قلت ما يجب أن يقال    الرشيد يطيح بأهلي تعز ويبلغ نهائي بطولة بيسان    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    حزب الله يدعو السعودية لفتح صفحة جديدة ويؤكد التزامه باجراء انتخابات آيار 2026    الفريق السامعي يدين اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز افتهان المشهري    شرطة تعز تعلن القبض على متهم بقتل مدير صندوق النظافة والتحسين    مسيرات حاشدة بمأرب نصرة لغزة وتنديدا باستمرار جرائم الإبادة    القسام توقع آليات لقوة صهيونية في كمين نوعي شمال غزة    إصلاح المتون والزاهر والمطمة بالجوف يحتفل بالذكرى ال35 للتأسيس    تعز.. اعتصام واحتجاجات نسائية للمطالبة بضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    رئيس الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة تكرم محمد صالح الشكشاكي خلال بطولة أفريقيا للشباب بالقاهرة    الرشيد يتأهل إلى نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    العليمي أصدر مئات القرارات في الظلام.. حان الوقت لفتح الملفات    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    طوفان بشري بصنعاء يؤكد ثباته مع غزة ويرفض الخذلان رغم الجرائم    نتنياهو يطرد أردوغان من سوريا    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    لماذا تراجع "اليدومي" عن اعترافه بعلاقة حزبه بالإخوان المسلمين    جنوبيا.. بيان الرئاسي مخيب للآمال    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد جمال جميل بطل عراقي في صنعاء ولقاء مع ابنته سميره
نشر في البيضاء برس يوم 14 - 04 - 2010

حكاية ربما لا تتكرر في التأريخ ضابط من العراق يوفد ضمن بعثة تدريب عسكرية ارسلتها الحكومة العراقية الى اليمن في مطلع الاربعينات من القرن المنصرم الا ان هذا العسكري اصبح شخصية مشهورة وخالدة في تأريخ الشعب اليمني المجيد.
جمال جميل مدرب المدفعية سافر الى صنعاء وبمعيته ثلاثة ضباط في مهمة لتدريب وتأهيل جيش الامام أحمد في المملكة المتوكلية اليمنية. لقد كُتب الكثير عما خلفته تلك البعثة العسكرية النادرة من نتائج أيجابية في مناحي الحياة السياسية والعسكرية في اليمن وقصة وصولهم الى صنعاء عبر ميناء الحديدة بعد رحلة شاقة وثقها أحد افراد البعثة بأسلوب مؤثر وجميل.
اربع سنوات هي كل عمر البعثة ومن ثم رجع الجميع الى بلدهم الا جمال جميل تخلف عن العودة وتزوج من اليمن واستقر بها ليصير مسؤولا عن جيش الامام ومديرا لمعهد صنعاء العسكري بيد ان هذا العسكري الشاب تفاعل كثيرا مع قضايا اليمن وطموحاته في الانعتاق من ظلام القرون الوسطى حيث كانت اليمن ترزح تحت ابشع حكم كهنوتي متخلف عزلها عن ركب الحضارة والتنوير خلف اسوار موصدة تكابد شتى صنوف القهر والفقر والجهل والحرمان.
ويصف لنا احوال البلاد في تلك الحقبة اول رئيس جمهوري لليمن الراحل ((عبدالله السلال)) في مذكراته بانه ورفاقه حينما ذهبوا للتعلم في الكلية العسكرية ببغداد اصيبوا بصدمة عندما شاهدوا لأول مرة في حياتهم مصابيح النور تضئ الشوارع والسيارات تتحرك على الطرق المعبدة والمياه تجري في الأنابيب بل انهم عقدت السنتهم عن الكلام وهم يدخلون في دار السينما. بينما كان جمال جميل ورفاقه من اعضاء البعثة في صنعاء يعيشون صدمة مختلفة.
ووسط هذه المعطيات تحول جمال جميل من مدرب زائر الى عنصر ثائر يقود وينظم اول ثورة دستورية في تاريخ اليمن طردت الامام ونصبت حكومة ثورية جديدة بشرت بآمال واسعة لتغيير الأوضاع المزرية لبلاد تغفو في نفق النسيان والتخلف والبؤس.
أنضم الشهيد البطل الى كوكبة من رجال اليمن العظام امثال الزبيري والثلايا وعبدالله الوزير والكبسي وغيرهم العديد ممن سقت دماؤهم الزكية شجرة الحرية والثورة في اليمن .هذا القادم من بلاد الرافدين أحب اليمن وشعبها وانصهر مع اهلها ليغدو واحدا من مشاعل انارت الفجر لثورة سبتمبر الخالدة عام 1962. جاء اليها محملاً بعبق التأريخ الذي حفظ لرجال اليمن بطولاتهم وملاحمهم في فتوحات المسلمين الاوائل في مشارق الارض ومغاربها.
وعن تفاصيل حياة هذا البطل الثأئر تقول ابنته الوحيدة الدكتورة المهندسة في جامعة صنعاء سميرة جمال جميل ان ابيها ولد عام 1912م في مدينة الموصل شمال العراق وعندما اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية التحق بالكلية الحربية في بغداد وبعد تخرجه تدرج في المناصب حتى وصل الى رتبة نقيب، وحينها عين مرافقاً للفريق بكر صدقي رئيس اركان الجيش العراقي في ذلك الوقت ثم شارك جمال جميل في حركة بكر صدقي ضد حكومة نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي الاسبق وانتهت الحركة بمقتل بكر صدقي ودخول الضباط الذين كانوا معه السجن وكان ابي من بينهم ثم صدر بحقهم حكم الاعدام، ونتيجة للضغط العشائري والطلابي الغيت الاحكام بحقهم. وبموجب معاهدة تعاون بين البلدين ارسلت الحكومة العراقية اول بعثة عسكرية لليمن مكونة من اربعة اشخاص برئاسة العميد الركن اسماعيل صفوت وعضوية الرئيس محمد المحاويلي والرئيس جمال جميل والملازم عبدالقادر الكاظمي .عندما وصل الشهيد الى صنعاء في 3/4/1940م عشق جمال جميل اليمن وطناً وإنساناً وأدرك قيمة مكنوناته الثقافية والحضارية.
وحقيقة القوة الكبيرة والامكانات الهائلة المنسية والطاقات التي يختزنها هذا الوطن فأسهم بفاعلية الى جانب اترابه من أبناء الوطن في استنهاض قدرات هذا الشعب وتنميتها وتهذيبها، ووضع عربات التغيير على قضبان الثورة نحو الغد المشرق من خلال دوره ومكانته في الجيش الامامي. فهو اول من ادخل صنف المدفعية في الجيش اليمني وفتح دورة مدفعية للضباط لغرض تجديد المعلومات وتحديث اساليب التدريب حتى تشكل فوج مدفعي نموذجي..
لكن جمال لم يعد مع البعثة العراقية في منتصف عام 1943م واستقر بصنعاء وتزوج الرجل بعد وصوله الى اليمن بسنة وتمكن خلال فترة عمل البعثة ان ينسج علاقات مع قادة الجيش وكل أطياف المجتمع وفي اعتقادي ان هذا الضابط القادم من بيئة محافظة في شمال العراق قد اندمج بسهولة مع المحيط الاجتماعي في صنعاء المحافظة على تقاليدها ونما بينه وبين هذا الوطن حباً متبادلاً حفزه للبقاء والاستقرار.وبقي وفيا لقضايا اليمن وتطلعاته فأختاره ثوار 1948 قائدا عسكريا لهم ونجحت الثورة فعين وزيرا للدفاع وقائدا عاما للجيش لكن الثورة الوليدة انتكست بعد شهور قليلة ولاسباب عديدة لا مجال لذكرها فعاد الأمام أحمد ليحكم اليمن من جديد ومن الطبيعي ان يكون جمال جميل ورفاقه الثوار اول من ساقهم الى ساحة الاعدام في صنعاء وأطلق الثائر بوجه الأمام أحمد صرختة المدوية والتي يحفظها اهل اليمن قبل ان يقطع سيف الجلاد رقبته ((بأننا قد حبلناها وسوف تلد)).
نعم سقت دماءه الزكية ثرى اليمن العزيزة لتبشر بميلاد ثورة الشعب والجيش عام 1962م. فسلاما لكم ايها الشهيد الثائر اليعربي فقصة شجاعتكم تظل عنوانا أزلياً لملحمة اخوة راسخة بين العراق واليمن وبين كل ابناء العروبة لن تنفصم عراها ابدا ً.


**لقاء مع ابنه الشهيد جمال جميل


منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة والبحث جارٍ عن الإبنة الوحيدة الباقية من أولادا لرئيس الشهداء، وأول مهندسة معمارية في اليمن، وأول دكتورة في قسم الهندسة بجامعة صنعاء،
لتروي لنا قصة الرجل العراقي الذي لم يجد عن هبة يحبو اليمن غير حياته الغالية وروحه الأغلى التي قدمها رخيصة في سبيل حرية وطن وكرامة شعب ظل يرزح تحت نير الاستبداد حقبة من الزمن.
إنه الشهيد الرئيس/ جمال جميل، الذي كان فعلاً جميلاً في حياته وجمالاً في استشهاده.
- في البداية نود أن تحدثينا عن نشأة وحياة والدك الشهيد جمال جميل؟
* ولد الشهيد جمال جميل في 3 مارس 1913م، في مدينة الموصل من أبويين عربيين، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في المدرسة الخضرية، ثم التحق بالكلية الحربية وتخرج منها، وكان من الأوائل، وتم تكريمه آنذاك من الملك فيصل الأول، وتدرج برتبه العسكرية حتى رتبة النقيب، وشارك خلال هذه الفترة في الانتفاضة العسكرية التي قادها اللواء بكر صدقي على حكومة ياسين الهاشمي، واتهم بالمشاركة في مقتل الفريق جعفر العسكري – رئيس أركان الجيش العراقي- وعلى إثر ذلك حوكم وجرد من كل الرتب العسكرية وحكم عليه بالإعدام ولكن التف زملاؤه حوله من الضباط والقيادات العسكرية، فلم تستطع الحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد تنفيذ حكم الإعدام فنقل من الجيش إلى قوة نهرية صغيرة (حراسة الحدود المائية) وعمل فيها لفترة قصيرة قبل أن ينتدب للعمل في اليمن عام 1940م.
- كيف تم انتقاله إلى اليمن؟
* كان هناك اتفاق ثقافي عسكري بين اليمن والعراق في عهد الإمام يحيى حميد الدين وهذا الاتفاق كان يقضي بتبادل الخبرات العسكرية بين البلدين ومن ضمن الاتفاق استخدام فرقة أو بعثة عسكرية عراقية لتدريب الجيش اليمني في تلك الفترة فاختيرت هذه البعثة من شباب عراقيين ومنهم الشهيد جمال جميل.
- ما كانت طبيعة عمله في اليمن؟
* نسب إليه تدريب ما كان يسمى حينذاك بالجيش الدفاعي، وأشرف على تشكيل أول فوج مدفعي نموذجي، وشارك في تنظيم المدرسة الحربية وإصلاحها، وشارك في تنظيم مدرسة المخابرة (الإشارة) وشارك في إعادة تنظيم وتسليح الجيش اليمني على الأساليب الحديثة، وكان الجيش اليمني في ذلك الوقت مشكل من لواء واحد فقط، وجيش أعجز من أن يصلح للقتال.
- كيف بدأت عملية اتصاله بالأحرار اليمنيين؟
* كانت في البداية اتصالاته محصورة بتلاميذه من الضباط على مختلف الرتب، وكان يزورهم ويحضر حفلات أفراحهم ومجالس العزاء، ويتفقد أحوالهم، وكان يتألم لحال الوطن والأمة لما تعانيه من جوع وفقر، حيث أصاب اليمن عام 1934م مرض (التيفوس) وحصد ما يقرب من نصف مليون شخص، وأصاب البلد في نفس الوقت حالة قحط ومجاعة، ولم تتحرك لها ضمائر الحكام وسيوف الإسلام، حيث كانوا هم يحتكرون تجارة الحبوب، فبدأ الشهيد جمال جميل يعبر عن امتعاضه لما يصيب الأمة صراحة وجهاراً.
- كيف؟
* مثلاً في عام 1366ه عاد سيف الإسلام عبد الله من زيارته لأمريكا، بعد أن وقع اتفاقاً معها، وتقرر إقامة حفل استقبال وتكريم لسيف الإسلام عبد الله هذا، ألقى فيه الشهيد جمال جميل خطاباً لاذعاً للأئمة، حيث قال موجها كلامه لسيف الإسلام عبد الله:( منذ سنين وأنتم تزورون دولاً كبيرة وصغيرة.. غنية وفقيرة.. أسألكم بالله هل رأيتم جيشاً أسوأ حالاً من جيشكم؟ أنا أجيب عنكم: كلا)، كما دعا في خطابه إلى النهوض بالشعب اليمني، وكان وقع هذا الخطاب على الجيش شديداً فقد كان الهتاف والتصفيق يشق عنان السماء، وكانت تلك أول مواجهة بين الإمام يحيى والشهيد جمال جميل.
- وماذا كان رد فعل الإمام؟
* في اليوم التالي أرسل الإمام يحيى رسالة إلى الشهيد جمال جميل نصها ( إلى الرئيس جمال جميل .. عافاه الله.. لقد ساءنا ما بلغنا من خطبتك أمس في الجيش، فإنها لم تكن حسنة..)
- هل كان على صلة أو علاقة بحركة نضالية على المستوى القومي العربي، أم كان انضمامه للأحرار مجرد قناعة شخصية؟
* لم يكن للشهيد علاقة بأي حركة نضالية على المستوى القومي العربي وإنما كان يتواصل الحوار مع بعض الشخصيات من حركة الإخوان المسلمين في مصر.
- وما علاقته بحركة الإخوان المسلمين في مصر؟
*ليس له علاقة بالإخوان المسلمين، ولكن الورتلاني هو مندوب الإخوان الذين كانوا هم مع الجناح المدني فقط، أما الجناح العسكري ويمثله الوالد ليس له علاقة بالإخوان ولا غيرهم.
أما انضمامه للأحرار فكان بقناعة شخصية لديه بعد أن تواصلوا معه، وضموه إلى الحركة باعتباره ممثلاً للجانب العسكري.
- هل كانت أسرته على علم بما كان يقوم به الشهيد؟
* في البداية كلا، وعندما بدأت الاجتماعات تكثر وتتواصل وخاصة تلك التي كان يعقدها في منزله، عندها بدأت الشكوك تتسرب إلى الأسرة.
- كيف انكشف أمره لدى الإمام، وكيف كانت نهايته؟
* لم ينكشف أمره لدى الإمام يحيى، ولكن من خلال التحضير للثورة كان التشاور والتنسيق يتم بين الشهيد عن الجانب العسكري وبين الجناح المدني الذي كان يتزعمه حسين الكبسي وآل الوزير والورتلاني حتى أعدوا العدة لقيام الثورة، وتم اغتيال الإمام يحيى في منطقة حزيز في شهر فبراير عام 1948م، وتم الإعلان عن قيام الثورة وسقوط الإمامة، وقيام حكومة ملكية دستورية، لكن ثورة 48 فشلت لأسباب كثيرة يعلمها القاصي والداني، وسيق الأبطال إلى محاكمات صورية وهمية وأعدموا وقطعت رؤوسهم وعلقت على غصون الأشجار ونوافذ المباني الحكومية في ميدان شرارة (ميدان التحرير حالياً).
- ماذا كان رد فعل دولة العراق الشقيقة على استشهاده؟
* لم يكن هناك أي رد فعل رسمي من العراق، بل شجعوا على إعدام الشهيد.
- لماذا؟
* من أجل التخلص منه لما له من ماضي سابق في الحركة الوطنية العراقية.
- حدثينا عن أبرز موقف مؤثر سمعتيه عن والدك؟
* الموقف الأول ما أخبرني به أخي جميل حيث قال ذات مرة أنه كان واقفاً بباب المنزل من الداخل وعندما رأى والدي طفلاً عارياً يلعب بجانب المنزل نزل من البيت وخلع قميص أخي جميل وألبس ذلك الطفل وهذه الصورة كانت تتكرر مراراً، وكان دائماً يعطي أولاد الجيران ما لدى أخوتي من ملابس وألعاب كانت غير موجودة في ذلك الحين في اليمن حتى لايشعروا أنهم أحسن من غيرهم.
أما الموقف الآخر فكان يوم إعدامه حين قادوه مكبلاً بالسلاسل وأخرجوا طلابه من الكلية الحربية ليتأملوا المنظر وجعلوه يمشي بين صفين من طلابه فكان يخطب فيهم لا يرهبنكم دمي ولا تخافوا واجعلوا رياح الثورة تصفو في صدوركم أنتم الأمل أنتم المستقبل.. إلى أن وصل إلى ميدان التحرير وقبل تنفيذ الحكم وهو يتحدث إلى طلابه إذا بسيف الإسلام إسماعيل ابن الإمام راكباً فرسه مخموراً وفي يده عصا ضرب بها والدي الشهيد في فمه إلى أن سال الدم،فرد عليه الشهيد بقوله: اليوم يا إسماعيل وأنا أسير.
ومرت الأيام وانتقم الله لأبي حين شاء أن يضرب سيف الإسلام إسماعيل يوم 26 سبتمبر 1962م في نفس المكان الذي ضرب فيه والدي على يد البطل عبد الله جزيلان الذي قال له: هذه من جمال جميل.
- هل كنت تشاهدين منظر إعدام والدك وضربه في ذلك اليوم؟
* لم أكن موجودة حينها في اليمن لأن والدتي علمت برغبة الإمام بحضور إخوتي وقت إعدام والدي الشهيد أما أنا فكنت مولودة صغيرة فهربت بنا والدتنا من بيت إلى بيت ومن مكان إلى آخر حتى انتقلنا إلى العراق.
- كيف استمر حال الأسرة بعد رحيل عائلها الشهيد؟
* كانت أياماً صعبة جداً جداً. فمنذ اليوم الأول لسقوط ثورة48م، وهو يوم الفراق بيننا وبين والدنا، حيث جاء تلك الليلة وكتب وصيته بأن ليس عليه ديون ويوصي أمي بنا، وفي الساعة الثامنة صباحاً تفاجأ الجميع باجتياح القبائل لصنعاء ويقال بأنه كان مشهداً مرعباً، إلى درجة أنهم كانوا عندما لم يستطيعوا أخذ الذهب من أيدي النساء كانوا يقطعون أياديهن بما فيها من الذهب .. وبالتأكيد كان لمنزلنا (الكائن في شارع جمال) النصيب الأوفر من ذلك النهب إذ نهب بيتنا كاملاً حتى الأبواب والنوافذ، بل قاموا بحفر الجدران والسقوف بحثاً عن ذهب أو فضة.
وكانت والدتي ترد عليهم بان الذين قبلكم قد أخذوا كل شيء ولم تكف تلك الأفواج حتى أخذنا أحد الجيران وهو الوالد ناشر الحمامي إلى بيته ولكن عسكر الإمام لحقوا بنا فخبأنا في مخزن الحبوب، وكان العسكر يبحثون عنا بحراب بنادقهم في الحبوب ولكن الله نجانا، وبعدها انتقلنا إلى بيت الشيخ الفاضل حسين الحبشي، ثم في بيت الشيخ سيد مختار العجمي من رجال صنعاء، وفي هذه الأثناء كان الناس يحسنون إلينا والبعض منهم كان يستخدم الأطفال لمضايقتنا.. حتى جاء الفرج من بغداد واتصل عمنا الكبير وتوسط لخروجنا وتطوع لاستقبالنا والعيش في كنفه، واستمرت الحياة في العراق حتى قيام ثورة 26 سبتمبر1962م.
- وكيف عدتم إلى اليمن؟
* بعد قيام الثورة المجيدة جاء المرحوم المشير عبد الله السلال وأعادنا إلى اليمن معززين مكرمين.
- لماذا كان يلقب بالرئيس جمال جميل؟
* عندما وصل الشهيد إلى اليمن ضمن البعثة العسكرية العراقية كان يحمل رتبة نقيب، وكانت رتبة النقيب آنذاك تسمى ب"الرئيس" وهكذا لقب الشهيد بلقب الرئيس واستمر اللقب إلى يومنا هذا.
- ما مدى الرعاية والاهتمام التي تحظون بها من قبل الدولة اليمنية؟
* نحن نعيش منذ عودتنا مواطنين يمنيين مثلنا مثل أي مواطن يمني.
أما الرعاية نحن نسمعها فقط في وسائل الإعلام.
- ونحن الآن نعيش الذكرى السابعة والأربعين للثورة، ماذا تودين قوله بهذه المناسبة؟
* دماء الوالد لم تذهب سدى، ونرى ثمار هذه الدماء على أرض الواقع.
- هل ترين أن جميع أهداف الثورة اليمنية قد تحققت ؟
* إن لم تكن قد تحققت جميعها، فإن القيادة السياسية الحكيمة تسير في الطريق الصحيح لتحقيق ما تبقى من أهداف الثورة اليمنية.
- بعد 47 عاما من عمر الثورة، ما زالت الثورة مهددة من بعض القوى، ما تعليقك على ذلك؟
* نعم لا زالت الثورة مهددة من القوى الظلامية التي تريد العودة بعجلة التاريخ إلى الخلف، وهذا بعيد المنال عليها، لأن شجرة الثورة المباركة أينعت وأثمرت وجنى الشعب ثمارها، وهو لن يفرط بالمكاسب والانجازات التي تحققت.
- ختاماً والعراق الآن يرزح تحت الاحتلال، ما الرسالة التي يمكن أن تقدميها لليمنيين كنوع من رد الجميل، وكذلك رسالة للعراقيين؟
* أنا مواطنة يمنية وليس لي أي مميزات خاصة سواء في اليمن أو العراق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.