اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    شكلوا لجنة دولية لجمع التبرعات    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    24 أبريل.. نصر تاريخي جنوبي متجدد بالمآثر والبطولات    الرياض.. أمين عام الإصلاح يستقبل العزاء في وفاة الشيخ الزنداني    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    رئيس الاتحادين اليمني والعربي للألعاب المائية يحضر بطولة كأس مصر للسباحة في الإسكندرية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد المخلافي: استهداف أي فئة اجتماعية أو دينية هو استهداف للوعي والفكر وتقويض لبنيان الدولة والسلم الاجتماعي مميز
نشر في الاشتراكي نت يوم 21 - 07 - 2016

استأنفت منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بالعاصمة صنعاء «منظمة الشهيد جار الله عمر» صباح اليوم الخميس فعاليتها الأسبوعية الثقافية في اطار اعادة ترتيب الاوضاع الحزبية في العاصمة صنعاء.
وفي الفعالية التي اقيمت بمقر الحزب الاشتراكي اليمني بصنعاء قدم الباحث الاجتماعي سعيد المخلافي محاضرة حول «الهوية الانفرادية واثرها على التماسك الاجتماعي»، قال فيها انه وعلى الرغم من أن اليمن عبر تاريخه.. لم يشهد أي صراعات اجتماعية، ذات طابع ديني، مذهبي طائفي، أو مناطقي صرف، إلا أنه عادة ما يثار الحديث عن خلافات مذهبية - طائفية، ومناطقية، بالتزامن مع ظهور الأزمات السياسية.
واكد إن ما يجري في اليمن اليوم من مواجهات باسم الهويات لايخرج عن كونه تعبيرا دقيقا عن ما يمكن تسميته بالبعد الثالث من الأبعاد الثلاثة التي ينطوي عليها مفهوم الثقافة الوطنية، والمتمثل بحركة الواقع الصاعدة في مدرج التحرر والاستقلال الوطني.
وقال المخلافي أن الكثير من المسميات والألقاب قد حُملت بالكثير من الدلالات السلبية، والقليل من الدلالات الإيجابية، منها، ما هو ذات دلالة سياسية، او سلالية، او مناطقية/ جهوية، ومنها ما يتعلق بالصفات الشخصية المذمومة (السلوكية- اللغوية)، ولكنها تحمل أبعادا مناطقية، اقصائية، تحقيرية، وغير ذلك من المسميات، والصفات التي يتم استدعاؤها عند الحاجة لإضفاء الشرعية على فرد أو جماعة، أو جهة..، أو للإدانة والتحقير الفردي أو الجماعي،لأشخاص، أو مواقف، أو جهات، أو لتوجهات فكرية وسياسية، أو لمعتقدات دينية (مذهبية- طائفية).
واضاف: انه وفي الغالب الأعم تقال مثل هذه (المفردات) تمهيداً وتبريراً لعملية استبعاد أو تهميش اجتماعي، أو سياسي أو اقتصادي...لفرد أو جماعة ما،ويعكس استحضار واستخدام هذه المفردات في الوقت نفسه، السيطرة والهيمنة، للهوية الانفرادية الواحدة،التي تدّعي لنفسها العصمة والنقاء عن سواها من الهويات الفرعية الأخرى.
واوضح إن استهداف أي فئة اجتماعية، أو دينية، من الفئات التي تشكل جزءاً من الفكر الاجتماعي، والديني، للمجتمع اليمني، إنما هو استهداف للوعي والفكر، كما أنه تقويض لبنيان الدولة – المفترض- وللسلم الاجتماعي عامة، لأنه " حيث يكون التضامن أمرا يقاتل الناس دفاعا عنه ، يشكل وجود الجماعات التي تشعر بأنها مستبعدة خطرا يهدد بتقويض وحدة الدولة.
وتطرق المخلافي في محاضرته الى تاريخ الظاهرة وخلفياتها، وطبيعة الصراع، ومخاطر الاستبعاد الاجتماعي، وهل الهاشميون فئة اجتماعية وسياسية متجانسة؟!، وحقيقة التعدد والحاجة إلى الاختيار والتفكير، وأهمية استيعاب الخصوم، وغيرها من المواضيع.
نص المحاضرة
الهويات الانفرادية وخطرها على التماسك الاجتماعي!!
هناك مفردات لمسميات ودلالات مختلفة المعاني والمرامي صار الإنسان اليمني يتعايش معها بشكل يومي تظهر حيناً وتخبو حيناً آخر،تبعاً لتقلبات حالة الطقس السياسي،وحدة التباينات المذهبية،وتنوع التركيبة الاجتماعية والمناطقية التي ينتمي إليها أو يأتي منها معظم السكان،وكثيرا ما يُعرف اليمنيون بألقابهم المنسوبة إما إلى القبائل والأسر والسلالات الاجتماعية التي ينحدرون منها،أو إلى المناطق الجغرافية التي يأتون منها،ويذكر الشاعر اليمني الراحل /عبد الله البرد وني،قصة إطلاق لقب البرد وني عليه فيقول : أنه عندما انتقل إلى صنعاء للدراسة بالمدرسة العلمية، سأله البعض، من أين أنت؟ فقال من (البرد ون)(1)، فأطلق عليه الناس بعد ذلك اللقب منسوبا إلى القرية التي ولد فيها الشاعر (البرد وني)، دون أن يكون الشاعر قد أختار لقبه بنفسه.
دلالات سلبية:
أن الكثير من المسميات والألقاب قد حُملت بالكثير من الدلالات السلبية،والقليل من الدلالات الإيجابية،منها، ما هو ذات دلالة سياسية: جمهوري،ملكي،طغمة، زمرة، وحدوي، انفصالي،ومنها ما هو ذات دلالة سلالية : سيد، هاشمي، حوثي، ومنها ما هو ذات دلالة دينية (طائفي – مذهبي) : زيدي، شافعي، سني،شيعي، ،سلفي،إسماعيلي، باطني، مكرمي(2)،وهابي،ومنها ما له دلالة مناطقية/ جهوية: شمالي - جنوبي ، عتمي(3)، خباني(4)، جبالي / جبالية(5) ،ومنها ما يتعلق بالصفات الشخصية المذمومة ( السلوكية- اللغوية)،ولكنها تحمل أبعادا مناطقية، اقصائية،تحقيرية مثل : دحباشي(6) ،لغلغي،(7) برغلي(8)، ،...الخ، وغير ذلك من المسميات، والصفات، التي تبرز إلى السطح والتداول اليومي في الأوقات والظروف الاستثنائية،في إطار العلاقات التي تقتضي التواصل والاحتكاك بين الناس، حيث يتم استدعاؤها عند الحاجة لإضفاء الشرعية على فرد أو جماعة،أو جهة..،أو للإدانة والتحقير الفردي أو الجماعي،لأشخاص، أو مواقف، أو جهات، أو لتوجهات فكرية وسياسية، أو لمعتقدات دينية (مذهبية- طائفية) وفي الغالب الأعم تقال مثل هذه (المفردات) تمهيداً وتبريراً لعملية استبعاد أو تهميش اجتماعي، أو سياسي أو اقتصادي...لفرد أو جماعة ما،ويعكس استحضار واستخدام هذه المفردات في الوقت نفسه، السيطرة والهيمنة، للهوية الانفرادية الواحدة،التي تدّعي لنفسها العصمة والنقاء عن سواها من الهويات الفرعية الأخرى،وبالتالي فهي الأحق بالسيطرة وبالحكم والتملك والتحكم وهي التي من حقها أن تحدد من هو الشرعي ومن هو غير الشرعي،من ينطبق عليه هذا الوصف أو ذاك، وفقاً لمعاييرها ومقاييسها الذاتية ،أما الهويات (الفرعية )الأخرى،فليس من حقها إلا أن تكون تابعة وخادمة فقط للهوية الأعلى ( المسيطرة والحاكمة)،التي من حقها كل شي وليس عليها أي شي !!.
تاريخ الظاهرة وخلفياتها :
معظم هذه (المفردات) دخلت القاموس السياسي والاجتماعي اليمني على ما يبدو في الفترة التي تلت قيام الثورة اليمنية في مطلع ستينات القرن الماضي، وتعمقت في الذهنية اليمنية،تبعا وبصورة أكبر مع كل جولات الصراع السياسي التي عرفها المجتمع اليمني،وما زال .. ويظهر الحديث عنها أو عن بعضها بقوة، كلما تفجرت الأزمات بين فرفاء الحياة السياسية.، وتخفت نبرتها كلما خفت حدة الأزمات أو الخلافات السياسية، إما بالحل (وهو نادر الحدوث) أو بسيطرة أحد الأطراف على الوضع بالقوة، ولكن إلى حين ..، ويقول أمارتيا صن في كتابه : الهوية والعنف،
" إن تعميق الإحساس بالحتمية حول هوية يُزعم أنها فريدة – وغالبا مقاتلة – يؤدي حتما إلى نمو العنف في المجتمع،إذ أن " فرض هوية فريدة زعما هو غالبا أحد المكونات الحاسمة من (الفن القتالي) لإثارة المواجهات الطائفية ".(9)
وقد عرف التاريخ اليمني القريب، وتحديدا منذ مطلع ستينات القرن الفارط، عددا من المحطات أرتفع فيها صوت الهوية الانفرادية، أولها تمثل في الصراع الملكي الجمهوري عند قيام الثورة في الشمال عام 1962م،ثم الانقلاب على الثورة عام 1967م،وأحداث أغسطس 1968م في صنعاء،بين الجمهوريين أنفسهم الذين انقسموا إلى طرفين ( ثوري - وتقليدي)(10) ،كان النصر فيه للطرف التقليدي،ولكن الصراع أستمر بين الطرفين : التقليدي الذي أمسك بزمام السلطة في صنعاء،وقام بتصفية كل العناصر التي يشتبه بعلاقاتها مع الطرف الأخر (الثوري)(11) ،فلجأت تلك العناصر إلى مناطقها الجغرافية التي عرفت حينها بالمناطق الوسطى ومناطق جنوب الشمال ( مخلاف خبأن – مخلاف عمار- مخلاف العود – مخلاف شرعب – مخلاف المعاقر – مخلاف عتمة- مخلاف وصاب ( وغيرها من المناطق الأخرى،وقامت بتنظيم نفسها في إطار ما عرف فيما بعد ب ( الجبهة الوطنية الديمقراطية)،التي خاضت الحروب لإسقاط النظام في صنعاء،منذ أواخر الستينيات حتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي(12)،حين عقد لقاء تعز بين ممثلي السلطتين في صنعاء وعدن، والذي كان من نتائجه وقف الدعم الجنوبي لثوار الجبهة الوطنية الديمقراطية،والتي كان تنظيمها قد أنتشر إلى العديد من المناطق اليمنية الشمالية بما فيها المناطق الشمالية والشرقية للعاصمة صنعاء،وفي الجنوب أنقسم ثوار 14 أكتوبر، عقب إعلانهم الاستقلال الوطني عن بريطانيا في نوفمبر 1967م، إلى طرفين أيضاً( يسار تقدمي – يمين رجعي )،كان النصر في البداية للطرف الذي صنف في خانة اليمين الرجعي 1968م،ثم كان للطرف الآخر الذي صنف في خانة اليسار في يونيو 1969م، وما لحق ذلك من أحداث وتطورات،في معسكر اليسار التقدمي،(13)مرورا بأحداث يونيو 1978م،(اليسار التقدمي – اليسار الانتهازي)،وكان النصر فيها للطرف الذي صنف في خانة اليسار التقدمي(12)،وصولاً إلى أحداث 13يناير 1986م في عدن،( الطغمة – الزمرة) (14) ،ورغم التفاؤل المفرط الذي أبداه الغالبية الساحقة من اليمنيين،تجاه حدث الوحدة بين شطري اليمن ( الشمال والجنوب ) وقدرته على وضع حد لمسلسل الصراعات والحروب بين اليمنيين،والتوجه الحقيقي نحو بناء الدولة اليمنية العصرية،إلا أن اندلاع شرارة حرب صيف 1994م، بين الطرفين المتوحدين في مايو 1990م، قد قوض تلك الأحلام بوطن يتسع للجميع تدفن فية لغة الهوية الانفرادية المتعالية ،لصالح الهوية العامة المتوحدة،فعادت من جديد لغة الهوية الانفرادية المعززة بالروح الانتقامية تطل علينا من كل باب ونافذة، لتعيدنا إلى بداية جديدة لفكرة قديمة كنا نحن (السذج) من اليمنيين نعتقد أننا قد دفناها وراء ظهورنا إلى الأبد،وتنقلنا إلى مواجهة الانتفاضات الشعبية المستمرة منذ 2007م في كل مدن ومناطق الجنوب،مطالبة بفك الارتباط إلى الانفصال،وهي نفسها الجماهير التي خرجت في عام 1990م تهتف للوحدة وتحمل الموحدين على أكتافها،وصولا إلى الأحداث الدامية بحروبها الستة في محافظة صعده، التي تفجرت في العام 2004م،وما تزال آثارها وتداعياتها المدمرة مستمرة حتى اللحظة برغم ما خلفته من ضحايا وخسائر بشرية ومادية، وطالت بنارها كل جزء من أجزاء الوطن....
طبيعة الصراع :
وعلى الرغم من أن اليمن عبر تاريخه .. لم يشهد أي صراعات اجتماعية،ذات طابع ديني ، مذهبي طائفي،أو مناطقي صرف،إلا أنه عادة ما يثار الحديث عن خلافات مذهبية - طائفية،ومناطقية، بالتزامن مع ظهور الأزمات السياسية. الحالات التي عرفها اليمن، تشهد عبر كل العصور أنها كانت صراعات سياسية ،أكثر منها صراعات أو خلافات مذهبية - طائفية، وإن حاول البعض - في كل مرة - أن يلبسها رداء الخلافات الطائفية والمذهبية،والمناطقية (المزعومة) ، ولكنها في الأخير - كما هي في كل مرة - تبرز كتعبير فج عن أزمة سياسية يعيشها النظام السياسي (القائم...) مع نفسه، أو مع خصومه... وتشهد الأحداث التاريخية أن العداء لدولة القرامطة التي كان ينظر إليها ككيان يمثل التيار الإسماعيلي/ الشيعي في اليمن، كان يكمن خلفه الرغبة في القضاء على هذه الدولة بسبب فلسفتها الاجتماعية ونزعتها الاستقلالية..،وقد نتج عن هذه الرغبة قيام تحالف تلقائي ضم قوى مختلفة سواء من حيث الانتماء المذهبي ،الديني،أو من حيث التوجهات السياسية والمعتقدات الفكرية، وحتى الاختلاف والتباين في الهويات الاجتماعية والجغرافية، فقد ضم هذا التحالف الدولة الهادوية ( الزبدية ) وهي دولة كان ينظر إليها أيضاً باعتبارها كيان أخر ينتمي إلى التيار الشيعي، ودولة بني زياد (السنية)،ومعهما عدد من الكيانات القبلية التي لا تنتمي إلى مذهب ديني أو طائفة محددة، ولا يجمع بين هذه الأطراف كلها سوى مذهب المصلحة الدنيوية، والرغبة في السيطرة السياسية (15). وهكذا هي الأحداث التي يشهدها اليمن اليوم تسير على نفس هذا النمط الذي ساد تاريخياً.
تزييف الوعي بالثورة والوحدة:
الآن وبعد مرور أكثر من نصف قرن من عمر الثورة اليمنية، هل لأحد أن يتصور أن هدف الثورة... ، كان القضاء على ما يسمى ب( فئة السادة الهاشميين )، بسبب انحدارهم ألسلالي أو أنتمائهم الديني – الطائفي، وكفئة اجتماعية .. تنتشر في جميع أنحاء اليمن، يتوزع أفرادها بين مختلف الانتماءات الطائفية والاجتماعية ، والسياسية والفكرية،والطبقية، والمهنية؟! ،وهل يعقل أن الثورة كانت غافلة أو متغافلةً عن طبيعة النظام الاستبدادي الفردي الوراثي (الثيوقراطي) ، الذي ظل ينتقل بالوراثة .. ( من الأب إلى الابن )، وحتى دون اعتبار يذكر لشروط الزبدية، في اختيار الإمام(16)، والتي ليس من بينها شرط التوارث؟! ،ولو أنها - في تقديري - لم تشترط حصر الإمامة في البطنين ( علوي – فاطمي) والذكورة في الإمام،والقتال ) من أجلها - كشرط لصحة الإمامة، لكانت من أفضل النظريات السياسية في العالم الحديث. ومع ذلك حتى وإن كان الأئمة... قد استندوا في (شرعية) توارثهم الحكم ،إلى مكانتهم الدينية في المجتمع ، أو إلى دورهم في قيادة الحركة الوطنية اليمنية ضد الوجود الأجنبي (التركي )، فإن ذلك لم يعطيهم الحق المطلق في توارث حكم البلاد،كما أنه لا يمكن أن يعطيه لأحد غيرهم، مهما كانت الأسباب والذرائع ، مثلما لا يمكن لأحد أن يقبل التشكيك بوحدوية أبناء الجنوب الذين بادروا إلى الوحدة وقدموا دولة بكل إمكانياتها ومؤسساتها، دون أن يتذكر عمليات القتل والاغتيالات التي تعرض لها كوادر الدولة الجنوبية بعد الوحدة في شوارع صنعاء، ومهاجمة منازل القيادات الجنوبية بالقذائف الصاروخية في قلب العاصمة ..، كمنزل د/ ياسين سعيد نعمان، كان ذلك قبل أن يتم اجتياح الجنوب بكامله في حرب صيف 994م(17)، التي أفضت إلى تشريد كل القيادات الجنوبية التي وقعت على اتفاقيات الوحدة ونفيها خارج البلاد،ونهب كل مؤسسات الدولة الجنوبية السابقة، ومصادرة الأراضي والمباني والمنازل العامة والخاصة، وتسريح القيادات العسكرية والمدنية من الخدمة العامة،وإحالتها بأعداد كبيرة إلى التقاعد ألقسري، وبمرتبات هزيلة لا تكاد تسد الرمق،ولم تراع المكانة القيادية والدور النضالي للكثير من تلك القيادات ضد الاستعمار الأجنبي في مرحلة التحرر الوطني،ناهيك عن اعتساف الحقائق، ومصادرة التاريخ القريب والبعيد منه.
غير أنه وللأسف الشديد فإن البعض قد حمل مثل تلك التصورات الجزئية للثورة والوحدة،بل وراح هذا البعض يروج لها.. بل من المؤسف أن يكون هذا البعض في الغالب الأعم من المثقفين :( كتاب وأدباء وصحفيين )،وقيادات : ( سياسية وعسكرية ودبلوماسية)، وكأني بهولاء لايعلمون أنهم بذلك إنما يقومون – وعن عمد - بتسطيح أهداف الثورة، وتدمير منجز الوحدة الذي تحول بفعل الحرب إلى تاريخ شخصي فج، يمعن عن قصد في تزييف وعي الجماهير، وإثارة الخصومات الاجتماعية والشخصية، بين فئات وأفراد المجتمع الواحد، هذا المجتمع الموصوف بالتعدد والتنوع. وما أشبه الليلة بالبارحة، فالتحريض ضد بعض الفئات .. والطوائف والمناطق في المحافظات الشمالية يعبر عنها اليوم بحرب صعده، كما عبر عنها بالأمس في شرعب والمناطق الوسطى، هكذا ودون تمييز...،والأمر نفسه نجده اليوم متمثلا بتحريض متعارض ضد الانفصاليين الجنوبيين من جهة، و ضدالدحابشة الشماليين من جهة أخرى.وسلوك كهذا لا ينم عن جهل المحرضين، وإنما يضعهم في خانة التأمر على مستقبل الوطن واستقراره السياسي والاجتماعي.
مخاطر الاستبعاد الاجتماعي :
إن استهداف أي فئة اجتماعية، أو دينية، من الفئات التي تشكل جزءاً... من الفكر الاجتماعي، والديني، للمجتمع اليمني، إنما هو استهداف للوعي والفكر ...، كما أنه تقويض لبنيان الدولة – المفترض- وللسلم الاجتماعي عامة، لأنه " حيث يكون التضامن أمرا يقاتل الناس دفاعا عنه ، يشكل وجود الجماعات التي تشعر بأنها مستبعدة خطرا يهدد بتقويض وحدة الدولة"(18)
وإذا كنا ندرك أن معظم من وقع في مثل هذا المحظور، إنما هو بسبب الضعف المنهجي في التعامل مع قراءة الظاهرة الاجتماعية بإبعادها وتداخلاتها المختلفة، فكما يقول أمارتيا صن، " أن التشوش ألمفهومي وليس مجرد النوايا البغيضة يساهم كثيرا في الغليان والبربرية التي نراها حولنا . " ويضيف صن قائلا : " إن وهم المصير الحتمي ، خصوصا ما يختص ببعض الهويات الانفرادية ( وتأثيراتها المزعومة )، يغذي العنف في العالم من خلال الإغفالات كما من خلال التضمينات"(19) إلا أن هذا الضعف المنهجي والتشوش المفهومي لايعفيهم من تحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية . ولمواجهة هذه الإشكالية المفهومية ، يشير، صن ،إلى أنه " ينبغي أن نرى بوضوح أن لنا انتماءات كثيرة منفصلة ، وأن هذه الانتماءات يمكن أن تتفاعل بعضها مع بعض بطرق كثيرة مختلفة (مهما كان ما يقوله لنا المحرضون وغرماؤهم المرتبكون )، كما إن لدينا الفرصة لتقرير أولوياتنا بأنفسنا "(20).
هل الهاشميون فئة اجتماعية وسياسية متجانسة؟!
صحيح أن نظام الأئمة (الثيوقراطي )،الفردي، الأسري،الذي حكم المحافظات الشمالية والغربية من اليمن، أو ماكان يعرف بالمملكة المتوكلية اليمنية، حتى مطلع ستينات القرن الماضي، قد أعتمد بصورة كبيرة على مسئولين وموظفين من أبناء هذه الفئة (بحكم القرابة ) ولكن الأصح أن أولئك لم يكونوا كل أبناء هذه الفئة ، فحسب الباحثة الروسية المتخصصة بشؤون اليمن ( أيلينا جولوبوفسكايا) (21) : السادة – والهاشميون - يتواجدون في معظم مناطق اليمن ، ومذهبيا يتوزعون بين كل من طائفة الزيود ، وطائفة الشوافع ، وهما أوسع المذاهب الإسلامية انتشارا باليمن . فقد شكل قسم من السادة الزيود الفئة الحاكمة في الدولة بالإضافة إلى مشايخ القبائل ، بينما كان القسم الآخر منهم – ومن الهاشميين عموما - محروما من امتيازات الحكم . ومن حيث العلاقات الاجتماعية فقد شكلت الفئة الحاكمة – من السادة ومشايخ القبايل وكبار الملاك الإقطاعيين والبرجوازية التجارية في الغالب حينذاك - فيما كان الأخير ون – الغالبية من السادة والهاشميين - يمثلون الفلاحين والمثقفين،وهم الغالبية بالتأكيد . أما السادة والهاشميون الشوافع، فلم يحصل إلا القليل منهم على وظائف عالية في دولة الإمام ، بينما كانت الغالبية العظمى منهم شأنهم شأن السادة الزيود خارج زمرة الحكم ، فقد حرموا من حقوقهم المدنية والسياسية، شأنهم في ذلك شأن بقية أبناء المجتمع من كل الفئات الاجتماعية، والطوائف الدينية والمذهبية ، وإن كان البعض من الهاشميين قد حظي - بفضل نسبه الديني - بالاحترام والتقدير من قبل معتنقي المذهب ، أوبفضل الدور الإصلاحي الذي كان يلعبه البعض منهم في أوساط الناس.
ولذلك فإنه من الخطأ الاعتقاد أن فئة الهاشميين أو السادة - كما يحلو للبعض تسميتهم – قد شكلوا في اليمن أو يشكلون وحدة متجانسة، أو كيانا اجتماعيا وسياسيا موحدا. فمنذ منتصف القرن الماضي بدء عدم المساواة السياسية والمادية، بالظهور بين أوساط السادة الهاشميين. (22).
وهكذا فإن اعتبار جميع الهاشميين أو السادة، - في اليمن - فئة اجتماعية وسياسية متجانسة، هو أمر غير واقعي، علاوة على أنه يضع صاحبه في موقع إصدار الأحكام الجزافية وتعميمها..، كما أنه أمر معيب وخاصة إذا كان مثل هذا الأمر يصدر عن مثقف أو سياسي، أو حتى صحفي، ممن يفترض فيه أن يكون أكثر قدرة على فهم الوقائع والأحداث وقراءتها على وجهها الحقيقي. كما أن تفكيرا من هذا النوع فلاشك أنه سيعمل على تعميق الشرخ في فكر ووجدان الإنسان والمجتمع اليمني.
إن هذا الأمر لا يعني المثقفين... من طرف واحد ، وإنما يعنيهم جميعا ومن كل الأطراف ، فمن الملاحظ أن بعض المثقفين، ممن ينتمون إلى فئة السادة، والهاشميين ، قد اتخذوا (مثلاً ) موقفا سلبيا من رواية ( الرهينة ) للأديب الراحل / زيد مطيع دماج ، على اعتبار أن تلك الرواية قد قصدت تشويه صورة النساء الهاشميات، والنيل من شرفهن . والحقيقة أن الرهينة كعمل فني روائي، لم يقصد ذلك ، كما أنه لم يقصد التعريض بسمعة ( الشريفات ) لكونهن هاشميات ، ولكنه ( في رأي ) قد قصد نقل صورة فنية تعبر عن ما كان يجري في قصور الأمراء والحكام ، نتيجة للفساد السياسي والحرمان الاجتماعي ،وهي أمور تحدث في كل قصور الأمراء والحكام ، في كل زمان ومكان ، وبصرف النظر عن الحسب والنسب ( لهذا الحاكم أو ذاك)، وسواء كان صاحب السلطان هاشميا أو كان من (العربان) كما يقال !!
حقيقة التعدد والحاجة إلى الاختيار والتفكير :
إن إغفال حقيقة تعدد انتماءاتنا ، وحاجتنا إلى الاختيار والتفكير، يجعل العالم الذي نعيش فيه مبهما غامضا ، ويدفعنا في اتجاه المنظور المرعب الذي صوره ماثيو أرنولد في ((شاطئ دوفر ))(23)
وها نحن هنا وظلام مدلهم ينبسط حولنا
وقد ساقتنا إنذارات مشوشة بالصراع والفرار
إلى حيث جيوش جاهلة تتصارع في ظلام الليل
و كثيرا ما ينظر إلى المجتمعات الإنسانية، على أنها مجموعة من الأديان، أو الطوائف، أو الحضارات، أو الثقافات، أو الجماعات الاجتماعية التي تجمعها روابط النسب، أو المنطقة الجغرافية، في أحسن الأحوال، في حين يتم تجاهل الهويات الأخرى التي يتمتع بها الناس ويقدرونها لأنها تحتل الأهمية الأكبر في حياتهم ، وهي الهويات المتعلقة :بالطبقة الاجتماعية، والنوع الاجتماعي، والمهنة ، واللغة ، والعلم ، والأخلاق ، والسياسات ...الخ.(24)
وفي الواقع أن الإنسان يتأثر وبدرجة كبيرة، بالناس الذين يعيش ويشترك معهم بهوية واحدة. غير أن الأحقاد الطائفية، والمناطقية، يمكن أن تنتشر بسرعة كالنار في الهشيم، كما رأينا في السنوات الأخيرة ونرى اليوم هنا في اليمن، وليس في رواندا، أو تيمور الشرقية، أو أماكن أخرى من العالم . فمع التحريض الموجه، المسنود بالنبذ والاستئثار..أو المقرون بالغبن والقهر والحرمان، يمكن أن يتحول وعي متعمق منذ النشأة بهوية مشتركة مع جماعة من الناس إلى سلاح قوي يوجه ليس فقط ضد جماعة أخرى، وإنما قد يكون ضد جزء أخر من الجماعة نفسها، وهذا ما نشعر اليوم أننا للأسف الشديد نعيشه بشكل أو بأخر في بلادنا اليمن..!!
إن الزعم بأن الناس يمكن تصنيفهم تصنيفا متفردا مؤسسا على الدين،أو الطائفة، أو الثقافة،يعد واحداً من أهم مصادر الصراعات الكامنة. كما يمكن للاعتقاد المضمر في القوة المهيمنة لتصنيف انفرادي أن يجعل المجتمع كله قابلا للاشتعال في لحظة واحدة. وهذه النظرة التقسيمية بشكل متفرد ليست فقط ضد الاعتقاد بأن كل الكائنات البشرية متماثلة كثيرا، لكنه أيضا ضد الفهم (القائل) بأننا كبشر مختلفون بدرجات متنوعة. وعندما ترى العلاقات بين الناس في شكل علاقات انفرادية بين جماعات، مثل ((صداقة)) أو ((حوار)) بين مناطق أو طوائف دينية، من دون النظر إلى الجماعات الأخرى التي يمكن أن ينتمي إليها الأشخاص أنفسهم (كالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو غير ذلك من العلاقات الثقافية)، تضيع الكثير من النواحي المهمة في الحياة الإنسانية، ويتحول الأفراد إلى أشخاص محبوسين داخل صناديق صغيرة، على حد تعبير أمارتيا صن(25)
الرغبة والواقع :
إن ما يجري في اليمن اليوم من مواجهات باسم الهويات لايخرج عن كونه تعبيرا دقيقا عن ما يمكن تسميته بالبعد الثالث من الأبعاد الثلاثة التي ينطوي عليها مفهوم الثقافة الوطنية، والمتمثل بحركة الواقع الصاعدة في مدرج التحرر والاستقلال الوطني،كما يراها د/ جابر عصفور(26 )،وهو الأمر الذي ترتب عليه بروز سلطة عسكرية لاتفارق منطق التراتب القمعي في بنائها، أي البناء الذي قصِد إلى تأكيد روح الإجماع وعدم الخروج على الصف، والذي لازمه الحرص على توحيد الهوية، وزعامة القائد الملهم الذي لايقبل الاختلاف أو المخالفة. أداته الإيديولوجية في ذلك فرض مبدأ الرغبة على مبدأ الواقع، وإسقاط الصورة المؤولة للماضي الشمولي القمعي على مستقبل الحرية والديمقراطية التعددية،والمشاركة السياسية، وعدم القدرة على استيعاب التنوع الثقافي الخلاق الذي يمثل السبيل الواعد للخروج بالبلاد من بين شقي الرحى : فرض مبدأ الرغبة المستند على فكرة توحيد الهوية،وزعامة القائد الملهم، ومبدأ الواقع الرافض للقبول بمبدأ الرغبة والزعامة الملهمة، مبدأ الواقع يتطلب الاعتراف بالأخر على قاعدة القبول بالتنوع والتعدد والاختلاف في إطار الوحدة،و القبول بالوحدة في إطار التنوع والاختلاف والتعدد،بعيداً عن تلك النزعة التوحيدية، التجميعية، ذات الطابع ألقسري الذي ينفّر من الاختلاف والتعدد، ويقسم الناس إلى فريقين لا ثالث لهما، الفريق الأول هو فريق حماة الوحدة الوطنية والمدافعين عنها بالاستناد إلى منطق القوة والغلبة وتجريم الخروج على شرعية (ولي الأمر) أو منازعته الحكم،مهما كانت المساوئ،أما الفريق الثاني فهو الفريق (المعادي) الذي خرج على خط الوحدة ..،والحرية والديمقراطية،والثورة والنظام الجمهوري،فيما يتصوره هؤلاء الحماة، وهو الفريق الذي يستحق أن تلصق به كل الصفات السلبية، ومنها التمرد والخيانة والعمالة للخارج،والإدعاء بالحق الآلهي ..، والكفر والإلحاد، والخروج على الشرعية الدستورية والوحدة, - التي لايحترمها الفريق الأول نفسه أو يقيم لها وزن- . ويحكم في النهاية على الفريق الثاني، بالنفي من جنة الوحدة ,,،والطرد من رحمة الشرعية ...،والوصم بتهمة الكفر... وبالديمقراطية، ومعاداة النظام الجمهوري الذي قضى على حكم الإمام الفرد الملكي، ... ، واستبدله بعد جولات من الصراع، بولي أمر( جمهوري) فرد (قبلي - عسكري) يملك كل شي ويحكم بالحق الطبيعي.
أهمية استيعاب الخصوم :
و إذا كان البعض قد شخص الأزمة التي تعيشها اليمن، كونها قد أصبحت أزمة مركبة... ويعتقد أن الحل الجذري لن يكون إلا بالإصلاح السياسي لنظام الحكم كخطوة أولى ومهمة لحل كل مشكلات اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية،بما فيها المشكلات الثقافية(27 )، وبعيداً عن اللجوء إلى تزييف الوعي وقلب الحقائق، واختلاق الأعداء الوهميين، أو تغذية الصراعات المذهبية والطائفية، والمناطقية/ الجهورية ... الخ. فإن مجموعة الأزمات الدولية(28)، كانت قد أكدت على أن استمرار الصراع في صعده، والتوترات في الجنوب، بدون حل، فإنه ينطوي على مخاطر كبيرة على التوازن السياسي والطائفي والاجتماعي في اليمن. ورأت يومها أن خطر الانقسام الذي من شأنه أن يهدد استقرار البلاد التي تعاني من ضغوطات اقتصادية ناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية،وتلاشي الموارد الوطنية، والتوترات المتجددة بين النخب الشمالية ، وسكان المنطقة الجنوبية،والتهديدات التي مصدرها مجموعات عنيفة ذات صلات مختلفة القوة بالقاعدة،ولمواجهة هذا الخطر - الذي كان يومها - محتملا - يشدد، تقرير المجموعة على أهمية أن تستعمل اليمن أدواتها التقليدية : التسامح الديني، والاجتماعي، واستيعاب الخصوم - لتشكيل ميثاق أكثر شمولاً يزيل الوصمة المرتبطة بالانتماءات الطائفية (والمناطقية) ويستوعب الجميع بما فيهم الحوثيين،وقوى الحراك الجنوبي،والحوار العقلاني مع قوى المعارضة السياسية الفاعلة في البلاد.
وقدم د.ياسين سعيد نعمان، رؤية واقعية لمسألة الهويات ضمنها كتابه "عبور المضيق " تحت عنوان " الهوية على خارطة العبور " معتبرا أن المشروع الوطني بصورته التي عبرت عنها ثورتا سبتمبر وأكتوبر ، قد حمل الهوية اليمنية الوطنية بدرجة عالية من الحرص على جعلها اساسا لتحويل البلد إلى " وطن " وقاعدة لنهوض شامل لإدراكه أن تفكيك هذه الهوية سيرتب آثارا ضارة على مستقبله واستقراره.
ويرى د. ياسين " أن الهوية كانت الوجه الآخر للمشروع الوطني خلال الفترة الذي ظل فيها ممسكا بأطراف المعادلة ، ويشير إلى أن تراجع المشروع الوطني في مساحة من الوعي الاجتماعي خلق حالة تشوش عامة للهوية سمحت سمحت لصور شتى من الهويات الصغيرة المحلية والثقافية والقبلية والمذهبية، أن تناوش وتشاغب لتكرس دوافع لصراعات جانبية تحرف المجتمع عن نضاله من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقه الطبيعية والسياسية وحقه في الحياة الكريمة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي. " ويعتقد ياسين أن هذه الهويات ظلت " تتحرك في إطار منسجم مع حالة الغضب المتراكم الذي حكم سلوكها في كثير من الأحيان، بسبب قسوة المشروع الوطني وهويته الكبرى المصاحبة في التعاطي معها. لقد عملا على دمج هذه الهويات قسراً فيهما، ولم يسمحا لها بالتعبير عن نفسها سواء بالأدوات الثقافية أو الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو حتى المذهبية ، وهو الأمر الذي جعلها تتكور على نفسها داخل هذا المشروع وتتحين الفرصة للخروج من داخل عباءته كخصم في الوقت المناسب." وينبه د. ياسين، إلى أن حماية المشروع الوطني " يستلزم التخلي عن السلوك القمعي والهيمنة القديمين على ما يتفاعل في المجتمع من هويات ثقافية وسياسية واجتماعية ومذاهب دينية، في صيغتها المعبرة عن التنوع الذي لا غنى عنه لأي مجتمع كي يبقى حيويا ومنتجا لشروط التطور...والمعبرة كذلك عن حضور مهم ولازم في تكوين الهوية الوطنية. وهنا تكمن نقطة البداية في عبور المضيق. "
ولكن ياسين يحذر الذين يشعلون النار في هذه الهويات اعتقادا منهم أنهم يعملون لتخليص المشروع الوطني منها، وهم " ربما لا يعلمون أنهم يحرقون المشروع نفسه لتبقى هذه الهويات على نحو أقوى، وتكسب بذلك شروط التحول إلى مشاريع، وتبقى هي الحاضرة في المشهد وتبقى هي العنصر الحاسم في تقرير مستقبل هذا البلد ."
ومرة أخرى يحذر الذين يفكرون في أشعال النار في المبنى الكبير لطرد هذه الهويات، مقدما رؤية عملية " يمكنهم بدلا عن ذلك استضافتها باحترام داخل غرف المبنى وتكون مفتوحة على صالات واسعة تلتقي فيها برعاية توفر لها شروط التعبير عن نفسها كجزء منه ومن هويته الكبرى. وسيتوقف عليه بعد ذلك خلق تفاعلات حقيقية للتعايش يوفر شروط البناء والتقدم دون حاجة إلى تحويل الهوية الكبرى إلى سيف مسلط في هذا المسار. " ويقر د. ياسين أن مسؤولية الهوية الكبرى: " هي رعاية التنوع ، فبهذا التنوع وحده تستطيع هي نفسها أن تجتاز المضيق والعبور بالبلد إلى " الوطن " .
الهوامش والمراجع :
1- البرد ون إحدى القرى التابعة لمديرية الحداء ،الواقعة شرق مدينة ذمار حوالي 170كم جنوب العاصمة صنعاء، وفيها ولد وترعرع الشاعر الكبير / عبدا لله صالح البرد وني ،قبل أن ينتقل للدراسة في مدينة ذمار ، ثم صنعاء، وإليها ينسب الشاعر ( البرد وني )
2- تعرف بهذه التسمية طائفة البهرة الإسماعيلية التي تسكن منطقة ( حراز) التابعة لمديرية مناخه والواقعة إلى الغرب من مدينة صنعاء،وجماعة منهم تسكن منطقة المرجامة ومنطقة أسفل حيران من عزلة المزاحن التابعة لمديرية فرع العدين الواقعة إلى الغرب من محافظة إب،وتعرف الجماعة الأخيرة بلقب ( المز حاني )، وتنسب التسمية ( مكرمي ) على ما يبدو إلى الملك الصليحي / أحمد بن علي الصليحي ، الذي كان يلقب ب ( المكرم ) وهو لقب أطلقته عليه والدته الملكة ( أسماء بنت شهاب ) حين غامر وأنقذها من أسر / سعيد بن نجاح ، الذي كان قد نصب كمين لموكب الملك المعظم / علي بن محمد الصليحي ،حين كان في طريقه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، سنة 459ه
3- عتمة إحدى المديريات الغربية لمحافظة ذمار ،وهي من المناطق المشهورة بطبيعتها الخلابة حيث تكثر فيها الأشجار الخضراء وتتنوع فيها الحيوانات البرية والطيور المختلفة،ومؤخرا تم اعتمادها رسميا ( محمية طبيعية)، ويغلب على معظم أهلها بساطة الحياة، وطيبة المعشر وكراهية الظلم والاستبداد،والانخراط بالأعمال المختلفة.
4- نسبة إلى مخلاف خبأن الذي يظم عدد من المناطق التي تتبع حاليا مديريات ( السدة ، الرضمة، ويريم)،وإليها ينتمي الضابط الشاب الشهيد / علي عبد المغني ، زعيم تنظيم الضباط الأحرار الذي قاد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م ضد الحكم الملكي ،وكان معظم الضباط المنتمين إلى التنظيم ،وعدد كبير من الشخصيات المدنية التي ناصرت الثورة تنتمي إلى هذه المناطق والمناطق الأخرى المجاورة لها من محافظتي إب وتعز،كما أن هذه المناطق هي التي رفدت الثورة بالمقاتلين أثناء الحرب مع القوات الملكية دفاعا عن الثورة ، وفك الحصار عن صنعاء ، في مطلع العام 1968م.
5- - تطلق هذه التسمية على الأشخاص الذين ينتقلون من المناطق الجبلية ليستوطنوا أو يعملوا في المناطق الساحلية وخاصة مدينتي عدن، والحديدة.
6- تطلق هذه التسمية على كل شخص لا يحترم الأنظمة والقوانين ،ويمارس سلوكيات غير سوية لا يرضى عنها المجتمع،بل أنه يمارس سلوكياته باسم النظام والقانون في الغالب، وظهرت هذه التسمية لأول مرة في مسلسل كوميدي يمني في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان أسما لبطل المسلسل الذي يتصف بالسلوكيات المخالفة للقوانين والأعراف الاجتماعية ، معتبرا ذلك نوعا من الذكاء والشطارة،ولأن بطل المسلسل ( أدم سيف ) من أبناء تعز وهي إحدى المحافظات الشمالية قبل الوحدة،فإن أبناء الجنوب أصبحوا يطلقون هذا اللقب على كل شمالي يتواجد في الجنوب وخاصة منذ حرب صيف 1994م ، التي يعتقد أبناء الجنوب أنها إتاحة للشماليين استباحة الجنوب ( الأرض والسلطة والثروة ).
7- تطلق هذه التسمية على كل من ينطق بالقاف وخاصة أبناء محافظة تعز الذين يعيشون ويتواجدون في العاصمة صنعاء وما حولها من المناطق والغرض منها السخرية من طريقة نطق الكلام وبالتالي التبخيس الذاتي،كردة فعل على الدور الثوري الذي لعبه أبناء تعز وغيرهم في تفجير الثورة والدفاع عنها ومقاومتهم للأفكار والمواقف التقليدية للقوى القبلية ومجابهة فساد السلطات السياسية منذ قيام الثورة وحتى الآن ، وتبني ومناصرة القيم الجديدة، قيم الديمقراطية والتطور والحداثة، وانخراطهم بصورة كبيرة في مؤسسات المجتمع المدني،والدعوة لقيام الدولة المدنية الحديثة.
8- البُرْغُل والبِرْغِل : جريش خشن من الحنطة المسلوقة، وهي كلمة ( تركية ) في الأصل ، وتستخدم مثل سابقتها وتعني تحقير أبناء محافظة تعز بالذات للأهداف والخلفيات السابق ذكرها.
9- - أمارتيا صن، الهوية والعنف، سلسلة عالم المعرفة ، العدد( 352 ) يونيو 2008، ص 9
10- - أيلينا جلوبوفسكايا، التطور السياسي للجمهورية العربية اليمنية 1962 – 1985م،ترجمة :محمد علي عبدا لله البحر،مركز الدراسات والبحوث اليمني،صنعاء :1994م ص 97- 151.
11- نفسه، ص152 – 237
12- نفسه، ص 310 – 367.
13- أحمد عطية المصري، تجربة اليمن الديمقراطي، (1950- 1972) مطبعة المِدَاني ، القاهرة : 1974، ص 126،125،124
14- - ديفيد جار ودي ، كنت هناك ( عدن ) أحداث يناير 1986م ، ترجمة :محمد بهنس،الدار المصرية للنشر والتوزيع ،( بدون تاريخ ) والحزب الاشتراكي اليمني ، الوثيقة النقدية التحليلية، دار لهمداني ، عدن : 1986م.،وبشير البكر ، حرب اليمن القبيلة تنتصر على الوطن، كتاب منسوخ بدون بيانات، ص 50،49 .
15- عبد الرحمن الشجاع، تاريخ اليمن في الإسلام حتى نهاية القرن الرابع الهجري،دار الفكر ،دمشق : 1996،ص 166- 167.
16- أشترط المذهب الزيدي في الإمام أن يكون : مكلفا، ذكراً، حراً ، مجتهداً ، علويا ، فاطميا ،عدلاً ، سخيا ، ورعا ، سليم العقل، سليم الحواس، سليم الأطراف ، صاحب رأي وتدبير ، مقداما فارسا.
17- بشير البكر، حرب اليمن :القبيلة تنتصر على الدولة، مرجع سابق ،ص13- 27.
18- سلسلة عالم المعرفة،( الاستبعاد الاجتماعي ) العدد ( 344) أكتوبر 2007م تحرير : جون هيلز، حوليان لوغران، ديفيد بياشو، ترجمة وتقديم : محمد الجوهري،ص 25.
19- أمارتيا صن، المرجع السابق، ص 10
20- - نفسه ،ص13،12،11،9
21- - أيلينا جولوبو فسكايا، ثورة 26 سبتمبر في اليمن، ترجمة : قائد محمد طربوش، مراجعة : حسن عزعزي، دار ابن خلدون ، بيروت : 1982م ص 96- 104.
22- نفس المكان.
23- شاعر وناقد إنجليزي (1822 – 1888)، والقصيدة ( (Doverتصف عالما كابوسينا، وتعبر عن أن الحب الإنساني هو الدفاع الوحيد ضد هذا الظلام.
24- أمارتيا صن ، المرجع السابق، ص 21،20
25- المرجع السابق، ص 26
26- جابر عصفور، النقد، فبراير والهوية الثقافية، كتاب دبي الثقافية، العدد ( 21)، فبراير 2009، ص 33- 45.
27- مؤتمر التشاور الوطني ، الوثيقة التشخيصية، صنعاء،( 20 – 21 مايو 2009)
28- مجموعة الأزمات الدولية، نزع فتيل الأزمة في صعده، تقرير صادر، في 27مايو/ 2009م.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.