرب الدولة للحوثيين لم تكن حربا استئصالية ، واستجابت الدولة للصلح ووقف الحرب أكثر من مرة ، وفي الوقت الذي كان هناك من يعيب على الدولة استمرارها في محاربة المتمردين الحوثيين فان آخرين كثر عابوا عليها كذلك عدم مواصلة الحرب واستئصالهم حتى لاتتجدد أي فرصة لحرب سابعة . محيط: من أين يأتي عبدالملك الحوثي بكل تلك الأسلحة والذخائر التي مكنته من مواجهة الدولة طوال هذه السنوات ؟ من المؤكد أولا أن الحوثيين قد حصلوا على تمويل كبير بالمال والسلاح والتدريب الميداني كذلك ، فنحن اليمنيون نعرف بعضنا البعض ونستطيع بسهولة اكتشاف حجم كل طرف وامكاناته المالية والتسليحية وطريقة القتال التي يتبعها ، وأقرب الترجيحات تؤكد أن التمويل والتدريب كان من قبل مرجعيات في ايران انخدعت بالشعارات المذهبية والطائفية التي رفعت من قبل الحوثيين ، وعن طريق تبرعات غير حكومية جمعت في ايران وغيرها من الدول حتى لاتبدو كدعم حكومي مباشر من هذه الدولة أو تلك . محيط : هل هناك دعم ايراني للمتمردين الحوثيين ؟ وماهي أهداف إيران من هذا الدعم ؟
كما قلت فان ما ذكر عن دعم ايراني محتمل جاء عن طريق بعض المرجعيات هناك ، وتمت الاشارة الى ذلك في أكثر من حديث للرئيس علي عبدالله صالح ووزير الخارجية اليمني أبوبكر عبدالله القربي .. أما أهداف أي دعم ايراني محتمل فهي ليست خافية على أحد اذا ما أخذت بالفعل بعدا طائفيا . محيط : لماذا وسع الحوثيون من جبهة القتال الى الأراضي السعودية ؟ هذا السؤال مرتبط بسابقه .. فكما قلت فان أي دور محتمل لايران في هذه الحرب لابد أن يرتبط بالبعد الطائفي ، وقد نجح الحوثيون الى حد كبير في ايهام الخارج بأنهم يمثلون قضية مذهبية طائفية ، ولضمان استمرار تدفق الدعم والتسليح الخارجي كان لابد من الزج بالسعودية من قبل الحوثيين حتى تبدو الصورة كما لو كانت دفاعا من شيعة اليمن أمام هجوم سني تمثله السعودية في مواجهة التمدد والتوسع الشيعي الايراني في المنطقة . محيط : يقال أن سبب التمرد سواء في صعدة أو عدن هو وجود مظالم اجتماعية وفساد اقتصادي وتهميش لتلك المناطق واهلها سياسيا لصالح النظام القائم .. فما مدى صحة هذه الادعاءات ؟ كما قلت لك فان الدولة نفسها في اليمن لا تنكر وجود فساد أو مظالم شأنها شأن جميع الدول وان كان هذا لايبرر مشروعيته ووجوده .. لكنها نفسها أي الدولة عملت في السنوات الأخيرة على القيام ببعض الاصلاحات والمعالجات مثل تشكيل لجان نوعية رئاسية وحكومية لحل بعض مشكلات المظالم الاجتماعية ، وسن قانون مكافحة الفساد وانشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ، والهيئة الوطنية العليا للمزايدات والمناقصات .
إلي جانب اعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة ، وفصل منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى عن منصب رئيس الجمهورية بحيث يعزز ذلك استقلال وحياد القضاء ، وخضوع وزارة العدل لسلطة مجلس القضاء نفسه ، وان كانت هذه الاجراءات والخطوات غير كافية في الوقت الحالي الا انها تمثل بداية طيبة وفي الاتجاه الصحيح .
وبشكل عام يمكن القول ان مايعانيه اليمنيون أو مايواجهونه في حياتهم من صعوبات هو عام ولا يخص منطقة دون أخرى ، ولا يبرر على الاطلاق استغلال البعض لهذه الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية للتمرد والعصيان أو محاولة شق الصف الوطني والدعوة الى مشاريع الانفصال . محيط : هل يتعرض اليمن ل مؤامرة لتفكيكه في اطار " الشرق الأوسط الجديد" المطلوب تفتيته على أسس عرقية وطائفية لصالح لمشروع الصهيوامريكي ؟ من المؤكد أن الذين يخططون لشئون السياسة والدبلوماسية والحرب في الولاياتالمتحدةالامريكية أو في الغرب عموما يراعون مصالحهم بالدرجة الأولى ، وينبغي الانتباه الى أنهم لايسيرون دائما وفق سيناريو موحد يصلح لكل مكان وزمان كما نعتقد ، فهم يعملون وفقا لخصوصية كل منطقة على حده ووفقا لتلاقي مصالحهم مع مصالح أخرى في المنطقة اذا اقتضت الضرورة .
ومن الملاحظ حتى الآن أنه لامصلحة لا مريكا أو لغيرها في أن يكون اليمن ممزقا أو مشطرا ، والعكس ربما هو الصحيح ، ففي منطقة بأهمية اليمن وموقعها الجغرافي الخطير على باب المندب ومايمثله من أهمية للملاحة البحرية وتأمينها وقربها من القرن الأفريقي .. كل ذلك يجعل مصلحة الولاياتالمتحدة والغرب والعالم عموما في أن يبقى اليمن موحدا وآمنا . محيط : هل الادعاء الامريكي بوجود لتنظيم القاعدة في اليمن صحيح ؟ أم الهدف منه التدخل في شئون اليمن والتواجد العسكري فيه ؟ مشكلة تنظيم القاعدة هي مشكلة حقيقية على مستوى العالم كله وليس على المستوى اليمني فقط ، وان كان الاعلام قد ضخم كثيرا من حجم القاعدة في اليمن .. أما فيما يتعلق بتعاون اليمن والولاياتالمتحدةالامريكية في مجال مكافحة الارهاب فمعروفة حدوده التي لاتتجاوز تبادل المعلومات والخبرات والمساعدات الفنية والتدريبية .
ولا يقبل أحد في اليمن على الاطلاق أي وجود عسكري هناك ، وأمريكا تعرف ذلك جيدا وتفهم حساسية اليمنيين تجاه هذا الأمر ، والصعوبة البالغة والثمن الفادح الذي يمكن أن تدفعه في حالة التفكير بالزج بجنودها الى منطقة عرفت تاريخيا بأنها " مقبرة الغزاة ". محيط : ما هي الأجندة التي تحرك علي سالم البيض في جنوب اليمن وهل هذه الأجندة أجنبية ؟ وماهي أهدافها ؟ ولماذا يلجأ الحراك للعنف في مواجهة الدولة اليمنية ويطالب بانفصال جنوب اليمن ؟
الحراك الجنوبي اجندته اجنبية علي سالم البيض انطبقت عليه مقولة ( اني لاهاب الرجل حتى يتكلم ) وقد اكتسب طوال السنوات التي تلت حرب صيف 94 بعض الاحترام لصمته فقط ، واعتبر البعض أن هذا الصمت ربما يمثل نوعا من الندم بعد خطيئة اعلان الانفصال في العام 94 خاصة وهو واحد ممن شاركوا في صنع الوحدة ثم تراجع عنها باعلان الانفصال فأضاع على نفسه حقا تاريخيا مكتسبا كان يكفيه لما تبقى من عمره كله .
وقد أدى ظهور الحركة الانفصالية في الآونة الأخيرة ورفع صور البيض في مظاهراتها الى خروجه من قبر التاريخ ومداعبة خياله بالعودة الى السلطة في محاولة لاستعادة مجد واسم في الوقت الضائع ، وهو يعلم أنه لم يعد يملك من أمره شيئا ، وان أقصى أمنياته أن يحصل على فرصة جديدة لمنفى آخر أكثر رفاهية وأكثر دعما ثمنا لظهوره المشوه في المرات الأخيرة التي ظهر فيها متحدثا باسم الجنوب .
أما لجوء الحركات الانفصالية الى العنف ومحاولة فرض الأمر الواقع فراجع الى أنها لاتملك خطابا واقعيا ولا لغة حوار يمكن التأسيس عليها لحل المشاكل المطلبية والاجتماعية التي لاخلاف على جديتها وأهميتها والتي لايجوز أن تكون حقا يراد به الباطل والانفصال . محيط : هل وقف اطلاق النار بين الدولة والحوثيين هدنة مؤقتة أم انه يعد نهاية للاقتتال ؟ هل سنشهد في الفترة القادمة جولة سابعة من القتال أم يتحقق الاستقرار في اليمن ؟ كل يمني محب لبلده يتمنى ألا يعود شبح الحرب من جديد وألا تكون هنالك جولة سابعة للحرب على الاطلاق ، وأن يكون الجميع قد استفاد جيدا من دروس هذه الحرب وفهم ماتمثله من آلام ودمار وحزن لدى كل الأطراف .. وأنا شخصيا متفائل بأنها ستكون ان شاء الله آخر الحروب ، وأن طريق الاستقرار والهدوء والتنمية والعدل الذي ينشده الجميع سيبدأ انطلاقا من دروس وعبر هذه الحرب . محيط : ماهي توقعاتكم لمستقبل اليمن في السنوات القادمة ؟ وماتصورك لحل مشكلات اليمن ؟ سأجيب أولا على الشق الثاني من السؤال وأقول أن تصوري لحل مشكلات اليمن يتمثل في التأكيد على الحوار بين جميع الفقراء على الساحة اليمنية دون استثناء ، وأن يكون حوارا بناء هدفه الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي الشامل ..
هدفه المستقبل وتجاوز الماضي بأخطائه وسلبياته .. يعمل على تفعيل كل بنود الدستور والقوانين اليمنية في شكل وثيقة أو عقد اجتماعي جديد ملزم لكل الأطراف وله جميع ضمانات التنفيذ. بهذا يمكن أن نتفاءل بمستقبل اليمن واستقراره ونمائه . محيط : هل للحرب الأهلية في الصومال تأثيرات على اليمن وتماسكه ؟ نعم بكل تأكيد فأزمة الصومال لها آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية عديدة ، فمئات الآلاف من الصوماليين الذين تدفقوا على المدن اليمنية شكلوا ضغطا كبيرا على موارد اليمن المحدودة أمام تقاعس المنظمات الدولية عن القيام بواجباتها على الشكل المطلوب ، ثم هدد هؤلاء اللاجئون أمن وسكينة المجتمع من خلال انتشار العديد من الجرائم الأخلاقية والأمنية. ومن خلال استقطاب الكثير منهم لصالح الأطراف المتصارعة مع الدولة كما حدث عندما تم تجنيد الكثير منهم ضمن المقاتلين الحوثيين أو مع قوى الحراك .. أو لصالح تنظيم القاعدة وخاصة من استطاع التسلل منهم من أعضاء تنظيم شباب المجاهدين الصومالي الى اليمن . محيط : هل لظاهرة القرصنة في مدخل البحر الأحمر التي يمارسها بعض الصوماليين تأثير على أوضاع اليمن ؟ وهل لليمن دور في تأمين الملاحة والتجارة عند مدخل البحر الأحمر ؟ بالتأكيد للقرصنة تأثير واضح على اليمن وعلى غير اليمن ، فهي تعطل حركة الملاحة والتبادل التجاري العالمي ، وعلى مستوى اليمن فان القرصنة تؤثر على حركة الملاحة من والى ميناء عدن ، وميناء الحاويات والمنطقة الحرة بعدن ، في الوقت الذي بدأت فيه عدن باستعادة دورها التاريخي كوسيط في حركة الملاحة والتجارة الدولية .
وتقوم اليمن بدور كبير وواضح في الآونة الأخيرة لمكافحة القرصنة من خلال تطوير عمل قوات خفر السواحل وتدريبها وتزويدها بأحدث المعدات والآليات ، والمشاركة في جهود الأسرة الدولية لمكافحة القرصنة قبالة شواطئ عدن .. حيث تم اختيار عدن مركزا إقليميا دوليا لتنسيق الجهود الدولية في مجال مكافحة القرصنة .
كما أسهمت اليمن في إنهاء أكثر من عملية قرصنة ومنها حادثة المركبين المصريين اللذين تعرضا للقرصنة من قبل عصابات صومالية ، وأسهمت القوات اليمنية في عملية انقاذ المركبين وتأمين خروجهما وعودتهما ومن عليهما من البحارة بسلام إلى المياه الإقليمية المصرية . محيط : في رايكم من يقف وراء ظاهرة القرصنة ؟ وما تفسيركم لعدم رغبة القوى الكبرى وعلي رأسها أمريكا القضاء عليها ؟ وضع الصومال في مجتمع الأسرة الدولية يشبه وضع الفقراء في إطار أي مجتمع من المجتمعات المحلية ، فإذا لم يتم الانتباه إليهم وإشباع جوعهم ، وتحقيق مصالحهم ، وتنميتهم فإنهم يجنحون إلى الجريمة ، وهكذا هو وضع الصومال الفقير المنهك بحروب طاحنة وبانشغال العالم عنه وعن مساعدته وعن الإسهام في حل مشاكله ، وثمنا لكل هذا الإهمال من قبل الأسرة الدولية في معالجة جراح هذا البلد الضعيف والفقير ظهرت مثل هذه المشاكل.
ولم تستطع القوى الكبرى القضاء على ظاهرة القرصنة ولن تستطيع لأنها ركزت فقط واعتمدت على إجراءات عسكرية وأمنية ، ولم تتوقف ولو للحظة أمام مايمكن أن تقدمه لهذا البلد من دعم ومساعدة وتنمية ومحاولات جادة للقضاء على بيئة الحرب والإرهاب والصراعات الطاحنة التي تفتك به ..
إن القوى الكبرى باختصار ركزت على محاربة ظاهرة القرصنة ولم تفكر في محاربة وتغيير البيئة التي أوجدت القرصنة والإرهاب وكل المشاكل التي تعاني منها الصومال وصدرتها بدورها إلى غيرها من الدول والمجتمعات وحتى إلى البحار .