نشبت أحدث الحروب المتنقلة التي تسوقها العربة الحوثية إلى محافظات البلاد في المناطق الشرقية من محافظة إب وبسطت للجماعة رقعة جديدة هي مديرية الرضمة حيث دار قتال يوم الثلاثاء بين مسلحي الجماعة وقبليين بقيادة الشيخ القبلي عبدالواحد هزام الدعام الذي لقي ابن له نبيل حتفه خلال القتال إلى جانب خمسة آخرين على الأقل. ولم يكد المسلحون الحوثيون يسوون الأرضية التي وطأتها قواتهم في مدينة رداع ومناطق قيفة بعد أن تغلبوا على مقاتلي تنظيم القاعدة ورجال قبائل متحالفين معه حتى اندلع القتال في الرضمة التي سبق أن شهدت مواجهات عنيفة بين الطرفين قبل أكثر من عام. وسيطر المسلحون الحوثيون على مركز الرضمة الإداري بعدما خاضوا مع القبليين الموالين للشبخ القبلي عبدالواحد الدعام قتالاً تسبب في إغلاق الطريق الرابط بين صنعاء وعدن. والدعام هو ضابط متقاعد برتبة لواء وقيادي محلي في المؤتمر الشعبي العام, سبق له أن قاد قتالاً ضد أتباع للحوثيين في منطقته سقط خلاله عشرات القتلى ولم يتوقف إلا بعد وساطة تمركز بموجبها قوة عسكرية تتبع اللواء 55 في مواقع المواجهات لمنع تجدد القتال. ويتهم رجال القبائل المساندون للدعام قيادة اللواء 55 بتمكين الحوثيين من التمركز في موقع عسكري انطلقوا منه لمهاجمة خصومهم وهو اتهام لم تعلق عليه السلطات العسكرية. والقتال في الرضمة هو أحدث معركة يخوضها مقاتلو الجماعة الحوثية التي سيطرت على العاصمة صنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي قبل أن تبسط نفوذها على مدينة ذماروالحديدة وتخوض قتالاً مع رجال القبائل وأتباع لحزب الإصلاح في مدينتي إبوذمار. والخميس الماضي, دارت اشتباكات بين مسلحي الجماعة المنتشرين داخل مدينة الحديدة ومسلحين محليين ينسبون أنفسهم إلى "الحراك التهامي" ما أسفر عن سقوط نحو خمسة قتلى وإصابة آخرين إثر هجومين استهدفا نقطتي تفتيش للحوثيين خارج المدينة للحوثيين, الأمر الذي دفع الأخيرين إلى تعزيز قواتهم والسيطرة على قلعة تاريخية في منطقة الكورنيش. في السياق نفسه, سقط مئات القتلى والمصابين في المعارك التي وقعت في مدينة رداع ومحيطها ومنطقة المناسح أحد معاقل تنظيم القاعدة على مدى أسبوع قبل أن يشن سلاح الجو بالاشتراك مع طائرات أميركية بدون طيار غارات مكثفة على مواقع مسلحي التنظيم يوم الأحد الماضي, مما ساعد الحوثيين في السيطرة على المنطقة. وشن التنظيم المدرج على رأس قائمة المنظمات الإرهابية في العالم هجوماً ليلياً مضاداً بعد ساعات من سيطرة الحوثيين على المناسح في أعقاب تفجير سيارة مفخخة استهدفت تجمعاً في حصن آل الذهب, قتل نحو 20 بينهم الشيخ القبلي أحمد سيف الذهب الذي ساند الحوثيين في القتال ضد القاعدة. كما هاجم مسلحو التنظيم في محافظة شبوة ثكنة لقوات الجيش في مفرق الصعيد بقذائف الهاون وشنوا هجوماً مماثلاً على موقع اللواء 39 في أبين في الغضون, قال الحوثيون إنهم أزالوا مخيمات مسلحيهم التي اقاموها في محيط العاصمة صنعاء عند مداخلها الجنوبية والغربية والشمالية الغربية. وجاء في بيان للجنة التي نظمت احتجاجات الحوثيين خلال أغسطس وسبتمبر الماضيين "حرصاً منا على تنفيذ اتفاق السلم والشراكة فإننا في اللجنة المنظمة للثورة الشعبية السلمية نعلن عن رفع جميع مخيمات الاعتصام المتبقية في محيط العاصمة صنعاء". وينعت الحوثيون بالثورة احتجاجات نظموها داخل العاصمة للضغط على الحكومة لإلغاء قرار سابق برفع الدعم عن المحروقات تزامنت مع حشد لقواتهم المسنودة من القبائل إلى محيط صنعاء وفرض حصار, انتهى بسيطرتهم عليها يوم 21 من سبتمبر الماضي في خطوة هزت الشعور الوطني العام وهمشت مركز الرئيس عبدربه منصور هادي, كما مكنت الجماعة المسلحة من التحكم بالقرار السياسي وإدارة المسألة الأمنية في العاصمة وعواصم المحافظات التي أخذت تبسط نفوذها عليها. وكان الحوثيون الذين اعتمدوا لأنفسهم تسمية "أنصار الله" في 2012 قد شرعوا منتصف الأسبوع الماضي في إزالة مخيم اعتصامهم في منطقة الجراف. في المقابل, صرح مدير أمن العاصمة أن السلطات الأمنية لديها خطة لاستيعاب المسلحين الحوثيين المنتشرين داخل العاصمة في الأجهزة الأمنية. وقال العقيد عبدالرزاق المؤيد لتلفزيون آزال يوم الثلاثاء إن المسلحين الذين يطلقون على أنفسهم "اللجان الشعبية" سيتلقون دورات تدريبية في العمل الأمني وسيحصلون على الأزياء الرسمية لقوى الأمن التي سيلتحقون بها. من شأن هذه الخطوة أن تضاعف من ترهل الجهاز الأمني وتعدد ولاءات منتسبيه وهو الذي جرى تجنيد أعداد كبيرة فيه من محسوبين على قوى سياسية معينة خلال الفترة المنصرمة من المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة فبراير من عام 2011. مأزق سياسي أدخلت الحروب التي تخوضها جماعة الحوثيين للسيطرة على المدن وإخضاع مناوئيها في أكثر من منطقة المسار السياسي في حالة من الشلل والانسداد. ويمكن أن تؤدي الحالة المحتربة الراهنة إلى إحجام قوى سياسية أساسية عن المشاركة في الحكومة القادمة في حال استمر تعطيل قرار الدولة التي استحوذت الجماعة الحوثية على وظائفها وقرارها منذ السيطرة على العاصمة ثم فرض خياراتها في توجيه القرارات الرسمية. فبعد أن استغرقت تسمية رئيس للحكومة المرتقبة ثلاثة أسابيع, ما زالت التشكيلة الحكومية متعثرة على الرغم من مرور أكثر من خمسة أسابيع على توقيع اتفاق السلم والشراكة الذي قضى بإعلان الحكومة خلال شهر. وهيمنت محاولات الوصول إلى اتفاق على تشكيل الحكومة على المسار السياسي برمته ونشاط المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بنعمر. وضمن الجهود المبذولة للدفع إلى إعلان الحكومة, أفاد مكتب بنعمر في صنعاء أن الأخير التقى الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة المكلف خالد محفوظ بحاح وأمين عام الحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان ورئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي وأمين عام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري عبدالله نعمان وممثل عن زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي. كما التقى بنعمر سفيري الولاياتالمتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية في صنعاء. وقال البيان الصادر يوم الاثنين الماضي "أكد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره الخاص في اليمن خلال هذه اللقاءات على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة كخطوة مهمة للدفع بالعملية السياسية للأمام". ينبع الخلاف المؤخر لإعلان الحكومة من عاملين؛ الأول مبدئي ويكمن في مطالبة قوى سياسية بتحرير قرار الحكومة وعملها من سطوة القوى التي صارت لها الكلمة العليا بقوة السلاح, والثاني هي المعايير التي جرى على ضوئها توزيع حصص القوى السياسية في الحكومة المرتقبة. فقد صرح أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني أن مشاركة الحزب في الحكومة المقبلة تتوقف على أربعة عوامل أولها "استمرار العملية السياسية بعيداً عن الضغوط التي يفرضها واقع ما بعد الحوار الوطني". في سياق متصل, قال مصدر في الأمانة العامة للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري إن التنظيم يركز أولوياته في الوقت الحالي على "خروج المليشيات المسلحة من المحافظات والمؤسسات ومن العاصمة، وإنهاء السيطرة على الوزارات وأجهزة الدولة قبل تشكيل الحكومة" نافياً اهتمام التنظيم بحجم حصته في الحكومة المقبلة. وعلاوة على ربط الاشتراكي والناصري لمشاركتهما في الحكومة بالظروف التي ينبغي أن تعمل فيها, يأتي اعتراض اللقاء المشترك على معايير تحديد القوى السياسية التي يتعين إشراكها في الحكومة. ففي الوقت الذي أعلن رئيس الوزراء المكلف خالد بحاح عن حصص القوى السياسية في الحكومة, نفى اللقاء المشترك موافقته على ذلك التوزيع وعدًه تسريبا. فقد أوضح بحاح مطلع هذا الأسبوع أن الحقائب الوزارية توزعت وفقاً لمقترح من هيئة مستشاري الرئيس بواقع تسع حقائب للمؤتمر الشعبي العام وحلفائه وتسع للقاء المشترك وشركائه وست للحراك الجنوبي وست لأنصار الله الحوثيين, وأربع وزارات سيادية يتولى رئيس الجمهورية تسمية وزرائها وهي وزارات الدفاع والداخلية والمالية والخارجية. لكن المتحدث باسم اللقاء المشترك الدكتور محمد صالح القباطي نفى موافقة المشترك على التوزيع الذي أعلنه بحاح, قائلاً إنه تسريب. وقال القباطي إن ما صرح به بحاح هي صيغة أولية مقترحة من مستشاري الرئيس جرى اقتراحها في اجتماع لم يحضره ممثلو المشترك في الهيئة الاستشارية الرئاسية. ونقل موقع الصحوة نت عن القباطي قوله "الصيغة ما تزال محل نقاش ولم يوافق عليها المشترك لكونها لم تستند إلى أي مرجعية سوى مرجعية الهيمنة لطرف سياسي في الحكومة وإقصاء بعض المكونات الأخرى". وأضاف القباطي أن الصيغة المعلنة غير مقبولة لعدم ضمانها التوافق والتكافؤ والعدالة والشراكة في الحكومة الجديدة, مجدداً تمسك المشترك بمعيارين طرحهما في رسالة سابقة له إلى رئيس الجمهورية وهما أن تتشكل الحكومة وفق التمثيل المتساوي لجميع الأحزاب الموقعة على اتفاق السلم والشراكة أو بالاستناد إلى نسب تمثيل كل المكونات في مؤتمر الحوار الوطني. "هادي" يعود إلى الواقعية: لقد عطلوا الدولة وأجهزتها تراجع الرئيس عبدربه منصور هادي عن تقديراته السابقة للوضع المترتب على سيطرة الحوثيين على العاصمة بعد أن قد قال في خطاب أعقب ذلك إن صنعاء لم تسقط ولن تسقط . وشن هادي أقوى هجوم على جماعة الحوثيين والرئيس السابق يوم الأحد الماضي خلال ترأسه لاجتماع أعضاء مجلس الدفاع الوطني ومستشاريه السياسيين ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلف. وقال الرئيس في خطاب "ما جرى وما يجري اليوم في البلاد لا يسر عدواً ولا صديقاً ويؤسفني مجدداً أن يحصل كل هذا عبثاً من قبل أطراف كانت شريكة في صياغة مشروع اليمن الجديد المتمثل بمخرجات الحوار الوطني لكنها استغلت الأوضاع الاقتصادية وحاجة الناس ونبل هذا الشعب الكريم الصدوق فظلت هذه القوى مجتمعة أو متفرقة تعمل على افتعال الأزمات والفتن وترهيب الناس وإقلاق للسكينة العامة". وأضاف: ما يحدث اليوم من تمدد مسلح ومواجهات دامية في بعض المحافظات والمديريات من قبل أنصار الله وتحت ذرائع واهية ويافطات مختلفة عملا لا يمكن فهمه أو قبوله بعد التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية (..) شعبنا قد أثبت أنه أكثر وعياً من أن تنطلي عليه أي مبررات أو مزاعم بعد أن شاهد ما شاهده من انتهاكات لهذا الاتفاق وقبلها العديد من الاتفاقيات قبل أن يجف حبرها فكيف تحمي مصالح الناس باحتلال المدن بالحرب, باقتحام ومداهمة لوزارات وشركات نفطية. كيف تسمح لنفسها أي جماعة بأن تدعي ممارسة دور الدولة في بسط الأمن والاستقرار. وعاتب الرئيس قوات الجيش التي يعتقد أن تشكيلات منها رفضت أوامر بصد مسلحي الحوثي الذين سيطروا على العاصمة. وقال "يا أبناء القوات المسلحة والأمن, عقد الشعب عليكم آماله في حماية الوطن وحملكم هذه الأمانة الجليلة وإن ما حدث في الشهر الماضي وما يجري اليوم لا يليق بمؤسسة عريقة كافح الشعب اليمني من أجل أن تكون قوية وشامخة وتنحاز للوطن فقط وفي كل الظروف". وألقى هادي باللائمة في ما يحدث على الرئيس السابق علي عبدالله صالح, مقتبساً جملة اشتهرت عن صالح خلال اندلاع ثورة فبراير الشعبية عام 2011. وقال هادي "هناك من يسعى لصب الزيت على النار وإشعال حرب أهلية من طاقة إلى طاقة ومن بيت إلى بيت ومن يريد لهذا الشعب ألا يستقر ويسعى إلى إضعاف الدولة الضعيفة أصلاً .. نعم لقد عطلوا الدولة وأجهزتها لأنهم أطراف أساسية في نظامها السياسي وفي منظومتها الاجتماعية وهاهم اليوم يتباكون بأن الدولة ضعيفة وغائبة ويكيلون الاتهامات المختلفة لغيرهم". كان صالح حذر في 2011 قال محذراً في 2011 إن من شأن المضي في الثورة على نظامه إشعال حرب أهلية من نافذة إلى أخرى. ودعا الرئيس هادي جماعة الحوثيين إلى سحب مسلحيها من العاصمة وبقية المدن بدون تأخير واحترام اتفاق السلم والشراكة. وأضاف: لقد أخذت الدولة على عاتقها محاربة تنظيم القاعدة منذ سنوات طويلة ولنا في معارك أبينوشبوة وغيرها من المحافظات خير دليل وهناك إجماع شعبي وإقليمي ودولي بضرورة التعامل بحزم مع هذا التنظيم الذي يهدف إلى تقويض أمن واستقرار بلدنا الحبيب, لذا لا يحق لأي جماعة شاركت أو تشارك في العمل السياسي أن تحاول لعب دور الدولة عبر استخدام ذريعة محاربة القاعدة لتبرير احتلال محافظات أخرى وتعكير الأمن والسلم المجتمعي.