يبدو أن اللعبة السياسية بدأت تتسرب من سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين على الرغم من الخطوة الحاسمة التي أقدمت عليها نهاية الأسبوع الماضي بإصدار إعلان, أكملت بموجبه الاستيلاء على الحكم ورسم معالم مرحلة انتقالية جديدة من عامين. ففي الوقت الذي ظنت الجماعة المسلحة أن ما أطلقت عليه إعلاناً دستورياً سيخلصها من الضغوط الهائلة التي واجهتها منذ استقالة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح, ألقى عليها الإعلان مزيداً من تلك الضغوط ونقل المواجهة السياسية من مستواها الداخلي إلى مستوى دولي. وزاد شبح الانهيار الذي يحيق بالاقتصاد الوطني من تكثيف الضغوط على الجماعة لا تملك خبرة تُذكر في إدارة المؤسسات الحكومية. كان الإعلان الحوثي الذي حلً البرلمان واستبدل به مجلساً من 551 عضواً يختار مجلس رئاسة من خمسة أعضاء لحكم البلاد قد قوبل برفض من كل القوى السياسية الأساسية, قبل أن يرفض المجتمع الدولي والاتحادات الإقليمية مما وضع الحوثيين في موقف ضعيف الأمر الذي دفع زعيمهم إلى مهاجمة الرئيس المستقيل في خطاب له تلا الإعلان بيوم واحد واستمالة الأطراف السياسية لمساعدة جماعته في إدارة ملفات المرحلة. فقد حاول عبدالملك الحوثي رسم صورة تصالحية لجماعته معلناً مد يدها لقوى الداخل والتعاون مع الخارج. وقال في خطاب له يوم السبت حين تجمع حشد من أتباعه للاحتفال بكمال الاستيلاء على الحكم «أرجو للقوى السياسية أن تتعاطى بكل ايجابية لأن الإعلان الدستوري أرسى قواعد حكيمة وقوالب صحيحة تتسع للجميع (..) هذا البلد يتسع لجميع أبنائه, هذا البلد يريد دولة لليمنيين كل اليمنيين ولا يقبل بمنطق الإلغاء ولا يقبل أبداً بمنطق الإقصاء ولا يقبل أبداً بأن تتحول العملية السياسية إلى لعبة». وخاطب الخارج بالقول «أتوجه بالنصح إلى المجتمع الخارجي سواء على مستوى الوطن العربي أو على مستوى المجتمع الدولي: بدلاً من أن تشغلوا أنفسكم ببيانات إدانة أو مواقف سلبية يمكن أن تخسروا بها هذا الشعب اليمني وهو شعب مهم وكبير وعظيم, المفترض أن تتعقلوا وان تتعاطوا ايجابياً تجاه بلد يتعاطى معكم بايجابية, يمد يد السلام ويمد يد الإخاء». وأضاف: إذا كان الخارج يريد اليمن بلداً مستقراً وليس بلداً منهاراً وخاضعاً للقاعدة بكل ما تمثله من خطورة على الأمن الإقليمي والدولي والمحلي وبالدرجة الأولى, ما تمثله من خطورة على وطننا العربي وعلى مجتمعنا في العالم الإسلامي فإن اليمن بثورته هو أقوى وهو أكثر انعتاقاً وخلاصاً من هيمنة القاعدة. لكن اللهجة التصالحية التي تحدث بها الحوثي في خطاب السبت انقلبت إلى لهجة حادة في خطاب له يوم الثلاثاء بعدما تمسكت القوى السياسية بموقفها الرافض لإعلان الجماعة المسلحة. وقال «القوى التي تحاول أن تثير البلبلة وتثير المخاوف بشكل كبير, وكأن البلد نتيجة للإعلان الدستوري سيسقط في حافة الانهيار, هى ذاتها التي كانت من خلال الفراغ في مؤسسات الدولة تسعى إلى إسقاط هذا البلد في الهاوية». وخص الحوثي حزب الإصلاح بتحذير مما وصفها بإثارة البلبلة, مهدداً مصالح رجال الأعمال المنتمين إليه. ومضى يقول «أي محاولات لإثارة الفوضى وأي محاولات للإضرار بهذا البلد سيكون لها انعكاساتها على مصالح تلك القوى, على مصالحها (..) من يضر بمصلحة هذا البلد يمكن أيضاً أن تكون مصالحه متضررة أيضا في هذا البلد ومن يتعاطى إيجابياً مع هذا البلد ويحترم إرادة هذا الشعب بالتأكيد سيحترم هذا الشعب مصالحه المشروعة وبالتأكيد سيتعاطى معه هذا الشعب إيجابيا تحت سقف المصالح المشروعة». شكل خطاب الحوثي الأخير ضوءاً أخضر لتصلب فريق الجماعة المشارك في المحادثات السياسية التي استؤنفت يوم الاثنين بقيادة المبعوث الأممي جمال بنعمر، وإعادة الأمور إلى خانة البداية بعدما كانت القوى السياسية على وشك التوصل إلى اتفاق يضع حداً للأزمة الطاحنة التي تعصف بالبلاد. كانت الأطراف المتحاورة اقتربت من الاتفاق على تجاوز إعلان الحوثيين والإبقاء على البرلمان مع توسيع قوام مجلس الشورى ومنحه حق صوغ القوانين المتصلة بالمرحلة الانتقالية وعرضها على البرلمان لكن فريق الحوثيين عاد ليلة الأربعاء للتمسك بما حواه إعلان جماعته, مما يضع صعوبات جديدة إلى المحادثات التي تعوزها ثقة الأطراف. وتلاقى الرفض المحلي للإعلان الحوثي مع إجماع دولي وإقليمي على رفض الإعلان الذي اسند إدارة الحكم إلى «اللجنة الثورية العليا» وهي إطار مواز لمسلحي الحوثيين, عهدت الجماعة إليهم بمراقبة المؤسسات الحكومية بعد سيطرتها على العاصمة في سبتمبر من العام الماضي. فقد دعا أمين عام الأممالمتحدة إلى إعادة شرعية الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي. وقال بان كي مون يوم الأحد الماضي من العاصمة السعودية حيث التقى العاهل السعودي «الوضع يتراجع بشكل خطير جدا مع سيطرة الحوثيين على السلطة وتسببهم بفراغ في السلطة». من جهته, رأى الاتحاد الأوروبي الإعلان الدستوري الصادر عن الحوثيين غير مشروع , معبراً عن قلقه البالغ حياله. ودعا بيان صدر عن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أمس الاثنين كل القوى السياسية, خصوصاً الحوثيين إلى «تولي المسؤولية بوضوح عن أفعالها، بدءاً بالنبذ الصريح للعنف والإكراه كأدوات سياسية». وقال البيان «عدم احترام مؤسسات الدولة والهجمات على المسؤولين وتقييد حركتهم هي أمور لا يمكن القبول بها», داعياً إلى رفع الإقامة الجبرية فورا عن الرئيس هادي ورئيس الحكومة بحاح وأعضاء الحكومة المستقيلة. وحث الاتحاد كل الأطراف إلى «الحوار الحقيقي والمفاوضات الشاملة خاصة تلك التي تجريها الأممالمتحدة». ورحب باستئناف المباحثات, قائلاً «يجب أن يبقى إطار العمل الذي قدمته مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة مرجعية عملية الانتقال في اليمن». وأضاف البيان: يحث الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف على العمل البنَّاء للاستكمال السريع لدستور جديد يلبي التطلعات المشروعة للشعب اليمني ويعكس مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ويحفظ وحدة اليمن وسلامة أراضيه وهما أمران يشدد عليهما الاتحاد الأوروبي. وحذر الاتحاد من استفحال الأزمة الإنسانية في البلاد إذا لم يجرِ استعادة الاستقرار السياسي. وحث كل الأطراف على «حماية المبادئ الإنسانية وضمان الوصول الإنساني على الأرض». وتابع البيان الذي جدد إدانة العمليات الإرهابية التي يشنها تنظيم القاعدة في اليمن بالقول . «يواصل الاتحاد الأوروبي متابعة الوضع في اليمن ويقف إلى جانب الشعب اليمني في هذا المفترق الحرج ويؤكد مجدداً على التزامه بمواصلة دعم اليمن في عملية الانتقال». والثلاثاء الماضي, صرح مسؤولون أميركيون أن واشنطن ستغلق سفارتها في صنعاء بسبب الاضطرابات الأمنية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين ساكي أن عدد الموظفين في السفارة جرى تقليصه على نحو تدريجي. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول عسكري أميركي قوله إن وحدة من مشاة البحرية الأمريكية تحمي السفارة وإن سفينة هجومية برمائية للبحرية هي السفينة إيوا جيما ترسو قبالة الساحل اليمني على البحر الأحمر وستكون مستعدة لتقديم يد العون في إجلاء موظفي السفارة إذا طلبت وزارة الخارجية. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية أن الاضطرابات السياسية في اليمن تؤثر على قدرتها على مكافحة الإرهاب, لكنها ما زالت تدرب بعض القوات اليمنية ولديها إمكانية تنفيذ عمليات جديدة ضد نشطاء تنظيم القاعدة. في الغضون, رفضت جامعة الدول العربية إعلان الحوثيين ودعا أمينها العام إلى «ضرورة احترام الشرعية في اليمن». وعدً تصريح للعربي الإعلان «يؤدي إلى انهيار العملية السياسية وزيادة حالة الانقسام وأعمال العنف» مطالباً ب «الإفراج الفوري عن الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته وكبار المسؤولين اليمنيين ورفع الإقامة الجبرية المفروضة عليهم». من ناحيته, ندد مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالإعلان الحوثي ووصفه بالانقلاب. على الصعيد الميداني, واصل مسلحو الجماعة الحوثية قمع الاحتجاجات السلمية المناهضة لسلطتهم وخطف المحتجين الذين ما يزال بعضهم محتجزين في معتقلات يستخدمها المسلحون, بينهم الناشط الشاب أحمد الذبحاني. وواجهت قوات الحوثيين المظاهرات التي سيرها ناشطون وسياسيون يوم الأربعاء للاحتفاء بذكرى ثورة فبراير الرابعة وأغلقوا شوارع رئيسة في العاصمة. وذكر متظاهرون أن مسلحي الجماعة أطلقوا الرصاص الحي لتفريق المحتجين في شارع الزبيري وطاردوهم إلى شوارع فرعية. واستبقت الجماعة المسلحة حلول ذكرى ثورة فبراير بالسيطرة على الشوارع الأساسية التي اعتاد المحتجون التظاهر فيها. كان اللواء جلال الرويشان الذي كلفه الحوثيون بتسيير مهام وزارة الداخلية وجه قراراً إلى مراكز الشرطة بمنع التظاهرات والمسيرات التي لا ترخص لها الوزارة. وبرر الرويشان قراره بالظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وبأن تنظيم القاعدة يستهدف التجمعات. وورد في مذكرة الرويشان الموجهة إلى مدراء مراكز الشرطة بتاريخ الأحد الماضي «يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم المسيرات والمظاهرات ومنعها إلا بعد أخذ الموافقة والتصريح من الجهات الأمنية المختصة». ويهدف الحوثيون بهذا القرار إلى تقييد التظاهرات التي يسيرها ناشطون على نحو شبه يومي للتعبير عن رفضهم للسلطة التي تديرها الجماعة العنيفة. أما في مدينة تعز فتظاهرت أعداد ضخمة قدمت من مناطق المحافظة في واحدة من أكبر المظاهرات التي تشهدها المدينة إحياء لذكرى ثورة فبراير. كما تظاهرت أعداد حاشدة في مدينة إب لإحياء المناسبة. وكذلك سير حشد كبير من المواطنين مظاهرة في البيضاء.