لا أجد إعلاماً ينبش تأريخه الأليم قدر إعلامنا المحترم بشقيه الرسمي والمعارض على السواء، بالإضافة إلى "المتطوعين"، وهم كثر من وسائل الإعلام الذي يدعي بعضه الاستقلالية؛ فعلى الرغم من مرور عشرات السنين على بعض الأحداث المؤسفة في شمالي البلاد وجنوبه لا زلنا ننبش في مآسي هذه الأحداث، وكأنه يفرحنا التأكيد على أننا كنا قتلة وسفاحين ومجرمين، وأننا لا نريد مغادرة الماضي، حتى وإن نسي الشعب ذلك، وكأن الإعلام لا يريد أن يرى مصير اليمنيين سوى أن يظل محصوراً بين المجازر والمقابر. المشكلة أن بعض وسائل الإعلام لا يبحث في التأريخ ليستفيد منه، بل ليسقطه على الواقع ويوظفه بطريقة سيئة، وهذا التوظيف هو الذي يجعل دوامة الأزمات مستمرة في تاريخنا ولا نستطيع توقيفها، فاليمنيون مولعون بالتذكير بمآسي الماضي اعتقاداً منهم أن هذا يضعف خصومهم، لكنه على العكس من ذلك يقوي من العصبية السياسية ويحول المجتمع إلى ساحة ثار سياسية ومجتمعية لا نهاية لها. لا نريد مجدداً نكء الجراح الناتجة عن بعض الأحداث التي عاشها اليمنيون قبل وحدة وطنهم وبعدها؛ فآلام الحروب اكتوى بها الشعب اليمني قبل وبعد الوحدة، ولا تزال آثار بعض هذه الحروب والمآسي تمد جذورها حتى اليوم، فهذه صفحات يجب أن تطوى وإلى الأبد، والبلد لم تعد تحتمل المزيد من الآلام، ولا يجوز للحكام والمعارضين "والمتطوعين" من خارجهم أن يزيدوا في الإمعان بالتذكير بها، فإذا كان من الجيد أن نطلب نسيان ما حدث في صعدة خلال الحروب الست، وهي لا تزال طرية، فكيف لنا أن نعيد نبش أحداث أخرى تجاوزها الزمن بعشرات السنين؟ لا يجب توظيف الحروب في الأزمات الداخلية، ولا يجب علينا أن نتداعى اليوم وفي حملات متزامنة من هنا وهناك، لإعادة التذكير بالأحداث المؤسفة التي شهدها اليمن خلال سنوات سابقة في الشمال والجنوب على حد سواء، وعلينا التفكير بالمستقبل حتى لا تأخذنا هذه الأحداث وتبقينا على أزماتنا المستمرة دون قدرة على تجاوزها. على اليمنيين أن يعوا أن التاريخ هو لأخذ العبرة لا لإحضاره إلى موائدنا، لنأخذه عبرة حتى لا تتكرر مآسٍ مشابهة، لا لجعله حاضراً عند كل نقطة خلاف وكل أزمة من أزماتنا.. لنجعل من التاريخ وسيلة لتخطي عقبات الحاضر لا لوضعه أمامنا كلما قررنا المضي إلى الأمام، وعلى الإعلام أن يساعد السياسيين على أن يبقى التاريخ في مكانه ولا يجري زحزحته حتى لا تلحق بنا كوارثه السيئة