الإهداء: إلى علي صالح عباد (مقبل) القائد والمناضل الصلب، الذي استمد منه شجاعة قول الكلمة / الحق، في زمن الخذلان. شيئان أو أمران هي الحرب في التاريخ، وحتى في الزمن والواقع الراهن، وإلى ما شاء الله: إما حرب عدوانية بربرية وحشية، غزو واحتلال، سواء كانت تلكم الحرب في صورة غزو واستعمار خارجي، أو داخلي، (استعمار ذوي القربى)، كما كانت في سيرة المجتمعات والشعوب القديمة، وبعض المحدثة، أو هي حرب دفاع عن النفس، ومقاومة عادلة (العنف الثوري قابله التاريخ) حماية للنفس، والعرض، والمال، ومن هنا تأتي تسمية الحرب الظالمة، والحرب أو المقاومة العادلة في صد الحرب الجائرة، وجميع الشرائع، والمواثيق، والمعاهدات، الوضعية، والسماوية، تجيز وتشرع للحرب والمقاومة العادلة دفاعاً عن النفس بجميع الوسائل، والطرائق، والسبل، لأنه من هذه اللحظة للمقاومة العادلة يضع ويتأسس الوعي الإنساني والحضاري بقيمة الإنسان، ووعيه، بمعنى التقدم والمستقبل. لا أحد يتمنى أو يرغب أن يرى الدم في الشوارع، والقتل للمدنيين في المنازل، لا أحد طبيعي فيه ذرة من الإنسانية، والوعي بحق الإنسان في الحياة بسلام، يقبل أن يرى الدم في أي مكان، (تحت حجة أنه خصم). فالدم والقتل لحظة فاصلة (فارقة) بين الوعي الإنساني السوي (الطبيعي) وبين الوعي البدائي المتوحش، حتى وهو يلبس حلة الحضارة المادية الراقية (حروب الامبريالية الاستعمارية القديمة / الجديدة)، فلا يزايدن أحد على الضحية، والمقتول (الشهيد) حين يدافع عن ما تبقى من الدم في عروقه، وعن ما يسيل من الدم في الشوارع، والملاجئ فلا أقسى وأمرّ على نفس الضحية (الشهيد) التي يسيل دمها في الشوارع، والطرقات من خطاب مدرسي تعليمي حول التسامح وفضيلة السلام، أي من خطاب ثقافوي سلاموي (على وزن إسلاموي) فارغ من المعنى، يقول مع الأسف في جمل أخلاقية سلاموية نصف الحقيقة، وينصرف معلناً أداء واجبه، وليته لم يقلها، ولم يفعل!!، وهو يبصر دم الضحايا في الشوارع (فليسكت خطاب نصف الحقيقة الذي هو أبشع وأرزأ من القتل ذاته) والذي لا يقود في المحصلة العملية والسياسية، سوى للمساواة بين السيف، والرقبة، بين الضحية والجلاد، بين الدم، والماء، بين الجنازة (الجثة) والقذيفة (الجلاد). المطلوب ممن يريد أن يوقف الدم في الشوارع، والقتل في الطرقات، - على الأقل - أن يكون شاهداً، واسماً فاعلاً، على حقيقة صورة الدم في الشوارع، وإن استدعى الأمر أن يكون شهيداً في توثيق ما يجري في سجل (طابو) التاريخ، ويقول ما يجب أن يقال ويكتب، وليس صفارة حكم، ومجرد واعظ إرشادي عقائدي (يبسمل ويحوقل معلناً آدائه دوره وموقفه الوسطي (بين طرفي الحرب)، دون إشارة واجبة ومطلوبة وتاريخية حول من قرر بدءاً استباحة الدم، واحتكار حقيقة السلطة والثروة له وحده وفي ذاته المتعالية، ومن ذهب منفرداً إلى أقصى مدى في إلغاء العملية السياسية القائمة ومن جعل الشوارع والطرقات بلون الدم، وغطى المنازل ومن فيها بالأحمر المقدس، علينا أن نوقف الحرب صحيح، ولكن كيف؟، ومن أين نبدأ بإيقاف الحرب؟!، إن الكلمة العادلة مهمة وضرورية، وهي الآن واليوم أقوى من الرصاصة، وأمضى من القذيفة والصاروخ حين توضع في سياقها القول المؤدي لمعرفة الحقيقة كلها، وليس بعضها، أو نصفها، الكلمة العادلة منصفة، لا تقبل القسمة بين الضحية والجلاد، ولا تساوي بين السيف والرقبة، وبين النطح والرأس، الكلمة العادلة قوية بذاتها، بما تحمله من روح، ومن قيم حرية، تفتح نافذة على طريق التغيير، وليس التأسيس لأنصاف الحقائق، وإعادة تدوير للحرب في صورة المستقبل الآتي كله. حين رأى شاعر تشيلي العظيم (بابلو نيرودا) سيل الدم في الشوارع لم يستطع إلا أن يقول لا: وأن يصرخ في القاتل أوقف حربك على شعبي، أوقف عدوانك على الأمكنة، قال بصوت جهوري لا للدم في الشوارع أيها الجنرال، لا للحرب أيتها الطغمة الفاسدة، المستبدة، أوقفي حربك على الشعب، أوقفي زحف جيوشك على المدن الآمنة، والناس المسالمين، أوقفي عسكرة المدارس، والميادين، والحدائق، والملاعب، والمستشفيات، أوقفوا الدم في الشوارع أيها الجنرالات مغتصبي سلطة الشعب الديمقراطية السلمية المنتخبة، لم يقل إن (طرفي الحرب) هما المسؤولان، وان المتحاربين يقعان ويقفان في المستوى ذاته، وهما المسؤولان عن الدم في الشوارع، مع أن هناك من قال مثل هذا الخطاب في ذلك الحين...، أشار بابلو نيرودا، إلى كل الحقيقة، ودفع ثمن خياره حرية وسلاماً لتقدم شعبه في التاريخ، وهو ما نشهده في تشيلي اليوم. فالكلمة موقف، والإنسان (المثقف) والحزب الثوري موقف، إما أن يقولا كلمتيهما أو يصمتا، إما أن يكوّنا رؤية وموقفاً أو أن ينسحبا من المشهد، عوضاً عن قول نصف الحقيقة، دون إشارة واضحة للمصدر الأساس للدم في الشوارع، نؤكد على هذا المعنى حتى لا يسقط منا الوطن اعتباطاً في سوق المواعظ، والشعارات الإرشادية، في طابعها الأخلاقي الخالي من المعنى. إن البعض يطالبنا بقول ما يقول، أو ما لا يجب أن يقال، وأن نوقع على بيانات تتكلم بلسان مضاد ومناقض لما يجري...، يريد من الضحية التحدث بلسان القاتل (أن يأكل الثوم نيابة عنه). إن لم يرد منها الاعتذار عن أخطائه فيهم، وفي الوطن!!، بعد أن أحال القاتل رقعة الوطن كلها إلى ساحة حرب، يقودها معصوب العينين، يحركه وعي لالتهام كل شيء، وكأن لا أحد في الوطن غيره، وباقي الشعب (في الجنوب، والشمال) عليهم قبول ما يريد قوله، بعد أن صادر وأغلق جميع متنفسات القول - الخطاب وأشكال الحرب كافة، (حرية الرأي، والقول، والتعبير، وحرية الاعتراض السلمي)، وجعل من امتداد الجغرافيا في المكان سجوناً مفتوحة للمعارضين في انتظار الموت. هل يعقل أن كل ما تبقى لنا من بعد هذا الدمار، والفساد، والقتل والخراب المعمم على كل الوطن (مدنه، وأريافه) هو قول نصف الحقيقة، والمساواة بين الضحية / والقذيفة؟!، هل كل ما تبقى لنا من القول هو الاعتذار للقاتل ومصافحته، ومجاراته في قول ما يريدنا أن نقوله نيابة عنه في سيرة رواية الحرب؟!!، الحرب التي أعلنها هو فاضحة في رابعة النهار على كل الوطن، على خلفية خطاب ايديولوجي (ديني / طائفي) تكفيري، تخويني للآخر، بعد أن أعلن حقه في الجهاد الديني ضد كفار التأويل (التكفيريين، والقاعدة، والدواعش)، هل لم يتبق لنا وللشهداء سوى الاعتذار عن حربه علينا؟!، إنه والله، ورب الكعبة، قمة الخذلان، والغطرسة، والجنون، حتى يتوحد بعضنا بخطاب القاتل، أو ببعض منه (دون وعي أو تقية، أو حماية)، سكوتاً وصمتاً عن الأسباب المولدة والمنتجة للحرب، وعمن أشعلها؟!!. إنه والله جنون الخوف، وقمة عصاب ورهاب معاداة الحقيقة التي تفقأ العين، حين لا يجد البعض منا خياراً أمامه سوى وضع الضحية في مقام مساو للجلاد...، والأنكى تحميل الضحية مسؤولية كونه ضحية، ومطالبته بدفع ثمن القذيفة التي اخترقت رأسه على حين غرة، إنها ثقافة الخوف من عدم قول الحقيقة كاملة، وهي أسوأ من الصمت، وأبشع من جريمة القتل ذاتها، ثقافة تضع القوة فوق الحق، ونصف الحقيقة، في مقابل الحقيقة. لم يخطئ شاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا حين قال: ماذا أكتب حين أرى الدم في الشوارع؟!، حينها كتب ما يجب أن يكتب ويقال، وتحمل تبعات ما كتب، مات شاعر تشيلي، وبقي خالداً فيما كتب، من شعر ونثر، عن سيرة الدم في الشوارع، إذا أردنا أن نرى دم الضحايا في الشوارع، التي تناسلت، وصولاً إلى الأرياف البعيدة، فإننا نستطيع أن نكتب مليون بيان في قول الحقيقة كما هي عارية، بعيداً عن خطاب ايديولوجية التبرير، والتقية، عن من تسبب في سيل الدم في الشوارع. حين نطرح سؤالاً عن من تسبب في أول القتل؟، لا نستطيع الانتظار في التفكير طويلاً بين هابيل وقابيل!!، وكذا عن من تسبب في أول انقلاب، وأول سورة الدم!، وأول إعلان لاحتكار السلطة والثروة، بقوة الحرب والعصبية والتغلب "أقتلك أو أحكمك"، ولا معنى بعدها لأي بيانات أو تصريحات لا تلامس جوهر ذلكم السؤال (الأسئلة) - أقصد السؤال السياسي الواقعي - وسنجد أنفسنا نقول ما نتوهم، أو ما يريح ضمائرنا مؤقتاً، في غطاء ايديولوجي (ثقافوي / سلاموي) خالي الوفاض من أي معنى حقيقي ذي صلة بالسلام أو إيقاف الحرب، يجعل من فسحة الدم في الشوارع أعظم، وبذلك يحرم البعض أنفسهم حتى من دور الشاهد حول ما يجري ويحصل من جريان للدم في الشوارع قد يستمر لعقود إضافية طويلة، لأن الشروط والأسس المولدة والمنتجة للحرب ما تزال قائمة باقية، مقيمة في عقل وسلوك البعض منا، ولذلك نقولها بوضوح لا نريد هدنة حرب، تفتح آفاقاً لحروب لا تنتهي، ولن تتوقف بنوايانا الطيبة (فالنوايا الطيبة في السياسة تقود إلى جهنم)، نريد ونرغب، ونأمل أن نصل إلى إيقاف واقعي وحقيقي للحرب، من خلال رؤية فكرية سياسية، ومن خلال مواقف عملية تؤسس في الواقع لمعنى ومضمون إيقاف الحرب الظالمة، حتى تتوقف المقاومة العادلة لها، نريد إيقاف الحرب من خلال عمل سياسي جماهيري / شعبي، وطني، واسع، تشارك فيه أوسع قطاعات المجتمع، يترافق مع رؤية سياسية / عملية كفاحية إجرائية تنفيذية لإيقاف الحرب، قابلة للتطبيق، على قاعدة تنفيذ القرار الأممي (2216)، لا نريد مواقف وبيانات وتصريحات تؤسس لأقل من هذا المعنى والموقف. نريد رؤية سياسية، وطنية، تاريخية، تجعل قضية وعملية إيقاف الحرب فاتحة لمشروع سياسي ديمقراطي، يقودنا للوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية (وطنية) اتحادية. وما لم تخرج شياطين الحرب والهيمنة، من مهاجعها، ونضعها في حجمها الحقيقي، بالقضاء على شروط انتاجها المفجرة للحرب، ولاندلاعها - وهي سياسية في الأصل، وليست مذهبية - فإن الحرب ستبقى قائمة، كامنة، ومشتعلة في جميع تفاصيل ما ندعو إليه من خطاب ثقافوي، سلاموي، حول إيقاف الحرب. إن المدخل السياسي الواقعي لإيقاف الحرب بصورة عملية، ونهائية (أقصد الحرب في مضمونها السياسي التاريخي الحاصل في بلادنا)، يكون في رفضنا الواضح الاحتكام لايديولوجية القوة، وثقافة التغلب بالحرب، رفضنا السياسي العملي، في إصرار البعض على وضع القوة فوق الحق، والذهاب بخيار الحرب إلى كل الجغرافيا اليمنية، مدمرين كيمياء التاريخ الاجتماعي، والوطني، لليمنيين قاطبة، في لعبة مجنونة (اعتباطية / عبثية) معاندة لمعنى بناء الوطن (المجتمع، والشعب، والدولة) في مناقضة صارخة لحركة التقدم التاريخي، لعبة غطرسة، وعنف، لا تقول شيئاً سوى أن الدم في الشوارع الذي ترونه، هو ثمن بخس، وتكلفة بسيطة لاستعادة حلم مصادر في جب الجمهورية والثورة (سبتمبر 1962، أكتوبر 1963)، ومن هنا فائض الكراهية للجمهورية، والمساواة، ودولة المواطنة (دولة الحق والعدل) مساواة في الحقوق والواجبات، ضداً على دولة ولاية القضية، والمرشد الديني الأعلى، التي يحلم بها البعض، بتصميم نموذجها في اليمن، وفقاً لمقاسات مشاريع سائدة في بعض الدول القومية، وهو ما يؤرقهم، ويقض مضاجع أفكارهم، وأوهامهم غير النبيلة. يحلمون بجعلنا غرباء في وطننا، وعن محيطنا، وجغرافيتنا، وتاريخنا الوطني / والقومي. وتلكم هي المأساة، والطامة الكبرى. وهنا يكمن السؤال غير المجاب عليه، أو السؤال المطلوب الإجابة عليه في قول كل الحقيقة، وليس نصفها!!. والله من وراء القصد.