ظهر محمد بن عبدالمجيد الزنداني أكثر من «مفتهن» بلدغاته الموجهة للعلمانيين.. قال لي صديق بلهجته الشعبية التي أحب معلقاً على هذا الظهور (والله انه حااااالة من صدق).. عجبني توصيفه الكثيف طبعاً «حاااالة». والشاهد انها «حاااالة» مخلوطة من الفصام والوهم والاضطراب والنرجسية التي تستشيط عندما يريد لها المخرج فقط!. «حاااالة» لتوتير الأجواء وتصعيدها كما لتشتيت الرأي العام والعمل على إشغاله بقضايا جانبية من أجل منع حدوث أي إصلاحات عصرية في الدولة والمجتمع. «حااالة» مدموغة بالقداسة زيفاً وبهتاناً وهي لحرف الشعب عن قضاياه الجوهرية الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي والمتمثلة في رفض ثقافة العنف والتعبئة الخاطئة والقتل المجاني اليومي الى قضايا تعبر عن الإفلاس الوطني، وغايتها ترهيب وإسكات صوت المدنية والسلام والحقوق والحريات والتنوير والتسامح. «حااالة» شديدة التقليدية في رؤيتها للعالم جراء لا عقلانيتها في تفسير واستيعاب النص بدلاً من تفسير النص لصالح العقل. وبصريح العبارة فكل رجال الدين الذين بهذا المستوى والمؤثرين فيه تحشيداً وجهاداً من الزنداني الكبير على سبيل المثال الى حسين الحوثي لا يشغلهم في المقام الأول سوى تأجيج الصراع السني الشيعي المتخلف وعدم الخروج من مربعه التاريخي نفسياً، بينما يشغلهم في المقام الثاني التيار المدني المطالب بدولة مواطنة على اعتباره علمانياً مارقاً وكافراً. وما بين الأمرين لا تعنيهم أبداً معاناة غالبية الناس المطحونين بالفقر والاستلاب والتجهيل والتقهير الاجتماعي وفساد أجهزة اللادولة لأن خطابهم يترعرع في هذه الأجواء جيداً. ففي ملازم الثاني التي ظهرت منذ 2004 كما في محاضرات الأول التي كانت وما زالت تتوالى ثمة مفاهيم مغلوطة وتحريضية وسطحية تشير الى ان العقل الانساني لم يصب بآفة أخطر وأفتك من آفة الاستغلال السياسي للدين تنافسها آفة التبرير للطغيان باسم الدين كذلك. والحال ان مفرخة الفتاوى الدينية القادمة من الفقه الذي يخاصم فقه التعايش والتجديد تعمل دائماً على تثبيت الاوضاع الصراعاتية القائمة لأن ذلك الفقه يرى في تياره الممثل الشرعي الوحيد والفاضل للدين. وأما من يرفضون وعي القطيع هذا فما أسهل تأويل أفكارهم بشكل خاطئ ومتربص وكيدي وصولاً الى استسهال تكفيرهم وقذفهم وقتلهم من قبل من يمارسون التحليل والتحريم حسب أمزجتهم على الرغم من ان كل من يتصرف هذا التصرف ينصب نفسه بالقيام بخصائص الذات الإلهية ما يؤكد فداحة الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب باسم الله و باسم الدين للأسف. وبالطبع لا ننسى في هذا السياق التبرير الفظيع والمحموم بأن تلك الجرائم هي الطريق المثالية للجنة. لكن بما ان كل طرف متطرف يتغافل عن ان الدين الاسلامي العظيم دين اختيار وليس إجبار، أي دين تبليغ وليس إكراه فإن كل طرف يلتقي مع الآخر عند نقطة واحدة هي مهمة تشويه لفظ العلمانية وتصويرها ككفر وإلحاد مع انها مهمة مكشوفة وقد صارت أكثر من ممجوجة أيضاً. فالثابت ان من يتاجرون بالدين للهيمنة وللتصفية وللإقصاء يشيطنون كل صاحب رأي كما يسرفون في اجتزاء النصوص بشكل متعسف اضافة الى تكريس المسعى الهادف بأن يكون التفكير دائماً خاضعاً للتوجيه من قبلهم وليس انتهاء بتحويل الشعب الى مجرد حشود طائفية متناحرة كما يحدث حالياً!. ثم من قال ان العلمانية لا تضمن التدين او لا تصون حرية الفرد ما دامها لا تضر بالشأن العام..من قال ان رجال الدين أو العلمانيين على السواء ممنوع انتقادهم وكأنهم معصومون من الخطأ: العلمانية تحترم الدين على ان يبقى خصوصية فردية وشأناً روحياً سامياً لا يجب ان تدنسه السياسة ومزايداتها وتقلباتها لأن الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تبقى اجتهادات بشرية قابلة للتعديل والتطوير. المهم.. (بطلوا البعاسس ياعيال الزنداني).. تلك وصية صديقي. في حين ان وقائع التحريض ومغالطة الحقائق لن تثني عن الحلم الديمقراطي والدولة الحديثة التي تتتألق فيها كرامة الجميع كونها تدافع عن حرياتهم وحقوقهم العامة والخاصة، كما لن نقبل بوضع اليمنيين داخل سجن كبير يديره غشم أي طرف، أو حتى كسر إرادة التغيير والبناء وتنقية الحس الديني وعدم تطييف الصراع الاجتماعي والسياسي متشبثين أولاً وأخيراً بضرورة تطلع اليمن واليمنيين الى المستقبل اللائق.