يبدو أن انتفاضة السفن لن تقف عند حدود السعي لإنهاء الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة وإنما ستمتد أيضا لفضح معاناة الأسرى في سجون الاحتلال في ظل الصمت الدولي المخزي تجاه مأساتهم . ففي 14 يوليو / تموز ، كشف فهد أبو الحاج مدير متحف أبو جهاد لشئون الحركة الأسيرة ومقره جامعة القدس عن بدء الاستعدادات لتسيير سفينة تحمل اسم "شموع الحرية" بعد شهر رمضان المبارك في مياه البحر الأبيض المتوسط وزيارة أكبر عدد ممكن من الدول المطلة عليه لإطلاع العالم على معاناة الأسرى الفلسطينيين في حقبتي الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي. وأضاف أن التفكير في تسيير السفينة جاء بعد معرض "شموع الحرية" الذي نظمه المتحف خلال الأسابيع الأخيرة في 13 بلدة ومدينة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعرض خلالها تجربة الأسرى بمختلف مجالاتها. وتابع الناشط الفلسطيني في شئون الأسرى أن معرض "شموع الحرية" ضم خلاصة تجربتين مريرتين للشعب الفلسطيني وهما مرحلة الانتداب البريطاني وما تخللها من تحقيقات في الآبار وإعدامات بهدف إجهاض أية حركة ثورية ومرحلة الاحتلال الإسرائيلي وخلاصة تجربة نحو 800 ألف فلسطيني خاضوا تجربة الاعتقال والتعذيب ، قائلا :" متحف أبو جهاد لشئون الحركة الأسيرة يعتبر أهم متحف فلسطيني يضم مقتنيات وإنجازات الأسرى وتجاربهم وبدأت فكرة إنشائه عام 1987 ثم تطورت بإنشاء متحف جامعة القدس شرقي مدينة القدسالمحتلة عام 2007 ". وأضاف أن معرض وسفينة "شموع الحرية" يعرضان تجربة كاملة متكاملة لمعاناة الأسرى الفلسطينيين وإنجازاتهم من دخول السجن وحتى الإفراج عنهم بما في ذلك التعذيب والتطور الفكري والإنتاج الأدبي والفني. وأوضح أبو الحاج أن فكرة تسيير سفينة الحرية ولدت بعد اعتراض إسرائيل لأسطول الحرية وما لحق بإسرائيل من حرج بالغ بعد المجزرة التي ارتكبتها ضد النشطاء على متن السفينة . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، بل إنه كشف في تصريحات مع قناة "الجزيرة" أنه عقد اجتماعا مع منظمي الأسطول لترتيب سفينة "شموع الحرية" ، مشيرا إلى أن الترتيبات مستمرة لإطلاق السفينة وتم وضع منظمي "أسطول الحرية" وسفينة "مرمرة" التركية في صورة كل ما يلزم ومواصفات السفينة المطلوبة . واستطرد أن السفينة قد تنطلق من ميناء العقبة الأردني أو من الجزائر ، مرجحا الجزائر لرمزية المكان وإعطاء أكثر من مغزى ورسالة كون هذا البلد ذا تجربة مريرة في الأسر والاعتقال. وتابع أن السفينة ستحمل على متنها 15 شابا من الأسرى المحررين ونحو عشرين متضامنا دوليا ونحو 15 صحفيا يمثلون وسائل إعلام دولية ومحلية مختلفة وعددا من المسئولين الفلسطينيين والرسميين العرب والأجانب ، موضحا أن موضوع الأسرى إنساني بامتياز ويحظى بإجماع فلسطيني رغم الانقسام . واختتم قائلا إن رسالة السفينة للعالم هي إظهار مشروعية النضال الفلسطيني ومعاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال وضرورة حشد الدعم الدولي للإفراج عن نحو سبعة آلاف أسير لا يزالون معتقلين في سجون الاحتلال ، بالإضافة إلى حث العالم على الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في نضالهم لنيل الحرية والاستقلال. توقيت بالغ الأهمية
صور أسرى في سجون الاحتلال ويبدو أن توقيت الإعلان عن المفاجأة السابقة لا يخلو من مغزى واضح ، فهو جاء متزامنا مع قيام بحرية الاحتلال الإسرائيلي باعتراض سفينة "الأمل" الليبية ومنعها من دخول ميناء غزة ، و رغم أن إسرائيل اعتقدت أنها بهذا الأمر حققت نجاحا حيث تجنبت مجزرة جديدة مماثلة لما ارتكبته ضد أسطول الحرية من جهة ومنعت دخول السفينة إلى غزة من جهة أخرى ، إلا أنها فوجئت بأن رسالة تلك السفن لم تصل فقط إلى العالم أجمع وإنما باتت هي الوسيلة الأكثر شهرة لفضح جرائم إسرائيل وإحراج حلفائها في الغرب وعلى رأسهم واشنطن. ولعل ما يضاعف من أهمية ما أعلنه أبو الحاج أيضا أنه جاء في الذكرى الرابعة لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في غزة وتركيز الغرب على إطلاق سراحه ، مقابل تجاهل معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال . بل ويبدو أن "شموع الحرية" تسعى أيضا لإجهاض مؤامرة "قانون شاليط " والتي تستهدف ابتزاز حركة حماس ودفعها لإطلاق سراح شاليط دون تنفيذ الشروط التي وضعتها لاتمام صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل. وكان الكنيست الإسرائيلي أقر في مايو/أيار الماضي قانونا لتشديد العقوبات على الأسري الفلسطينيين في سجون الاحتلال وحرمانهم من حق التعليم وقراءة الصحف ومشاهدة التليفزيون والزيارة ، إضافة إلى عدم تحديد مدة العزل الانفرادي . ورغم أن القانون السابق الذي أطلق عليه "قانون شاليط" يعتبر انتهاكا صارخا لكافة القوانين الدولية ، إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكنا ، فيما ركزت واشنطن على مطالبة حماس بالسماح بزيارة شاليط ، متجاهلة مأساة آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال والذين بينهم أطفال ونساء . وبجانب ما سبق ، فإن هناك أمرا آخر يعطي أهمية بالغة لما أعلنه أبو الحاج حول "شموع الحرية" والمقصود هنا تصريحات عيسى قراقع وزير الأسرى في الحكومة الفلسطينية حول مأساة الأسرى في سجون الاحتلال . تصريحات قراقع
عيسى قراقع ففي 27 يونيو / حزيران الماضي ، حذر قراقع من كارثة تهدد حياة 1500 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، وخلال مؤتمر صحفي عقده في رام الله ، أضاف قراقع قائلا :"لدينا في السجون الإسرائيلية 1500 حالة مرضية مصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي والقلب وحالات أخرى مصابة بالشلل ترفض إسرائيل السماح لنا بإدخال أطباء لمعالجتها". وتابع " بعد حملة من الضغوط نجحنا في إدخال أطباء أسنان إلى السجون الإسرائيلية ونحن نبذل قصارى جهدنا بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي ومنظمات دولية أخرى من أجل إدخال أطباء من كافة التخصصات لمعالجة الأسرى المرضى بسبب سياسة الإهمال الطبي المتعمدة التي تمارسها إسرائيل بحق المعتقلين". ودعا الوزير الفلسطيني إلى تطبيق قرار أممي بإرسال لجنة تقصي حقائق دولية إلى السجون الإسرائيلية للتحقيق في الوضع الصحي للمعتقلين ، قائلا :" لدينا قلق حقيقي وتزايد مستمر في الحالات المرضية وانتشار لأمراض خطيرة في أوساط المعتقلين". وشن هجوما عنيفا على المؤسسات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان بسبب ردة فعلها التي لم تكن بالمستوى المطلوب للاحتجاج على "قانون شاليط" الذي أقره الكنيست الإسرائيلي والقاضي باتخاذ إجراءات عقابية ضد الأسرى لقيام نشطاء فلسطينيين باحتجاز الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط منذ 4 سنوات. واستطرد "كيف تقبل مؤسسات الأممالمتحدة أن تشرع حكومة قانونا ينتهك حقوق الإنسان ، هذه سابقة في التاريخ وإذا ما طبق هذا القانون سيواجه بخطوات احتجاجية من قبل المعتقلين وسنكون نحن معهم ندعم خطواتهم ونساندهم". وتابع "جميع أسرى غزة محرومون من الزيارة منذ أكثر من 3 سنوات كما يوجد 1200 أسير من الضفة تمنع عائلاتهم من زيارتهم سواء الأم أو الأب أو الزوجة أو الأولاد تحت حجج واساليب واهية تصور ان والدة معتقل عمرها 80 عاما تمنع لأنها خطر على اسرائيل. ومضى قائلا ان وزارة شئون الاسرى تحول شهريا لكل معتقل في السجون الإسرائيلية بغض النظر عن ولاءاته السياسية ما يقرب من 80 دولارا لشراء مستلزماته من داخل السجن. وأشار إلى وجود ما يقرب من 7 آلاف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية بينهم أطفال ونساء ، وأضاف "لدينا أيضا 20 ألف أسير وأسيرة محررين عاطلين عن العمل نحاول مساعدتهم من خلال تنظيم برامج تدريب مهنية لهم وإعطائهم قروضا لمشاريع صغيرة من خلال التعاونيات ، السلطة الفلسطينية لا تستطيع وحدها حل مشكلتهم ، نحن بحاجة إلى تضافر كل الجهود". ورغم مأساوية التصريحات السابقة ، إلا أن كل ما يهم واشنطن هو حياة شاليط ولذا فإن الإعلان عن تنظيم "شموع الحرية" جاء في التوقيت المناسب تماما بل وأكد من جديد نجاح رسالة سفن كسر الحصار حتى وإن منعتها إسرائيل من دخول قطاع غزة .