كما أوضح رئيس وزراء اليمن ابو بكر القربي لمؤتمر لندن للدول التي وعدت بمساعدة اليمن. لا تكفي الملايين بل المليارات لرفع مستوي الاقتصاد الوطني اليمني. فاليمن يعترف بأنه بلد متخلف، ولكنه بلد طموح يريد التقدم إلي مصاف الدول الناجحة. لا يلام اليمنيون علي تخلفهم لأن الأئمة الزيديين الشيعة الذين جاء أولهم الإمام يحيي الراسي من المدينةالمنورة سنة 891 م لحل نزاع قبَلي دعي إليه لأنه من أحفاد الحسن بن علي وزوجته فاطمة الزهراء فاستقر وحكم أبناؤه وأحفاده اليمن بيد من حديد. أبلغ تبرير لسياسة التخلف التي فرضها الأئمة الزيديون علي اليمن هو ما قاله الإمام أحمد في خطاب ألقاه سنة 1953، إذ قال: "بعضكم يقولون إن اليمن متخلف وجائع وعريان؛ لا أنكر ذلك، ولكن أسألكم: هل تريدون التقدم لتصبحوا مثل الذين يخضعون للطغيان والاستعمار فأصبحوا محرومين من الشجاعة والكرامة والحرية؟". ثم مضي قائلا: "يشهد الله أنني أكافح من أجل أمن ورفاهية شعبي. ولكن لا أريد الخير لهذا الشعب إلا إذا حافظ علي دينه ووطنه وشرفه". كانت هذه هي سياسة الإمام أحمد الذي دبر مقتل أبيه الإمام يحيي "الذي طال انتظار وفاته" كي يلصق تهمة اغتياله بالمتمرد عبد الله الوزير، وهو أيضا من الأسياد "أي سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم" ليبرر إعدامه. كان الإمام أحمد يتعاطي الأفيون بسبب أوجاعه، ويعاني من جراء تأثيره السيئ من سرعة الغضب والحنق. لذا جرت محاولة لاغتياله عندما زار مستشفي مدينة الحديدة فأصيب بعشر رصاصات فسافر إلي إيطاليا للعلاج، وترك ابنه محمد البدر ليتولي تصريف الأمور خلال فترة غيابه. وبعد موت أحمد "الذي عقد وحدة مع مصر وسوريا ثم ألغاها". في محاولة اغتيال ثانية. أحيي الإمام البدر تلك الوحدة. فثار عليه الشعب والجيش وعينوا العقيد عبد الله السلال قائد مدرسة الطيران الحربي "التي كان قد أسسها الإمام أحمد ليتحدي الإنجليز في عدن" رئيساً للجمهورية. فهرب البدر إلي الشمال وظل يحارب الجمهورية بدعم من السعودية فاستنجد السلال بالرئيس جمال عبد الناصر فأنجده بستين ألف جندي. تسلط الضباط المصريون الذين عُينوا مستشارين للضباط اليمنيين علي أولئك الضباط، فعم الاستياء وتوجه إلي القاهرة وفد مدني وعسكري لعرض شكواهم علي الرئيس جمال عبد الناصر فحبسهم 13 شهراً. ولم يفرج عنهم إلا بعد سحب الجيش المصري من اليمن بعد هزيمة الأيام الستة في سنة 1967، فهدد السلال بإعدامهم إذا عادوا إلي اليمن، لكنهم عادوا واضطر السلال نفسه للهرب إلي بغداد، ولم يعد له دور في شؤون اليمن. عين اليمنيون بعد فرار السلال "الذي جاء بعد انسحاب الإمام البدر ولجوئه إلي بريطانيا حيث مات في الثمانينات" القاضي عبد الرحمن الأرياني رئيسا للجمهورية. ولكن بعد سبع سنوات قرر ضباط الجيش أن اليمن لم يحرز تقدما كبيرا في عهده فعزلوه وعينوا مكانه العقيد إبراهيم الحمدي الذي كان محبوبا شعبيا، لكنه أخذ يعزل كبار الضباط، فقتله العقيد أحمد الغشمي رئيس الأركان بحجة أنه كان يمارس الفسق والفجور مع مومسات فرنسيات طُرحت جثتا اثنتين منهن إلي جانب جثة الحمدي. لكن الغشمي لم يدم رئيساً إلا تسعة شهور، إذ قُتل من جراء انفجار طرد أرسل إليه من الجنوب، وبعده جاء إلي الرئاسة سنة 1987 الرئيس علي عبد الله صالح الذي حقق حلم اليمنيين بتوحيد الشطر الشمالي موطن 14 مليون يمني مع الشطر الجنوبي "عدن" الذي يبلغ سكانه مليوني نسمة بعد أن تخلي الروس عن دعم نظامه الشيوعي مثلما تخلوا عن كوبا. ونتيجة لاتفاقية الوحدة التي عقدت في طرابلس تقرر أن يكون علي عبد الله صالح رئيساً لدولة الاتحاد اليمني، ويكون الرئيس الجنوبي علي سالم البيض نائبا للرئيس؛ إلا أن البيض تمرد وعاد إلي عدن ولم تُجْدِ الوساطات فاشتعلت في سنة 1994 حرب دامية بين الجانبين انتهت بانتصار علي عبد الله صالح. هذه التقلبات أرهقت ميزانية الدولة اليمنية التي كانت ضعيفة أصلا بسبب فقر الشعب وقلة الضرائب، وزاد إرهاقها تمرد قبيلة حاشد "التي كان الإمام أحمد قد أعدم شيخها وابنه" ثم الحوثيين، علي الدولة فأصبح اليمن بحاجة ماسة للمساعدات، كما صرح رئيس الوزراء عبد الغني القربي في مؤتمر المانحين الذي عقد مؤخرا في لندن. فالمأمول هو أن تبادر دول هذا المؤتمر لتقديم المساعدات السخية إلي هذا البلد العربي المجيد كي يخطو خطوات سريعة نحو ما يصبو إليه من التقدم والرخاء. ويجب علي الدول العربية أن تهب لنجدة اليمن مثلما هب الاتحاد الأوروبي لنجدة اليونان ب25 بليون يورو، ومثلما وهبت أمريكا 19 بليون دولار لجزيرة هايتي المنكوبة. الكرم هو ما يتفاخر به العرب أكثر مما يتفاخرون بأي شيء آخر. فليثبتوا أنهم أنداد لحاتم الطائي وغيره من كرام العرب.