أعتقد أن الوقت قد حان أن ينظر من نسميهم شيوخ القبائل إلى مصلحة الوطن أولاً، لأن مصلحة الوطن هي من مصلحة القبيلة ولا يمكن تجزئتهما أو انفصالهما، والحقيقة أن مصلحة القبيلة وأفرادها من مصلحة الوطن وليس العكس. بين فترة وأخرى يظهر علينا أحد الإرهابيين من أعضاء القاعدة على محطات التلفزة أو مواقع الانترنت ويعلن للعالم أنه وجماعته من المتطرفين المجرمين في مأمن في اليمن لأنه يحتمي بأفراد القبيلة الفلانية الشجعان الأبطال وهكذا من أوصاف تدغدغ مشاعر بعض أنصاف المتطرفين من الشباب ليشعروهم أنهم في مأمن من السلطات الأمنية أو هكذا هم يريدون أن يوهموا الشباب وهي دعوة مبطنة هدفها الدعوة للانضمام إليهم في تدمير الوطن. ما يؤلمني كمواطن أن يظهر أحد المجرمين الداعين لتدمير الوطن ومعاداة الدولة وإعلانه على الملأ انه يحتمي بالقبيلة الفلانية والمنطقة الفلانية. والحقيقة أنه كان يفترض أن تعلن تلك القبيلة وشيوخها وكبار رجالاتها استنكارها لذلك ورفضها وتبرئتها مما يدعيه ويزعم بل وتساعد الدولة على إلقاء القبض عليه ومحاسبته ومحاكمته لأنه في هذه الحال أساء للقبيلة وسمعتها واسمها وتاريخها الذي يعتمد في الأساس على الأعراف والتقاليد اليمنية الأصيلة، وكذلك أساء لصورة الوطن في الخارج وأساء لمساعي الدولة في تسويق صورة البلد من الناحية السياحية والاستثمار فيها وأساء لكل يمني، والمتنقلون من اليمنيين بين الدول لغرض السياحة أو التجارة أو التعليم يعون تماماً معنى هذا الكلام فهم أكثر المواطنين تضرراً ومعاناة رغم أن القبيلة ووفقاً لتقاليدها يفترض ألا تكون لها علاقة بتاتاً بالمجرمين والمخربين والخاطفين وقطاع الطرق، وأسوق هنا كمثال العولقي الذي تطارده أمريكا المولود فيها والدارس والمتربي في كنفها، والذي جاء إلى اليمن حاملاً معه التطرف والتشدد والإرهاب وكأننا نحتاج إلى خبرات في هذا المجال رغم أن لدينا من المنحرفين عن السراط السوي الكثير. أنا لا أتهم الرجل هنا ولكن من المعروف أنه مطلوب للمحاكمة ولو كان بريئاً لقدم نفسه للقضاء اليمني وأبعد عن نفسه الشبهة ولكنه تمادى في التصريح الإعلامي وأساء لليمن وأعلن بشكل واضح مسؤوليته عن بعض الأعمال التي يستحق عليها المحاكمة مما يؤكد أن له صلة بأكثر من عمل مخالف للقانون. والقبيلة التي يحتمي خلفها أصبح ينظر إليها المراقبون في الداخل وربما في الخارج نظرة سلبية ألصقها بها شخص مطلوب للعدالة. والصورة الأخرى أو المثال الآخر أن نجد قطاع طرق ومجرمين يرتكبون جرائمهم في الطرق وبشكل عنصري مقيت لا تقبله أعراف كل القبائل وضحاياهم كبار في السن وأطفال وعائلات وجنود، يرتكبون جرائمهم ويلوذون بالفرار إلى مناطق جبلية حتى يحتموا خلف العرف القبلي والذي يرفض قطعاً كل تلك التصرفات. ومهما كان موقع الفاعلين لتلك الجرائم في القبيلة أو في فخذ القبيلة فإن العمل البربري الهمجي الذي يرتكبه هؤلاء المجرمون باسم المنطقة أو باسم قضية حقوقية أو باسم القبيلة ككيان فإنه يخالف أبسط القوانين السماوية والعرف القبلي والعادات والتقاليد اليمنية والعربية. بل إن ما يرتكبه هؤلاء المنحرفون والشاذون يتضارب حتى مع كل القوانين والأعراف القبلية للمجتمعات الشرقية فهي أيضاً تمتلك قيماً وأعرافاً إنسانية أيضاً. فما بالك إننا مسلمون نكرم الضيف ونساعد المحتاج ونقف مع المظلوم والملهوف ونرحب باللاجئ الفار من الجحيم مادام لا يخالف أعرافنا وتقاليدنا وقيمنا. إن الصورة القبلية في اليمن يبدو أنها أخذت في الانحراف عن كل تلك القيم وإلا كيف يقبل مشايخ بعض القبائل أن تكون قبيلتهم ضامة وحامية لمجرمين وقطاع طرق وإرهابيين ارتكبوا جرائم ترفضها قيم القبيلة التي نعرفها طوال عشرات السنين بل ومئات السنين . إن على الدولة أن تنظر لمسألة طريقة التعامل وأسلوب الدعم لمشائخ القبيلة من باب المصلحة الوطنية ودرجة التعاون مع الدولة والقانون وليس من خلال تاريخ القبيلة، وعلى الدولة ومفكريها أن يضعوا الدراسات الاجتماعية نصب أعينهم في مسألة ضرورة استسلام العرف القبلي والتقاليد القبلية للدولة والقانون في قادم الأيام لأن هناك من يلعب على وتيرة العرف القبلي وجعله يطغى على القانون وسمعة الحكومة وسمعة الدولة وهنا الخطر. ونحن في اليمن لسنا الوحيدين في الجزيرة العربية نرزح تحت تأثير سلطة القبيلة في بعض المناطق فكل الدول المجاورة تكويناتها قبلية لكنهم رويداً رويداً بسطوا نفوذ الدولة وقوانينها على كل أفراد القبيلة بل على كل القبائل إلى أن اختفت العنترة القبلية بالشكل الذي نعرفه الآن رغم أنها مازالت موجودة نفسياً وثقافياً بصورها المقيتة كالتزاوج بين الأفراد وهذا شأن خاص بين أفراد القبيلة وعلاقتهم بالقبائل الأخرى من الناحية الاجتماعية والذي لا يؤثر على المسألة الأمنية. وبالتالي فانه مطلوب من الدولة التعامل مع القبائل وشيوخهم بالقانون وليس بالعرف القبلي الذي نعرفه ونسمع عنه . وعلى الدولة أن تركز في مسألة نشر أعداد أكبر من المدارس والمعاهد في بعض المناطق القبلية، فالتعليم هو الطريق الآخر والمهم للتخلص من سيطرة الشأن القبلي على عقلية أفراد المجتمع في تلك المناطق، وأخيرا كلنا قادمون من مجتمع قبلي لاشك في ذلك ولكن أن يكون العلم والقانون شيخي وارضخ له ولتعاليمه أفضل لي من أن يكون شيخي أحد المشايخ والذي لابد إلا وأن تكون له مطامع شخصية ولو على حساب القبيلة والوطن.