يستقبل مستشفى السبعين في صنعاء كل دقيقة مريضا واحدا على الأقل مصابا بالكوليرا التي اجتاحت البلد الفقير الغارق في نزاع مسلّح، متسببة بوفاة 923 شخصا ومهددة حياة 124 ألف شخص آخر. وبعدما فاقت أعداد المرضى قدرة المستشفى على الاستيعاب، لجأ المسؤولون فيها على غرار مستشفيات أخرى، لنصب خيام في محيطها، بينما اكتظت أروقة المبنى الرئيسي بالمرضى الذين افترش بعضهم الأرض. وقال الطبيب اسماعيل المنصوري "استقبلنا عددا كبيرا جدا من المرضى، ومنذ أسبوعين نستقبل في الدقيقة الواحدة من حالة واحدة إلى حالتين إلى ثلاث حالات". وفي مركز مكافحة الكوليرا في المدينة، حذر الطبيب ماهر الحداء من "ارتفاع مخيف جدا في أعداد الحالات، حتى وصلنا إلى أن نستقبل في اليوم الواحد ما يزيد عن 300 حالة، بينهم أطفال ونساء". في بلد يعاني مراكزه الصحية من نقص في المستلزمات، تزيد الكوليرا من معاناة اليمنيين الذين يدفعون منذ 2014 الثمن الأكبر للنزاع بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية. ويسيطر المتمردون على العاصمة صنعاء منذ أيلول/سبتمبر 2014. وشهد النزاع تصعيداً مع بدء التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 بعدما تمكّن الحوثيون من السيطرة على أجزاء كبيرة من البلد الفقير. وساهمت أزمة نفايات تسبب بها إضراب نفذه عمال النظافة للمطالبة بالحصول على أجورهم، في تفشي الكوليرا. وارتفعت أكوام القمامة في الشوارع حيث اضطر السكان إلى ارتداء الأقنعة بسبب الروائح الناجمة عن تعفن النفايات. غير مسبوقة منذ نهاية نيسان/أبريل، اجتاحت الكوليرا 20 من مجمل محافظاتاليمن والبالغ عددها 22، وأدت في نحو ستة أسابيع إلى وفاة 923 شخصا واصابة 124 ألف شخص آخر، بحسب آخر احصائيات منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسف". وقالت المنظمة إن الأطفال يشكلون ربع الوفيات ونصف أعداد المصابين. وهي المرة الثانية التي تنتشر فيها الكوليرا خلال أقل من عام في اليمن، الدولة الأكثر فقرا في شبه الجزيرة العربية، اذ تسببت بين تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي واذار/مارس 2017 بوفاة 145 شخصا. ويتسبب وباء الكوليرا الشديد العدوى بإسهال حاد وينتقل من طريق المياه أو الأطعمة الملوثة، وقد يؤدي إلى الوفاة إن تعذرت معالجته. وتقول الأممالمتحدة أن أعداد الاصابات ترتفع بوتيرة "غير مسبوقة"، وتحذر من أن الوضع قد يزداد سوءا خلال موسم الأمطار وفي ظلّ النقص الحاد في المستلزمات الطبية بفعل النزاع. وكانت منظمة الصحة العالمية عبرت في 19 ايار/مايو عن خشيتها من اصابة 250 ألف شخص بالكوليرا مع أن اعداد المصابين آنذاك كانت تبلغ نحو 23 ألف حالة. ورغم أن الكوليرا تفشت بداية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، الا أنها سرعان ما انتقلت إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، وبينها عدن في الجنوب حيث أعلنت مصادر طبية عن وفاة 27 شخصا واصابة نحو ثلاثة آلاف شخص آخر. وأوضح ماجد الداري مدير قسم الكوليرا في مستشفى الصداقة في عدن أن القسم استقبل "أكثر من 3 آلاف حالة يشتبه بإصابتها بالكوليرا، بينها 200 حالة وصلوا في الأيام الأخيرة". انقذتها السيارة تجد الكوليرا في اليمن أرضا خصبة للانتشار مع استمرار النزاع المسلّح والنقص في المستلزمات. واعتبرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسف) في بيان الثلاثاء أن وباء الكوليرا "أتي على ما تبقى من النظام الصحي في اليمن الذي مزقته الحرب. فالمستشفيات والمرافق الصحية تكابد الأمرّين في التعامل مع العدد المتزايد من المرضى في جميع مناطق البلاد". وحذرت المنظمة من أن "الأدوية والمحاليل الوريدية تستنفد بسرعة"، وقالت إنه "في ظل غياب أي بوادر تلوح في الأفق لوقف النزاع الدائر فمن المحتمل أن يستمر وباء الكوليرا -وربما أمراض أخرى- في إزهاق أرواح الأطفال في اليمن". في أحد أحياء عدن، تحولت بقعتان من المياه الراكدة السوداء التي تفوح منها رائحة كريهة الى وكرين للذباب والحشرات التي تنقل الامراض المعادية. وقالت ام هشام مديرة احدى مدارس المدينة "نخشى تفشي المرض. الناس فقراء ولا يملكون الوسائل اللازمة للعلاج والذهاب" الى المستشفى. مازن الصياد، الأب الذي يسكن في إحدى قرى محافظة لحج شمال عدن، تمكن من انقاذ والدته بعدما أقلها في سيارته متوجها بها إلى مستشفى الصداقة في عدن. وقال "أنقذت أمي من الموت فقط لأنني أملك سيارة. هناك آخرون يموتون في مكانهم". قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet