(الصّٓدم والترهيب عمليتان تستتبعان مخاوف ومخاطر ودماراً يتعذّٓر على الشعب ؛ بشكل عام ، وعلى عناصر أو قطاعاتٍ محدّٓدة من المجتمع المهدّٓد ، أو على قيادة هذا المجتمع أن تفقٓهها . كذلك يمكن للعناصر الطبيعية على غرار الأعاصير والزلازل والفيضانات والحرائق المستعرة ، والمجاعة والمرض أن تصدم البشر ، وتزرع الرهبة في نفوسهم). " الصّٓدم والترهيب : تحقيق هيمنةٍ سريعة ، وهي العقيدة العسكرية في حرب الولاياتالمتحدةالامريكية على العراق " .... ................... بهذا النص أعلاه تستهل الكاتبة الكندية "نعومي كلاين" كتابها الموسوم ب "عقيدة الصدمة" (صعود رأسمالية الكوارث) . ولسنا بصدد العرض للكتاب ولكن فقط الوقوف أمام هذا النص وتأمله.. والكتاب يعد من أهم الكتب الصادرة حديثاً ، للكاتبة الكندية الشجاعة " نعومي كلاين " والذي تستعرِض فيه بالتحليل العلمي قضايا وأزمات عصرنا الراهن الذي يتسم بالفوضى والحروب المدروسة والموجهة كأدوات ونُهج لسيطرة أساطين رأس المال ، وهيمنة الشركات العابرة للقارات الحاكمة لدول المركز الرأسمالي العالمي ، والمتحكمة بصناعة القرار السياسي فيه ، وانتاج سياسات من شأنها إحكام قبضتها وهيمنتها على شعوب العالم وبالأخص منه شعوب العالم الثالث بهدف الاستحواذ على ثرواته ومقدراته ، وإعاقة تنميته وكبح جماح تقدمه ، من خلال هندسة وتصميم الحروب الأهلية واطلاقها في هذه المجتمعات بغية تدمير بناها ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية وتفكيك أنسجتها الاجتماعية وعراها الثقافية ، وذلك باستخدام هذه الحروب المروعة وإدارة الصراعات فيها وبأدوات وقوي محلية ترتبط بعلاقة تبعية بهذا المركز الرأسمالي وتعد جزء من بنيته ومكون من مكوناته. وبالعودة الى النص أعلاه.. فإن الحروب التي تدور رحاها في أكثر من دولة عربية ومنها اليمن ، هي حروب تم تصميمها وهندستها بإتقان وعناية بحيث تحقق أهداف ووظائف الغرض منها إحداث الصدمة والترهيب بسبب ماتخلفه من دمار وما ينجم من ويلاتها من مخاوف ومخاطر. تصيب الشعوب بالصدمة وترهبها ، وتشل قدراتها ونتيجة لهذه الصدمة وهذا الترهيب يتعذر على هذه الشعوب فهمها اي الحروب وادراكها فينخرطون فيها كأطراف وجماعات تتخذ لها أسماء وعلامات مذهبية وطائفية توقد وتغذي أوارها . وفي وضع كهذا يصبح من المتعذر على عناصر وقطاعات محددة في هذه المجتمعات التي يطالها هذا التهديد أن تعي أو تدرك أو تفكر أو تفقه ما يدور بفعل ما أحدثته صدمة الحرب هذه. إن ما تخلفه الحرب وما يترتب عنها من دمار وترويع ومخاطر تجعل من المتعذر أيضاً على قيادة هذه المجتمعات القيام بأي دور أو مبادرة من شأنها التدخل وعمل شيء لانقاذ ما يمكن إنقاذه. فبفعل الصدمة والترهيب الناجمة عن إشعال الحرب تفقد النخب القدرة على الفعل وكذا القدرة على تفسير وادراك مايحدث ٕ كما جاء في النص المذكور أعلاه فترتهن كلياّ للفاعلين الذين أشعلوا هذه الحرب والذين يديرونها ويتحكمون في مساراتها حتى تحقق أهدافها بسقوط المجتمع وتفكيكه وتطويعه وإعادة صياغته وتبديل مزاجه بآخر قابل للاستسلام والرضوخ والقبول بأي صيغة لتسوية ما ، تنتشله من بين خراب وانقاض الحرب. إن كارثة الحرب مثلها مثل الكوارث الطبيعية كالاعاصير والزلازل والفيضانات والحرائق ، تصدم البشر وتزرع الرهبة في نفوسهم ، بما تخلفه من أمراض وأوبئة ومجاعات ، كما تفعل الحرب بالضبط . وربما وطأة الحروب أشد وأنكأ.. تستخدم الحروب كخيار أخير بعد نفاذ كافة المحاولات لإثناء الشعوب للتطلع لتحقيق حياة إنسانية حرة وكريمة . كما تستخدم لتخفيض سقف الطموحات والمطالب وكبح جماح التغيير والتحكم في مساراته ، بحيث يغدو تغييراً مسيطراً عليه. وهذه هي وظيفة الحروب في عصرنا الراهن على الأقل. فهل حققت الحروب المستعرة والفوضى ، سواء في اليمن أو ليبيا ، أو سوريا أو العراق أو لبنان غاياتها واهدافها وحان الوقت لانهائها؟؟؟ أُهينت الشعوب . نعم . أُفقرت الشعوب .. نعم قتل وعذب أبناؤها .. نعم أذلت .. نعم ومع ذلك تبقى للشعوب أحلامها وتطلعاتها وإن خٓفٓتٓ صوتها ،وانخفض سقف مطالبها .. ويبقى للتاريخ كلمته أيضاً .. والحرب سجال . أخيراً : الكتاب جدير بالقراءة لفهم آليات وميكانيزمات نظام عالمي ظالم وقاسٍ ، يسحق البشر ويدمرهم دون رحمة ، ودون أن يرف له جفن ...