عندما يتحول المثقف إلى مفتش ضمائر تكون آخر قلاع الأمانة العلمية في التحليل السياسي قد سقطت بين مزوري التاريخ وقراصنة الجغرافيا، ولا يبقى له من ثقافته سوى ما يبرر للمزورين مواصلة اغتيال التاريخ وما يدفع القراصنة إلى الاستمرار في سطوتهم على الجغرافيا. لا يسهم مثل هؤلاء المثقفين في تبرئة هؤلاء المزورين والقراصنة فحسب وإنما يصبحون جزء من نسيج هذه المنظومة التي تستمر في إنتاج وقائع ورؤى لا تاريخية، تفسر الوقائع والأحداث والمواقف خارج سياقها الحقيقي، وعندما يتعسف مثقف مثل عبدالناصر المودع الحقائق التاريخية ويقول إن الحزب الاشتراكي يعود إلى أصله الجنوبي، لمجرد أن الحزب قدم مشروعه لبناء الدولة في صورة دولة اتحادية من إقليمين، يكون المودع واحدا من اثنين: إما أنه يجهل في الأصل التكوين السياسي والوطني للحزب الاشتراكي اليمني، أو أنه قد أصبح جزء من منظومة التوافق التي تقاوم بكل الطرق حقيقة أن بناء الدولة لا يقف فقط عند المفهوم الإلحاقي الذي تتمسك به مراكز النفوذ، وأخذ يتشيع له أمثال هؤلاء المثقفين، واصبح البحث عن خيارات أخرى لبناء الدولة تهمة لا يتورع معها المودع وأمثاله أن يختزلوا التاريخ الوطني النضالي للحزب الاشتراكي اليمني في جملة واحدة وهي أنه يعود إلى اصله الجنوبي. هكذا وبكل خفة وبساطة يشطب المودع تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني ليتماهى في لحظة من لحظات المشهد السياسي التضليلي الذي تمارسه قوى المشروع الإلحاقي ضد خيار الدولة الاتحادية، مع صخب البكاء على الوحدة التي غدروا بها وحملوها خطيئتهم المتمثلة في رفض بناء الدولة العادلة الحاملة للوحدة، والتي كانت نتيجتها هي أنه بدلا من التوجه لنقد هذه الخطيئة فقد أخطا هؤلاء المثقفون طريق النقد وأخذوا يفتشون عن مبررات لتبرئة الجلاد وتحميل الوحدة الضحية المسئولية. كان الأولى أن يناقش المودع رؤية الحزب الاشتراكي اليمني نقاشا موضوعيا ليكون ردنا عليه موضوعيا بالمقابل، لكن الأسلوب الذي اتبعه وبتلك الصورة التي تتسم بالخفة والخصومة وشطب تاريخ حزب وطني كالحزب الاشتراكي اليمني لم يترك مجالا لنقاش موضوعي وهادئ. إن الذين يهربون إلى الوحدة والانفصال عندما يناقشون أي مشروع يروق أو لا يروق لهم، لايتركون فرصة لنقاش جاد ومسئول لأهم قضية يتوقف عليها مستقبل اليمن. واللجوء إلى هذا الأسلوب الذي يتسم بالابتزاز للأسف هو الذي دمر وما يزال يدمر فكرة بناء الدولة في اليمن.