بعد نهار حافل بالنشاط الثوري حل الدكتور سلطان الصريمي ضيفا على ساحة الحرية في تعز حيث كان الثوار المرابطون في الساحة على موعد مباغت معه .. بدا الشاعر المخضرم امسيته التي دعا اليها منتدى الشباب التقدمي الحر بكلمة مقتضبة حيا فيها هذا الجيل من الشباب الذي استطاع فعل ما عجز عن فعله اجيال متعاقبة ، وكانت القاعة " الخيمة" مليئة بجمهور نوعي من المثقفين والسياسيين والإعلاميين وغيرهم ، وما ان اعلن عبر مكبرات صوت منصة الساحة عن الأمسية الجارية للصريمي حتى تدفق الثوار والثائرات الى الخيمة الأكبر في الساحة وضل العشرات واقفين عند المدخل يستمعون ويصفقون . بدا الصريمي مصفوفته الشعرية برائعة جديدة عن تعز الثورة ، ثم قصيدته الشهيرة التي تغنى بها الفنان القدير عبد الباسط عبسي "يا هاجسي" وما ان بدا بأبجدية البحر والثورة تلك الملحمة الشعرية الرائعة التي لخصت وشخصت واقعنا الرديء وحفزت الأجيال عبر ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن على الثورة ضد الطغيان والأستبداد حتى ضجت القاعة بالتصفيق الذي توالى مع كل مقطع من مقاطعها الثمانية والعشرين .. ولأن الشاعر لم يتحضر للأمسية وكان قدومه الى تعز طارئا لمؤازرة اهلها الثائرين بعد اسبوع دام نفذته بقايا حثالات صالح نسي ان يجلب معه صورة مكتوبة من الأبجدية فحاول الأعتماد على ذاكرته ليجد انها بدأت تخونه ، فتجاوز بعض المقاطع ضنا منه انه سيتخطى تلك المقاطع تخطي الكرام لكنه وجد الجمهور له بالمرصاد ، وما ان يتخطى جملة او شطرا في الأبجدية حتى يضج الحاضرون الحافظون لها عن ضهر قلب بالتصويب ،فتحول الأحراج والاحمرار الداكن الذي بدى لبرهة على وجه الشاعر الرقيق الى حالة من النشوة والحميمية اضفى على ملامحه البشوشة اشراقة وبهجة حيث كان يردد هو عبر مكبر الصوت والجمهور يردد معه تلك الأبيات والمقاطع الشعرية بصورة متناسقة ومتناغمة شعر معها الصريمي بغبطة ربما طوت عنه عناء السنين العجاف . ولج الصريمي الى قصيدته الأكثر شعبية " نشوان " تلك الرائعة التي بات يحفظها شباب الثورة والهبت حماستهم على مدى عشرة اشهر من عمر الثورة الظافرة .. نشوان ، تلك القصيدة الخالدة التي تعتصر المعاناة يقالب هزلي في جزء منها ومنها يأخذ الشباب اليوم بعض الحكم والعبر والوصايا. لا تفتجع من كثرة المرازح شق الطريق وضهر الملامح حتى تصافح صبحنا تصافح وينتهي الإرهاب والمذابح في لحظة تأمل عقب الأمسية وجدت نفسي امام حقيقة مفادها ان هذا النتاج الإبداعي الرائع الذي رأى النور قبل عقود من الزمن لم يكتب لذلك الوقت وانما لوقتنا هذا وزماننا هذا ..زمن الثورة .