قلت لأبوعبدالله: هاهي صنعاء القديمة التي يعود تاريخها إلى سلالة سبأ من القرن السادس قبل الميلاد, كان اسمها أولاً، «أزال» فلما نزل بها الأحباش، ونظروا إلى مبانيها المشيدة بالحجارة قالوا هذه صنعة ومعناها بلسانهم حصينة فسميت لذلك باسم «صنعا» أو صنعاء كما تعرف اليوم، تعال لندخل أزقتها وأسواقها، فكل حجر هنا له حكاية ورواية... هز أبوعبدالله راسه مستجيبا، وأخذنا نلف المكان العتيق، تستوقفني زاوية ظل أو بيت جميل أو مسجد حافظ على طرازه المعماري، تم ذلك بفضل تعاون الدولة اليمنية مع المنظمات العالمية في الحفاظ عليه وعلى صنعاء القديمة، كإحدى أكثر العواصم العالم تميزا بطابعها المعماري الفريد، فقد أشار إليها الرحالة ابن بطوطة يوما بقوله: «صنعاء مدينة كبيرة حسنة العمارة... بناؤها بالياجور والجبس... كثيرة الأشجار والفواكه، معتدلة الهواء، طيبة الماء، مرصوفة طرقاتها بالحجارة، فإذا نزل المطر غسل جميع أزقتها وأنقاها». جلست وابوعبدالله نلتقط الأنفاس في ساحة البوابة التي أعيد تجديدها غير مرة خلال العهود الإسلامية المختلفة، التي مر بها اليمن، ثم التفت إليه، فقلت له: إنني جائع منذ الصباح وعليك أن تدلني على مطعم طيب فقال: ابشر يا بوحسين! خرجنا من البوابة فإذا المطعم الطيب على يميننا جلسنا فيه وحدنا، حتى أتانا صاحبه فرحب بنا وسألناه عما لديه فعدد أصنافه الكثيرة سألناه عن أجودها طهيا، قال الكل قلنا احضر ما خرج من الفرن لتوه فأخرج لنا «المولح» أولا، والذي لوحنا بطيب طعمه وجودته فهو الخبز الحار الكبير المحلّى بالسمسم والحبة السوداء، أكلته وأكل أبوعبدالله بعد تمنع كاذب؟ وإذا بالإطباق الطيبة الساخنة تنزل على الطاولة، فأكلناها معاً ولم نبق للصحن شيئاً يذكر؟ وبعد الأكل تثاقلت الخطى من التعب، عجزت أقدامنا على أن تحملنا ثانية إلى الفندق فاستوقفنا سيارة أجرة لتقلنا إليّ الفندق، وإذا بالمسافة لا تتعدى خمسين مترا، التفت اليّ أبوعبدالله الذي وجدته يضحك والتفت السائق الينا يضحك فقلت حسبي الله على الملوح أولا، وان جعلت أبوعبدالله دليلا سياحيا ثانيا. عدنا إلى الفندق وبتنا الليل من أوله لحين ساعة أذان صلاة الفجر قمنا وأجسادنا من البرد ترتعد، فلم نتوقع برودة صنعاء صلينا جماعة، ثم عدنا إلى دفء الفراش حتى أصبح الصبح ننتظر ساعة انتصاف الشمس في حلق السماء، فمن اجل تلك الساعة خرجت اقصد الظل الساكن، الذي تراه ينعدم في وقت معلوم لمسته في ساعة الذورة، حين تعامدت الشمس على رؤوسنا، نبحث عن ظلنا فلا نجد له اثراً وكأنه اختفى تحت أقدامنا. * كاتب وفنان تشكيلي