لايحتاج المرء إلى كبير جهد ليلحظ أوجه التشابه الكبير بين المشروع الإيراني الذي يتبنّاه النظام الحالي في طهران ، وبين المشروع الصهيوني الذي يحتل فلسطين ، بل يكاد المشروعان أن يتطابقا لكثرة أوجه الشبه بينهما !وأول تلك الأوجه عقيدة التفوُّق العرقي العنصرية التي تجمعهما ، فكما يدعي اليهود أنهم شعب الله المختار ، ثمَّة نزعة تشبهها جداً في الطغمة الحاكمة الإيرانية ، ومما يجهله أكثر الناس أنّ تغيير إسم فارس إلى إيران ، كان سببه هذه النزعة العرقيّة الفوقية ، فإيران _ عندهم _ تعني الجنس الآري النقي أو الطاهر ، حتى لقد زعم مؤرخون إيرانيون أنَّ هذا الجنس نفسه الذي ينحدر منه الإيرانيون ، هو الذي هاجر منه من هاجر إلى ألمانيا ومنهم ينحدر هتلر !! ولهذا السبب اشتاط كسرى غضبا عندما جاءه كتاب نبينا محمّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يدعوه إلى الإسلام ، ومزَّق الكتاب بعد أن وجد اسم محمّد الشريف عليه الصلاة والسلام ، وجده قبل إسم كسرى ، وأمر خادمه على اليمن أن يرسل جنديين يأتيانه بهذا ( العربي الذي تجرأ وأرسل رسالة لسيده ) ! وكان الفرس ينظرون إلى أنفسهم أنهم سادة العالم ، وغيرهم عبيد لهم ، تماما كما ينظر اليهود إلى الأغيار ، ويقال إنَّ هذا هو سبب تسمية رجال الدين هناك ب ( السيد ) تأثُّرا بهذه النزعة في العقل الباطن ، ومن ينظر إلى طبيعة العلاقة بين ( السيد ) والخاضعين لسلطته في ثقافتهم ، يرى بوضوح كيف يتسلط ( السيد ) على أموالهم ، وعقولهم ، وحتّى على نسائهم ، كما يتسلَّط السادة على عبيدهم !! وتأملوا كيف يحاولون دائما ، وبطريقة مموجة ، تسليط السيستاني الذي لايعرف له تاريخ ، ولا يحسن أن ينطق كلمة عربية ! ولهذا لم يظهر قطّ للخاصة ، فضلا عن العامّة ، تسليطه على المشهد السياسي في العراق ! وكيف أصابتهم الهستيريا الغريبة عندما وصفه الشيخ العريفي _ الواعظ المحبوب _ وصفه بما يليق به في خطبة في أحد مساجد الرياض ، ومع أن الشيخ العريفي لايمثل منصبا رسميا ، ولا ينطق بإسم مؤسسة ، ولا حزب ، فضلا عن حكومة ، أصدرت رئاسة الوزراء والبرلمان في العراق بيانا ضده !! وهذه العقيدة العرقيّة تفسر تلك العنهجية ، والتعالي ، الذي يتعامل به النظام الإيراني مع جيرانه العرب ، حتى إنهم يهدِّدون من يسمِّى الخليج بالعربي ! وليس هذا سوى إمتداد لتلك الشعوبية الحاقدة على العروبة وعلى كلّ ما يمت إليها من صلة ، التي ظهرت بعد سقوط الكسروية ، ولازالت تنبض في عروقهم . وحُدِّثت عن رجل أعمال عربي أنه كان يتعامل مع نظير له إيراني معارض يخفي معارضته للنظام الإيراني ، لكنْ دعاه إلى حفل عشاء غير رسمي حضره عدد من رجالات النظام الإيراني ، فلاحظ أحد هؤلاء وجود العربي بينهم من لونه وسحنته ، فقال كلاما بلغتهم ، فلما خلا رجل الأعمال العربي بعد العشاء بصديقه ، استوضح العبارة ، طالباً ترجمتها من صديقه الإيراني ، فأعتذر منه ، وبعد الإلحاح قال له لقد قال : قل لهذا ( الظبّ العربي ) أننا قادمون لنأخذ بلادهم كلها ، ونردهم إلى الذلّ الذي كانوا فيه ! ومن أوجه الشبه بينهما أنَّ كلا منهما لايقوم إلاّ بحبل من غيره ، فكما يعتمد اليهود على قوة الغرب ، استفاد النظام الإيراني من الغباء الغربي مستثمرا إياه في إسقاط أعدائه ، ولولا ذلك لم يقم لهذا النظام أيَّ وزن ، وقد كان يعيش أسوء حالاته قبل أن يحتل الأمريكيون أفغانستان ، والعراق . ومن أوجه الشبه بينهما الإحتلال ، وإضطهاد أهل البلاد المحتلة بأبشع صور الإضطهاد ، فكما يحتل الصهاينة فلسطين ، يحتل النظام الإيراني الأحواز العربية ، وجزر في الخليج ، وبلوشستان ، والساحل الشرقي للخليج العربي كلَّه ، إذ هذا الساحل كان موطناً للقبائل العربية قبل أن تحتله السلطان الإيرانية في القرن الماضي. ومعلوم ما يلاقيه العرب الأحواز من إضطهاد بشع ، وكذلك أهل السنة في إيران ، من فرس ، وعرب ، وبلوش ، وكرد ، فالمعتقلات الإيرانية مليئة بالنشطاء السياسيين من هذه الأقليات ، ويعيشون فيها أسوء كوابيس التعذيب التي عرفتها البشرية. وليس ما أظهرته وسائل الإعلام هذا الشهر من فضيحة سجون المالكي _ الذي يتلقى تعليماته من إيران _ السريّة في العراق إلاَّ أحد الأمثلة من بين المئات لما تعانيه الأقليات في إيران . ولايختلف النشطاء الحقوقيون العراقيون أنَّ عدد من قتلهم الإحتلال الإيراني _ غير المباشر _ للعراق من العراقيين في سبع سنوات فقط وهو عمر الإحتلال حتى الآن ، يفوق بكثير من قتلهم الصهاينة من الفلسطينيين في سبعة عقود !! أما طرق التعذيب فيُعدّ الصهاينة أرحم بكثير من سراديب التعذيب في العراق التي يشرف عليها الإحتلال الإيراني سواء مباشرة ، أو عن طريق حكومتهم في العراق . ولدى المقاومة العراقية الباسلة في العراق وثائق تؤكد اشتراك الإيرانيون والصهاينة في عمليات الإغتيالات السرية للعقول العراقية ، بتنسيق بين الموساد ، والإستخبارات الإيرانية ، كما اشتركا في نهب الآثار العراقية ، فسرق الصهاينة ما يخصهم ، وسرق الإيرانيون ما يخصهم . وقد كافأ الإيرانيون الصهاينة على هذا التعاون بطرد الفلسطينيين من العراق ، بعد أن تمّت إبادة عدد كبير منهم ! ومن أوجه الشبه بينهما ، تمنّي محو تاريخ الإسلام ، وعدم الإعتراف بتاريخ هذه الأمَّة العظيمة ، فكما أنَّ الصهاينة يحتقرون هذه الأمة ، ولايعترفون بها ، ويقولون إنهم مجرد عرب متوحشون لا حضارة لهم ، كذلك النظام الإيراني لايعترف بتاريخ الإسلام من أول خلافة إسلامية إلى يوم قيام الثورة الخمينية ، وهو يعدُّ كل التاريخ الإسلامي تاريخ من الخيانات لأهل البيت ، حتى إنَّ الخميني نفسه قال إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحقق العدل ! ولن يحققه إلاّ المهدي الذي سيخرج وينصر النظام الإيراني ، ولهذا قال الأعرجي ( أحد نواب إيران ) في البرلمان العراقي ! : إننا مظلومون من عهد أبي بكر إلى حسن البكر ! ومن أوجه الشبه النفاق السياسي ، فالنظام الإيراني يظهر سياسة مسالمة ، ويبطن أخبث النوايا للإسلام ، وأهله ، ولبلاد الإسلام ، وكذلك الصهاينة ، يظهرون أنهم دولة مسالمة تعيش بين وحوش ، وهم في حقيقتهم وحوشُ لا تعيش إلاّ على دماء الفلسطينيين ! ومن أوجه الشبه امتلاء التراث بإجترار المظلومية ، وإستذكار الدم ، فالصهاينة يلطمون : ( بالحديد والنار سقطت إسرائيل ، وبالحديد والنار ستعود إسرائيل ) ، وفي كلِّ حروبهم يتخيّلون الثأر من ( الكنعانيين ) و( العماليق ) ، وكذلك ثقافة النظام الإيراني التي يقود بها قطعانه ، تعيد وتكرر مشهد المظلومية ، بدمائه ، وأشلائه ، وصيحة التنادي بالثأر !! ومن أوجه الشبه إستغلال المال ، والجنس ، والمخدرات ، في سبيل تحقيق مشروع السيطرة والعدوان ، ولهذا ظهر في فضائح شبكات التجسس في الكويت أنهم كانوا يدفعون أموالا طائلة للإيقاع بضعاف النفوس في أجهزة الدولة الأمنية ، وأما إغراقهم العراق بالمخدرات الإيرانية فلا تخفى منه خافية ، وكذلك إستعمالهم للجنس عن طريق ما يسمى زواج المتعة الذي لايختلف عن الزنا في شيء ! ومن أوجه الشبه المزج بين الخرافة المثيرة للسخرية ، ومكر السياسة ، فالنظام الإيراني يروِّج لخرافات تنبذها العقول النيّرة عن الإتصال السري بين شخص متوار عن الأنظار من قرون مديدة _ يقصدون المهدي المنتظر _ وبين النظام السياسي ، حتى قال نجاد إن المهدي اتصل به وبشرَّه بفوزه في الإنتخابات التي ظهر بعد ذلك أنها مزوَّرة !! وفي خرافاتهم أنَّ النظام السياسي الحالي إنما يهيء للمهدي الذي أزف ظهوره ، ثم به سيحكمون العالم ، وأنَّ هذا وعد الله لهم ، وأنَّ المهدي أول ما يظهر ، فأكثر من يذبح من العرب ! وكذلك في المجتمع الصهيوني تلك النبوءات المضحكة عن الهيكل المزعوم الذي سيظهر بعده ملك اليهود ، وسيسيطرون على العالم ويذبحون العرب ، وأن الله تعالى هو الذي وهبهم هذه الأرض ووعدهم بها ! ومثل هذا المزج العجيب ، مزج آخر بين الدين والعلمانية ، فكما هو في الكيان الصهيوني بصورة عجيبة ، كذلك تحالف النظام الإيراني ، مع النظام العلماني في سوريا من جهة _ حتى وقف النظام الإيراني مع هذا النظام العلماني ضد حركة الإخوان الإسلامية في الثمانينات الميلادية _ كما وظَّف الفكرة العلمانية في العراق تحت الإحتلال الأمريكي للتمكّن من السيطرة عليه ! ومن أوجه الشبه كراهية العرب خاصة ، فاليهود يكرهون العرب ، ومن كرههم لهم كفروا بالنبيّ العربي المرسل للناس كافّة ، كما قال تعالى ( حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) ، وكذلك هذا النظام الإيراني بلغت كراهيته للعرب ، أنه يحارب التسمية بالأسماء العربية في الأحواز ! ويعاقب على لبس اللباس العربي فيها ! وفي العراق يدمّر الإيرانيون وحكومتهم الموالية لهم الآثار العربية ، ويعيدون إحياء آثار كسرى ! وأول طابع بريد أصدروه بعد سقوط بغداد ، يحمل شعار عيد النيروز ! ومن أوجه الشبه أيضا كراهية عرب الجزيرة خاصة ، فكما تمتلئ أدبيات الصهاينة ، وثقافتهم من البغضاء والتحريض على أهل الجزيرة العربية ، بدعوى أنهم أشد الناس تعصبا دينيا ، وأكثرهم معاداة لليهود ، كذلك يركز العقل الإيراني الموجّه بسياسة النظام الحالي في إيران على إثارة العداء لثقافة شعوب الجزيرة العربية ، ويسميهم ( وهابية ) و( تكفيرية ) ، و( سلفية ) كما يحرِّض على إثارة الفتن في بلادهم ، لتحويلها إلى فوضى ، ليتمكَّن من تخريبها ، وتفريغ أحقاده فيها ، وهذا يفسر لك ما فعلوه في مكةالمكرمة ، وفي جوار بيت الله الحرام الآمن من مذبحة مروعة أواخر الثمانينات الميلادية ، وكذلك التفجيرات التي فعلها شيعة الكويت في مكة. وأخيرا فإنَّ أهم أوجه الشبه أن المشروعين طارئان على أمتنا ، ليس لهما عمقٌ وإمتدادٌ فيها ، ولهذا فهما في طريقهما إلى الزوال بإذن الله تعالى ، فالصهاينة مضروب عليهم الذلة ، والمسكنة إلاَّ بحبل من الله ، وحبل من الناس ، وحبل الله إذا دخلوا في دين الحق ، وما هم بفاعلين ، وحبل الناس هو القوة الغربية وهي إلى إضمحلال بشهادة الخبراء . وكذلك هذه الطائفة الخبيثة التي سيطرت على بلاد فارس التي كانت منذ دخولها في الإسلام ، جزءا من هذه الأمة العظيمة ، وأسهم أهلها الأماجد في بناء حضارتنا الإسلامية ، حتى جاءت هذه الطغمة ، وقد عبثت في عقولها أحلام القضاء على الإسلام ، والسيطرة على الحرمين ، وعلى نفط الخليج ، وثرواته. ومن الواضح أن هذه الطائفة حدثٌ تاريخي طارىء ، وقصير الأمد ، اجتُثَّ من فوق الأرض ما له من قرار . والله تعالى المطلّع على قلوب العباد ، يعلم ما في قلوبهم السوداء من نية الحرب على أمة الإسلام ، والإنقضاض على ميراثها العظيم ، وتخريب تاريخها ، وتحطيم حاضرها ، وتحويل مستقبلها . وقد تكفل الله تعالى بحماية هذه الأمّة ، ودحر أعدائها ، وسيجتثَّ هذه الطائفة الخبيثة ، ويردها على أعقابها خائبة خاسرة بإذن الله تعالى ، وسيُحرَّر الشعب الإيراني ، وأقلياتُه المضطهدة من هذا النظام الخبيث ، ولتذهبنَّ أحلامهم المريضة أدراج الرياح ، بإذن الله تعالى . وستعلمنّ نبأه بعد حين ، و الله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لايعلمون . والله حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكّل المتوكّلون