باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعز.. تفاصيل ليلة 11 فبراير مميز

تعز.. منبع الثورة الشبابية السلمية، منها انطلقت شراراتها ليلة 11 فبراير 2011 أول تظاهرة شبابية تنادي بإسقاط النظام وإحداث تغيير جذري في السلطة والدولة. كانت البداية لحظة سقوط مبارك في مصر ونجاح الثورة المصرية خرج الشباب إلى شارع جمال عبدالناصر وسط المدينة «منطقة ديلوكس بالتحديد» مرددين هتافات مؤيدة للثورة المصرية واحتفاءً بنجاحها، وأطلق الشباب الالعاب النارية التي تبرع بها أحد التجار في المدينة لمؤازرة ثوار مصر، لكن شعاراتهم ما لبثت أن تحولت إلى هتافات تنادي بإسقاط النظام اليمني، وكانوا في البداية لا يتجاوز عددهم الخمسين شخصًا، جميعهم ينتمون لليسار (الاشتراكي والناصري) بالإضافة إلى شباب مستقلين. تفاصيل البداية وأهم وأبرز تحركات تلك الليلة يرويها من شاركوا في صناعتها من الثوار الأوائل الذين أشعلوا شرارات الثورة في المدينة.
البداية كانت مع أحد ثوار اللحظة التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ في البلد وأحدثت ثورة زلزلت عروش المستبدين هو الثائر «أحمد طه المعبقي» الذي وصف بداية الحدث بقوله: «في يوم 11 فبراير كنت في نادي تعز السياحي من الصباح حتى المساء مشاركًا في المؤتمر الخامس للحزب الاشتراكي بتعز. بعد المغرب نتفاجأ بالأستاذ على الصراري المشرف على المؤتمر يتلو علينا بشرى سارة بسقوط حسني مبارك ونجاح الثورة المصرية.. وبعد سماعي للخبر بدأت اتحرك داخل القاعة لإقناع بعض الرفاق للخروج إلى الشارع.. تفاجأت بالرفيق على الصراري ينادي باسمي من فوق المنصة ويطلب مني الصعود إلى المنصة.. أثناء صعودي إلى المنصة طلب مني عدم الخروج في مسيرة.. وقال لي يجب أن نؤجل الخروج إلى الغد لأسباب أمنية، أولاً لكون الوقت ليلاً، وثانياً لأننا في مؤتمر حزبي وعلينا التزامات أمام الجهات الأمنية بعدم الخروج في أي مسيرة أو أي احتجاج عقب المؤتمر الحزبي.. لم اقتنع بالحجج التي قدمها لي الرفيق الصراري ورأيت بأن هذه الفرصة لا تعوض وعلينا التقاط الحدث وتوظيفه لإحداث تغيير في اليمن.
حشود عفوية تحولت الى مسيرة
خرجت أنا ومجموعة من الرفاق ورأينا حشودًا تتحرك بشكل عفوي في شارع جمال كانت تحتفي بسقوط حسني مبارك وتطلق الألعاب النارية سرعان ما تحولت هذه الحشود إلى مسيرة تحركت صوب مبنى المحافظة وشارك فيها ما يقارب ألف إلى ألفي شخص، بالإضافة إلى امرأتين هما «إشراق المقطري» و«شيناز الاكحلي» وكانت الطفلة «أنفال سمير المقطري» مع أمها إشراق في المسيرة ذاتها..
استمرينا ما يقارب نصف ساعة أمام المحافظة نهتف بسقوط النظام وبعدها تم إطفاء الكهرباء علينا وقام بعض البلطجية المحسوبة على الأمن برمينا بالأحجار وسط ظلام دامس وبدأ المحتجون يتفرقون..
عدنا إلى شارع جمال (أمام الكريمي للصرافة) ولم يتبقَ إلا مجموعه قليلة من المحتجين ما يقارب أربعين أو أكثر تقريبًا ومعظم هؤلاء شباب من الاشتراكي والناصري، بالإضافة إلى بعض المستقلين..
حينها تواصل معنا النائب «سلطان السامعي» وأخبره الرفيق «رمزي العبسي» بأننا في شارع جمال وأننا مستمرون في اعتصامنا حتى يسقط النظام..
طلب «سلطان السامعي» من «رمزي» بأن يحضر إلى عنده أو يحضر «أحمد طه»..
طلب مني رمزي بان أذهب إلى النائب «سلطان السامعي».. ذهبت إلى منزل سلطان السامعي تقريبًا الساعة الثانية ليلاً وأعطاني عشرين ألف ريال وميكرفون (يد)، وقال لي هذا حق صبوح للمحتجين واستمروا في اعتصامكم ولا تيأسوا..
أخذنا صبوحاً للمحتجين وقمنا بشحن رصيد لتلفوناتنا للتواصل مع بعض زملائنا من الشباب. في صباح 12/2/2011 توافدت حشود في الصباح الباكر وانطلقنا في مسيرة طافت شوارع جمال و26 سبتمبر والهريش والتحرير الأسفل وعادت إلى المركزي وبالتحديد إلى شارع التحرير الأعلى، نظراً لأهمية اسم هذا الشارع وارتباطه باسم شارع التحرير بمصر..
استمريت مع المحتجين حتى الساعة 12 ليلاً حينها شعرت بإرهاق، حيث لم أنم في اليوم الأول للثورة.. عدت إلى منزلي كي أنام. في صباح 13/2/2011 عدت إلى مكان المحتجين في شارع التحرير ولم أجدهم وأخبروني أصحاب المحلات بأن الأجهزة الأمنية داهمت المحتجين واعتقلتهم وذهبت حينها إلى كشك المركزي لأخذ صحف وتفاجأت بجندي يمسكني بيدي ويقول لي جاوب الأفندم علي.
وكان علي العمري ضابط أمن المحافظة واقفًا في سيارته بالقرب من الكشك وذهبت إليه، وقال لي اطلع فوق السيارة، وقلت له إلى أين ذاهب بي، قال لي: عند اصحابك ووصلنا إلى قسم الجحملية.
وهناك وجدت عدد من المعتقلين وظلينا حتى الظهر من اليوم نفسه وجاء قادة الاحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية وتم إطلاق جميع المعتقلين.
أصعب الساعات في ثورتنا
مجيب المقطري، مسؤول الإعلام في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، أحد أولئك الشباب الذين فجروا شرارة الثورة ليلة سقوط مبارك، يتذكر هو الآخر تفاصيل تلك الليلة
ويسردها بالقول: «بعد سقوط نظام مبارك في مصر خرج شباب تعز يهتفون لانتصار ثورة مصر، وصدحت أصوات الشباب نحو الحلم في بناء الدولة المدنية، دولة العدالة والنظام والقانون ولكنها (أي الدولة) لن تكون قبل إسقاط النظام البائد، فرفعنا شعار الشعب يريد إسقاط النظام، وهو الهدف الذي وحد شعوباً عربية، لتجاوز محنتها في التحرر من الأنظمة البائدة, وأثبتت ثوارات الربيع العربي بأن همّ الشعب العربي واحد وقضيته واحدة تتمثل باستبداد حكامه، وليس أمام الشعب العربي إلا إسقاط هذه الأنظمة، وبالفعل بدأت تتهاوى أنظمة الاستبداد في تونس ومصر، وليلة 11 فبراير كنّا نعرف جيداً أن اعتصامنا المستمر معناه تحقق نصف الحلم لليمن واليمنيين».
يتذكر المقطري أعداد الشباب الذين خرجوا حينها بالقول: «أتذكر حينها لم نتجاوز 50 شاباً، منهم الناصري والاشتراكي والمستقل، عندما افترشنا الإسفلت، والتحفنا السماء، وجبنا شوارع مدينة تعز ليلاً، وتعرضنا للمضايقات وإطفاء الكهرباء والرمي بالحجارة أمام مبنى المحافظة، من عناصر الأمن السياسي والقومي، ولكننا صمدنا رغم معرفتنا أن هذه الساعات هي أصعب الساعات في ثورتنا، ولو تجاوزناها سنفتح نافذة للحرية من الصعب إغلاقها، وفي صباح 12 فبراير، واصلنا وازداد العدد بعد ظهر ذلك اليوم، وكلما مرت ساعة تزداد الحشود، حتى اهتز عرش النظام، وفي حدود الثالثة فجراً هجم الأمن وبلاطجة النظام علينا بسبعة أطقم عسكرية، واعتقلوا كثيراً منا، وكنّا في السجن أكثر من 30 شاباً، وحينها فاق المارد ومن الصعب ايقافه، فخرجنا من سجن الجحملية عصراً بعد أن احتشد قادة العمل السياسي بالمحافظة والشخصيات الاجتماعية للمطالبة بإخراجنا، وكان الأمن بكل شوارع المدينة قد فقد السيطرة، وفقد أحلامه بالحفاظ على الجلاد، وخرجنا من السجن والتحمنا بكل المتظاهرين، ونصبت أول خيمة في ساحة الحرية التي مازالت حتى اليوم، رمزاً للحرية وللتجمعات الرافضة لأي فعل لا يتسق مع أهداف ثورة فبراير».
السباقون في نقل الثورة إلى المدن الأخرى
يضيف مجيب: «ليس من المبالغة القول إن شباب تعز كان لهم السبق في نقل شرارة الثورة من تعز إلى كل المدن الأخرى، فلا توجد ساحة من ساحات وميادين الثورة، التي بلغت 23 ساحة، وامتدت إلى ما يقرب 18 محافظة يمنية، إلا وكان شباب تعز حاضرين في قيادة الفعل الثوري فيها، وقدموا أرواحهم رخيصة فيها، وهم من قدموا الشهداء في كل الساحات، ويعود ذلك إلى انتشار وتواجد أبناء تعز على امتداد الخارطة اليمنية، وإلى ارتفاع معدل التعليم والوعي لديهم، والميل إلى الانخراط في الحياة السياسية أكثر من غيرهم، ونتيجة لهذه الأدوار العظيمة في الثورة، فقد صب نظام صالح جم غضبه وأحقاده على تعز الثورة، التي أرتكب بحقها أكبر المجازر وأعنفها، من خلال تنفيذه لمحرقة، حيث قام بإحراق الخيام في ساحة الحرية في 29 من مايو/آيار ليسقط 8 شهداء على الأقل وعشرات الجرحى، في جريمة تتنافى مع أخلاقيات المجتمع اليمني وشرائعه وقوانينه».
أول تجمع في فرزة ديلوكس
معاذ المعمري شاب مستقل، واحد من أولئك الشباب الذين سطروا أروع الملاحم في صناعة الثورة الشبابية السلمية يروي تفاصيل البداية بالقول:
«كان الحراك السلمي الجنوبي هو الملهم الأول لثورة الربيع العربي، وبعدها بدأت ثورة تونس عند اندلاع شرارتها من مدينة (سيدي بوزيد) وكان مفجرها الأول «محمد بوعزيزي»، وبعد نجاح الثورة في تونس وهروب زين العابدين إلى السعودية، انتقلت الثورة إلى شباب مصر العظيم، ونحن نترقب الحدث أولاً بأول ولا نستطيع الخروج إلى الشارع لأن العالم مشغول بثورة مصر الرائعة وانتظرنا اللحظة المناسبة للخروج إلى الشارع لكي نعلن عن ثورة اليمن، وعند الساعة الثامنة تقريباً تم الإعلان عن تنحي طاغية مصر، جاءت الفرحة الغامرة لجميع الشعوب العربية عندها اتصل بي أحد الزملاء يبارك لهذا الحدث العظيم قلت له: أنا الآن أرتب نفسي للنزول إلى الشارع وجاء دورنا الذي أنتظرناه على أحر من الجمر، بل ونحن لا نقل شجاعة عن شباب تونس ومصر.. وقلت له مع السلامة..
انطلقت وفي داخلي فرحة لا توصف، وهمة عالية، وإرادة واثقة على إشعال ثورة اليمن، انطلقت من بير باشا الحي الذي كنت أسكن فيه إلى شارع جمال وتحديداً جولة المسبح، والتقيت بشاب وتشاركنا الحديث عن نجاح ثورة مصر وكان عددنا لا يتجاوز خمسة أشخاص ثم هتفنا تحيا مصر، وانطلقنا في شارع جمال حتى وصلنا فرزة ديلوكس وكانت مكان نقطة التجمع، حيث تبرع أحد تجار تعز بالألعاب النارية التي أطلقت في سماء فرزة ديلوكس التي دشنت احتشاد الناس بشكل كبير ومع تدافع الناس في تجمع فرزة ديلوكس وإغلاق الشارع قمنا بتنظيم سير المركبات وفتح الخط، وكان الهتاف بشكل خاص فرحة لثورة مصر ومنها تحيا تحيا مصر.. تحيا تحيا الأمة العربية.. تحيا تحيا ثورة مصر... إلخ، وبعدها حولنا موقع التجمع إلى جولة العواضي وعندما شاهدنا عدسات الكاميرات يتوافدون إلى مكان التجمع غيرنا هتافنا (الشعب يريد اسقاط النظام) وحولنا التجمع إلى مسيرة اتجاه مبنى المحافظة، وعند الساعة العاشرة مساءًً استقرت المسيرة عند بوابة المحافظة، ونحن نهتف بشعار (ارحل.. الشعب يريد اسقاط النظام.. ثورة ثورة يمنية بعد الثورة المصرية)، لفت نظر الجميع تناقص عدد كبير من المشاركين، عندها أدركنا أن الناس الذين انسحبوا خرجوا للمشاركة في فرحة مصر فقط لا غير مثلهم مثل أي محافظة خرجت تشارك فرحت مصر حتى في العاصمة صنعاء خرج الناس يتغنون ويهتفون فرحاً بثورة مصر وكان تجمعهم في ميدان التحرير القريب من سفارة مصر، لكن للأسف أنتهت الفرحة تقريباً الساعة الثانية عشر منتصف الليل والعودة إلى المنازل حاملين شعار (ارحل) وإرادة ضعيفة، ونحن أمام ديوان المحافظة ونعلن الثورة اليمنية بعد الثورة المصرية وتعاهدنا أن نواصل المهمة مهما كانت الصعاب ونتحملها على عواتقنا، ومع مرور الوقت لفت نظري تواجد الطفلة الثائرة «أنفال سمير المقطري»، وهي على أكتاف أحد الشباب تهتف بإسقاط النظام مع تواجد أمها الناشطة الحقوقية المعروفة «إشراق المقطري» وبجوارها امرأة منقبة عرفنا عن اسمها لاحقاً أنها الثائرة «شيناز الأكحلي».
وعند الساعة الحادية عشر ليلاً بدأ نشر أخبار في أوساط الشباب المتجمعين أمام المحافظة أن البلاطجة والأمن القومي سوف يداهمون المكان، والقصد منه ترهيب الشباب، ولكن للأسف تناقص الشباب بشكل كبير.
وبعدها بدأ التهجم علينا بالحجارة وبالقنانين الزجاجية هرب البعض وبقي البعض منهم أصحاب الإرادة القوية وتماسكنا أمامهم.. عندها أدرك خفافيش الظلام وعباد الدراهم والريالات أننا أصحاب إرادة قوية تريد أن تفجر الثورة السلمية في اليمن، بعدها ازداد الضغط علينا حتى وصل قبحهم بإطفاء إنارة أعمدة الكهرباء ونشر الفوضى فيما بيننا وادخال بلاطجتهم ليحلوا لهم ما خططوا ضد الشباب كان المكان مظلماً بالسواد حينها شعرنا بخطورة المكان البعيد عن قلب المدينة..
ومع أنتشار الرعب في أوساط الشباب المتبقين الصامد في المكان أدركنا الموقف في تمام الساعة الحادية عشر والنصف ليلاً عندما لاحظنا انسحاب عدد كبير من الشباب ألهمنا الله بأن نحافظ على هذا العدد البسيط الذي لا يتجاوز عددهم عن 100 شاب واطلقنا صرخة نحو الشباب لا تتفرقوا وتجمعوا نحن تعاهدنا بثورة يمنية بعد الثورة المصرية وعلينا أن نحافظ على هذا العدد البسيط والانتقال بالمسيرة إلى شارع جمال بقلب المدينة وهم الآن خسرانين من تفريقهم لنا من هذا المكان والخطير والبعيد عن الناس ننقل تجمعنا إلى شارع جمال لكي نحوله إلى اعتصام مفتوح تحت شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) وهو مكان مهم وحساس جداً وسيعلم كل الناس باعتصامنا المفتوح لأن شارع جمال هو شريان مدينة تعز وحيوي جداً والحياة لا تتوقف فيه خلال (24) ساعة، وتم ذلك حتى وصلنا إلى الجولة المقابلة لمحل الكريمي للصرافة واتفقنا تنفيذ وابتكار أول اعتصام في اليمن من أجل إسقاط النظام وتدشين الشرارة الأولى لتفجير الثورة اليمنية كان التوقيت الساعة الثانية عشر ليلاً بدأنا الاعتصام وقطعنا الشارع المؤدي إلى مبنى المحافظة في ليلة الحادي عشر من فبراير واصلنا اعتصامنا ولحقنا البلاطجة إلى مكان الاعتصام واستخدموا الترهيب والسب والألفاظ البذيئة والاستخفاف بعددنا، قائلين لنا «أنتم با تسقطوا الرئيس علي عبدالله صالح، روحوا شوفوا لكم عمل وتقرصوا العافية شكلكم ما في معاكم عمل يا بلا طجة يا مقرمطين»، وأضافوا: «هذا علي عبدالله صالح حرام لننهيكم من الوجود»!!
واصلنا المشوار بعدد لا يتجاوز ال50 ثائرًا، وعند الساعة الثالثة فجراً استدعاني أحد الشباب البارزين وانفرد بي يستشيرني بأن ننسحب من المكان بشكل جماعي والذهاب إلى البيوت وأن نلتقي في الصباح كان ردي له: عفواً أخي نحن تعلمنا درسًا في تاريخ 3 فبراير يوم الخميس عندما انطلقنا بمسيرة من ساحة صافر إلى بوابة جامعة تعز في بير باشا وعند عودتنا بالمسيرة باتجاه المدينة جاءنا أشخاص يطلبون منا ألا نواصل المسيرة واقنعوا الجميع أن هناك مسيرة سوف تخرج غداً بعد صلاة الجمعة ونجحوا في تفريق المسيرة، وعندما خرجنا بعد صلاة الجمعة بتاريخ 4 فبراير تأكدنا بأنها كذبة مورست علينا وخدعونا لذلك لا نكرر الخطأ ونحافظ على الشباب المتواجدين معنا، كما تعلمنا بأن المسيرات عندما تكون بعدد قليل تستهلك طاقة الشباب عكس الاعتصام تماماً لأنه يحافظ على الطاقة المخزونة لدى الشباب ويحدد ثبات ومكان التجمع وهو مثل أداة المغناطيس سيجذب كل الاحرار ومن يريد ثورة ويؤيد مطلب (الشعب لإسقاط النظام) وأقتنع زميلي بكلامي فواصلنا الاعتصام».
صمود أمام إرهاب ورعب المخبرين
مصاريف المعتصمين لم تكن عائقاً أمام الشباب الثائر والطامح، بل وجد من يسندهم ويعينهم بها، يقول معاذ: «تبرع أحد أصحاب بوابير النقل بثلاثة آلاف ريال وهو أحد المشاركين في الاعتصام، وبعدها قمنا بتجميع المال في ما بيننا لكي نشتري بها ما يسد رمق جوعنا بعد أن هد أجسامنا الجوع والارهاق خاصة أننا لم نذق النوم ثانية واحدة، وعند الساعة الرابعة برز أحد الشباب وعرفنا أسمه مؤخراً الثائر رمزي العبسي، وقال مخاطباً الشباب: «إن مستقبل اليمن مرهون بتمسككم بهذه اللحظات» وكان كلامه رائعًا رغم تأخره في الكلام، وما قال هذا الكلام إلا عندما لاحظ الصمود التاريخي لهؤلاء الثلة الرائعة والقليلة من الشباب وكان ردنا له: لا تقلق نحمل نفس الهم الذي بداخلك وما صمودنا إلى هذه اللحظة أمام كاميرات المخبرين ووسائل الارهاب والرعب من المستخدمة من قبل النظام إلا دليل على الحس الوطني والوعي الكبير والمسؤول من قبل الشباب نحو المستقبل الجميل للشعب اليمني العظيم، علماً أن الثائر رمزي العبسي تكفل بمحاسبة صاحب «بوفية الملك» القريبة لمكان الاعتصام بقيمة وجبة الصبوح التي كانت عبارة عن حبتين خبز ناشف مع شاي أحمر لكل فرد، وأفاد العبسي أنه تواصل مع سلطان السامعي وشرح له الوضع مع الشباب، وأشاد السامعي باعتصام الشباب وطلب من العبسي أن يذهب إلى البيت ويأخذ مبلغ منه لدفع ما تبقى من حساب الصبوح.
يواصل المعمري حديثه: «في الساعة الخامسة فجراً جاءنا الأستاذ فكري قاسم ووجه لنا جملة من النصائح وطلب من الشباب أن يكون اعتصامهم وتحركاتهم سلمية، كما قال: «لا نريدكم أن تكسروا شجرة أو زجاجة أو محل، وأحرصوا على السلمية وسوف نكون نحن كلنا معكم»، وكان ردنا له: ثورة ثورة سلمية حتى النهاية، أدرك أن الجميع يمتلك وعي كبير توقف عن الحديث وأنصرف وهو مطمئن البال، كانت زيارته لا تتجاوز عشر دقائق، وبعدما انصرف انطلقنا إلى حمام مسجد القرشي القريب من مكان الاعتصام من أجل ان نتوضأ وتهيئة أنفسنا لصلاة الفجر، وانقسمنا إلى مجموعتين، واحدة تحرس المكان، والأخرى تذهب إلى حمام المسجد، وهكذا طبقنا أدائنا للصلاة وتبادلنا المهام فيما بيننا.
أول اعتصام في اليمن
يشير المعمري إلى الكرامة التي اُلهمت لهم بتفجير شرارة الثورة: «أكرمنا الله بأن نكون النواة الأولى والأسبقية في تفجير الثورة اليمنية، وكنا السبب الحقيقي لتحمل المسؤولية بجدارة وابتكار وصنع أول اعتصام في اليمن، كما كان الفضل الأول لشباب نواة 11 فبراير لكسر حاجز الخوف لدى الناس بسبب تمسكنا الأسطوري والتاريخي والتكتيكي للاعتصام، وخاصة في الأوقات الصعبة من بعد منتصف الليل من الأيام الأربعة الأولى، وهي كانت الأيام الفاصلة لتثبيت ساحة الحرية، ومنها تفرعت ساحات الجمهورية معلنةً الثورة السلمية في اليمن التي أبهرت وأدهشت كل العالم حتى النظام تسمر ووقف مذهول أمام الثورة السلمية وحاول بكل الوسائل اخماد الثورة ولم يفلح. يواصل المعمري شهادته عن أحداث اليوم الذي تلا ليلة سقوط مبارك وخروجهم إلى الشارع مطالبين بإسقاط النظام: «في تمام الساعة السادسة صباحاً بتاريخ 12 فبراير ومع بزوغ نور فجر جديد للشعب اليمني العظيم وقبل طلوع خيوط شمس الصباح واستنشاق عبير الحرية والعزة والكرامة، ظهر أمامنا شخص يدعى «الزغروري» أحد أبناء مالك «سوق الزغروري للمقوات»، ومعه مرافقون وبحوزته سلاح ناري، صرخ في وجوهنا مستخدمًا ألفاظاً استفزازية بذيئة، ودعا شباب النواة بالابتعاد عن المكان وإلا سيقمع الاعتصام واستخف باعتصامنا، وكان يقول: «أنا معي سوقي ما استطعت أعيد فتحه وأنتم عادكم تطالبوا بإسقاط النظام، أنتم شباب فارغين، يلا روحوا بيوتكم قبل ما تندموا»، وبكل هدوء تجاهلنا صراخه وكلامه لأننا قد اتفقنا سابقاً بتنفيذ خطة تكتيكية للحفاظ على الشباب المتبقي المرهق أصلاً، وتمويه بلاطجة وأمن النظام وإرباكهم من تحديد مكان الاعتصام، حيث كانت الخطة مستلهمة من هاجسنا الصادق ورعاية الله بنا، وكانت الخطة التي اتفقنا عليها هي أن نحول الاعتصام إلى مسيرات متحركة وأن نمر بها من الصباح الباكر بتاريخ 12 فبراير في أغلب شوارع تعز حتى نستقر بها ظهر 12 فبراير في شارع التحرير الأعلى، وحشد أكبر عدد ممكن من الأحرار، وتذويب وكسر حاجز الخوف من الناس عندما يشاهدونا ونحن نظهر أكثر من مرة في شوارع تعز، وطلبنا من الشباب أن لا يحتكوا مع الأمن إذا أراد الاعتداء علينا وأن نستخدم أسلوب التمويه والابتعاد من مكان تواجدهم إلى مكان آخر حتى لا نعطيهم فرصة لتفريقنا وإفشالنا ونحن بهذا العدد البسيط وأغلب الناس لا يعلمون باعتصامنا والحمد لله نجحنا في تنفيذ الخطة تماماً.
الشعار أزعج حينها قيادة المشترك
يستذكر الشاب والثائر وأحد شباب الحزب الاشتراكي في تعز رمزي العبسي تفاصيل البداية والتي كان أحد شبابها، يقول: إن ذكرياته من منظور الزاوية التي كان فيها حاضراً ومشاركاً وشاهداً «لم يكن اندلاع شرارة الثورة يوم 11 فبراير 2011 وليد الصدفة أو تقليد للثورة المصرية التي في يومها استطاعت الإطاحة بمحمد حسني مبارك وإعلان تنحيه عن السلطة، كما كان النظام يحب الترويج لذلك بقوله: اليمن ليست تونس أو مصر، بل كانت حصيلة توفر الظروف الموضوعية وخاصة بعد وصول الحياة السياسية بين فرقاء العمل السياسي لمأزق ولم يعد بإمكان طرفي المعادلة السياسية سلطة ومعارضة تقديم حلول للخروج باليمن إلى بر الأمان، ولكن نستطيع القول بأن الثورة المصرية ونجاحها في تنحي مبارك عن السلطة وفرت الفرصة التاريخية لذلك، وكان شباب تعز السباقين في التقاط هذه الفرصة التاريخية». يستذكر العبسي عدد الشباب الأوائل الذين فجروا الثورة في تعز: «كنت أنا ضمن مجموعة من الشباب (ذكوراً و إناثاً عددها لا يتجاوز الخمسة عشر) المتمردين على أداء أحزابهم السياسية وعلى كل الوضع السيء في البلد من كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي شكّلت حركة شباب نحو التغيير (ارحل) في تاريخ 28/1/2011 والتي بدأت أول نشاط لها في يوم 3 فبراير 2011 عندما كان هناك اعتصام لأحزاب المشترك بالقرب من محطة صافر في تعز، وقد خططنا لتحويل هذا الاعتصام إلى مظاهرة تنطلق من مكان الاعتصام إلى أمام مبنى المحافظة، وقد جهزنا لذلك سيارة دباب الرفيق أيوب الصالحي (مخفي حالياً في تعز)، محملة بمكبر صوت وصور جيفارا، كما كنا نردد أثناء الاعتصام شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، هذا الشعار الذي أزعج في حينها قيادة المشترك في محافظة تعز وخاصةً من كانوا يعتلون منصة الاعتصام، وعبر مكبرات الصوت كانت تطلب من الحاضرين الالتزام بشعارات المنصة كما تم أيضاً تمزيق أسلاك مكبر الصوت بعد أن بدأ الشاب «عيبان السامعي» يدعو الحاضرين للتوجه بمظاهرة إلى المحافظة عبر مكبر الصوت بعد أن أنتهى اعتصام المشترك، وقبلها قاموا بسرقة العديد من صور جيفارا، وبالفعل توجهت المظاهرة إلى أمام المحافظة بعد أن انقسمت المظاهرة إلى مظاهرتين ووصلتا إلى أمام مبنى المحافظة كلٍ على حدة، وتم تفريق المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي من الأسلحة المتوسطة في الجو، وكان النشاط الثاني للحركة يوم 8 فبراير 2011، وذلك بعمل اعتصام أمام مبنى المحافظة تضامناً مع شباب الثورة المصرية، ردّدنا يومها أيضاً شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، وأصدرنا بياناً وضحنا فيه أهدافنا من الاعتصام، ومن أهمها: إسقاط كل رموز وقادة المؤسسة العسكرية والأمنية ومحاكمتهم، وكما قلت بأن اندلاع ثورة 11 فبراير لم يكن وليد الصدفة بل لتوفر الظروف الموضوعية، فبعد إعلان قرار تنحي مبارك عن السلطة التقط شباب تعز هذه الفرصة التاريخية وخرجوا إلى الشوارع ابتهاجاً لهذا التنحي وإشعالاً لفتيل الثورة اليمنية فبراير 2011.
يا تعز نحن شبابك.. فاتحين للثورة بابك
يشرح العبسي تفاصيل ليلة البداية ويقول: «في ليلة 11 فبراير 2011 خرجنا بمظاهرة إلى أمام مبنى المحافظة تردد شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، وكان عدد الشباب قرابة 5 آلاف شاب، وشاركنا من النساء الأستاذة والحقوقية المحامية «إشراق المقطري» وطفلتيها «أنفال وإيلاف»، وكذلك الأستاذة والناشطة السياسية «شيناز الأكحلي»، ولا أنسى هنا الطفلة «أنفال سمير المقطري» التي حملتها على أكتافي وكانت تهتف بالشعارات عبر مكبر صوت صغير والشباب يرددون بعدها تلك الشعارات، واستمرينا على ذلك الحال حتى قرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل وحينها تعرضنا للرشق بالحجارة من قبل بلاطجة ولكننا صمدنا بالرغم من ذلك، ولكن بعدها تم إطفاء الكهرباء على المنطقة بما فيها كهرباء أعمدة إنارة الشارع، حينها انطلقنا بالمظاهرة باتجاه شارع جمال، ومع مرور الوقت بدأت تقل أعداد الشباب إلى ان أصبح العدد أقل من مائة شاب، شباب مستقلون وشباب ينتمون للحزب الاشتراكي اليمني ومنهم من ينتمي للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، قررنا المبيت في الشارع نفترش الأرض ونلتحف السماء ونقتات بالحرية ونغني بها ولها الشعب يريد إسقاط النظام، يا تعز نحن شبابك فاتحين للثورة بابك. الملفت للنظر في تلك الليلة أن المخبرين كان عددهم يقترب من ثلث عددنا إلا أنهم انسحبوا قرابة الساعة الثالثة فجراً».
توفير وجبة الصبوح ومكبر صوت
لم تكن تتوفر لديهم إمكانية الاستمرار في الاعتصام ليلتها كما يقول العبسي في حديثه، وكانت هذه إحدى المعظلات، كما يقول: «ولكي نستطيع الاستمرار كان لا بد من توفير وجبة الصبوح ومكبر صوت لأن مكبر الصوت الصغير الذي كان متوفراً لم يعد متوفراً لأن صاحبه لم يبق معنا، لذلك حاولت الحصول على مبلغ مالي ومكبر صوت، وبالفعل نجحت في الحصول على مبلغ عشرين ألف ريال ومكبر صوت، وكان هذا الدعم من النائب البرلماني الأستاذ «سلطان السامعي» الذي كنت على تواصل معه عبر الرسائل القصيرة والتي مازلت احتفظ بها في هاتفي حتى اللحظة، وقد تكفل الأستاذ والناشط السياسي والحقوقي «أحمد طه» بمهمة إحضار المبلغ والميكرفون، أيضاً حصل الشباب على ثلاثة آلاف ريال دعم من أحد سائقي الشاحنات الكبيرة جراء مساعدتهم له في دفع شاحنته. وتابع قائلاً: «بعد تأمين لوازم الاستمرار من صبوح ومكبر صوت وشعارات مكتوبة على كراتين وورق مقوى وعادي، حثيتُ الشباب على الصمود قائلاً لهم: «إن مستقبل اليمن ومستقبلكم مرهون بصمودكم في الأربع الساعات القادمة، أنتم الآن نواة الثورة وكرة الثلج التي سوف تكبر كلما تدحرجت»، لا أنسى كذلك حديث الأستاذ «فكري قاسم» للشباب وحثهم على الاقتداء بشباب الثورة المصرية. ويواصل حديثه بالقول: «كما قلت كان عدد من قرر المبيت قرابة ال60 شاباً (أو أكثر من الأربعين بقليل حسب مقطع الفيديو الذي صورته بتلفوني للشباب وهم يؤدون صلاة الفجر)، بالإضافة إلى بعض الشباب الذين لم يؤدوا صلاة الفجر، ولكن عند تناول وجبة الصبوح وصل العدد إلى 130 شابًا أعتقد أنه نتيجة لانضمام بعض العمال والشباب العاطلين عن العمل بعد أدائهم لصلاة الفجر في الجامع وخروجهم منه والانضمام إلينا.. أتذكر العدد جيداً لأنني أنا من حاسب البوفية (كافتيريا ينابيع المُليك) التي قدمت لنا الصبوح وكان لكل شاب حبتين خبز طاوة وشاي حليب، لذلك كان عدد حبات الخبز 260 حبة خبز بمبلغ وقدره 8400 ريال طبعاً مع الشاي الحليب، كما أن صاحب أو محاسب البوفية قدم لنا خصماً ب400 ريال ليصبح ثمن وجبة الصبوح 8000 ريال فقط، وأيضاً كان يريد أن يعطيني وجبة صبوحي مجاناً وبما أشتهي لكنني رفضت ذلك، وقلت له أكل مثل ما أكل الشباب بالضبط حبتين خبز وشاي حليب، حينها خاطبني رجل من ملامحه يبدو أنه في العقد السادس من العمر كان يتناول وجبة إفطاره، قائلاً: «ما دمتم بهذه الأخلاق فحتماً ستنجح ثورتكم وستكون اليمن بخير»، قالها ودمعة حبيسة في عينيه مستعصية على الانهمار، ووافقه صاحب البوفية أو المحاسب بإيماءةٍ - بهز رأسه إلى الأسفل والأعلى - تؤكد ذلك.
العامري.. الراقص في قلب الخطر
أوضح العبسي «بعد الانتهاء من تناول وجبة الإفطار عُدنا نجلجل بأصواتنا بحناجرنا نهتف الشعب يريد إسقاط النظام، يا تعز نحن شبابك فاتحين للثورة بابك، ثورة ثورة يمنية بعد الثورة المصرية، فاهتز شارع جمال على إثر أصواتنا المجلجلة وخطى أقدامنا الواثقة مع بزوغ ضوء الفجر الذي بأجسادنا التحفناه بعد ظلام دامس خلعناه، وفي الصباح الباكر انضمت لنا الأستاذة الأديبة والكاتبة «بشرى المقطري» مٌنسقة حركة شباب نحو التغيير (ارحل) التي وصلتني منها رسالة في الليلة السابقة ونحن أمام المحافظة تقول فيها: «تمنيت أن أكون حاضرة معكم»، وبعدها انضمت الأستاذة والناشطة الحقوقية المحامية «ياسمين الصبري» صاحبة فكرة تأسيس الحركة التي عقدنا اجتماعاتنا في مكتبها (مكتب محاماة)، وجابت مظاهراتنا شوارع تعز حاملين لافتاتنا الورقية والكرتونية المتواضعة بشكلها القوية والغنية بمضمونها، وهكذا حتى بدأت تكبر كرة الثلج أكبر فأكبر إلى أن وصل عدد الشباب إلى الآلاف في ظهر يوم السبت 12 فبراير 2011، كما أتذكر جيداً الشاب الثائر من أعماق أعماقه «محمد حسن العامري» الذي - كنتُ لا أعرفه في ذاك الوقت - كان يتمايل بجسمه متراقصاً بطريقة رائعة وهو ماشياً في المظاهرة، كما كان يقوم بعمل إيماءات تعبيرية بيديه أثناء ترديد شعار الشعب يريد إسقاط النظام، وكان بذلك يمد الشباب بالنشاط والحيوية والصمود، لذلك وصفته أنا فيما بعد في أحد منشوراتي في «الفيس بوك» ب(الراقص في قلب الخطر) لأنه كان حاضراً في مقدمة أغلب المسيرات التي قُوبلت بقمع شديد إن لم يكن كلها».
الربيع العربي حوّل العروش إلى نعوش
فاروق السامعي هو الآخر أحد ثوار اللحظة التاريخية يصف شباب تلك اللحظة بالقول: «خرجوا دون موعدٍ جمعتهم أسبابهم المتعددة لهدفٍ واحدٍ دون سواه، وحدهم من تمرد على محظوراتكم وتجاوزوا خطوطكم الحمراء وقالوا بصوت عالٍ: يكفي (33 عاماً) من العبودية والذل والرق السياسي.. هم يبحثون فقط عن وطنهم المصادر وأحلامهم المشروعة في الحياة الكريمة والمواطنة المتساوية، صفقاتكم السياسية وحصاد الغرف المظلمة لكم، ولهم هذه المساحات المفتوحة على الحرية والضوء، فهموا الدرس جيداً، ورسموا ملامحه الأولى بوعيهم الذي تجاوزكم ولن يسقطوا في الامتحان الأخير. السامعي يتابع الحديث «البدايات الأسطورية مهما عظمت تكون لها نهاية حتمية ولا تكمن المعجزة في صناعة البداية وإنما في اختيار النهاية، أكثر من ثلاثة عقود مرت على إقصاء دولة وتغييب مؤسساتها وظهور سلطة الفرد والأسرة المالكة وعسكرة الدولة، ولقد خاضت اليمن المعركة الحاسمة وصراع البقاء الأخير، ثلاثة عقود حمل اليمنيون على أكتافهم آلاف الشهداء في معارك وحروب أهلية غير مبررة وحوادث وقتلة مجهولين وغاب العشرات منهم وراء الشمس التي تجهل نفسها مصائرهم، تعودنا كثيراً على قراءة عبارات مثل شهيد وشهداء وطن، لكنا لم نسأل أنفسنا من قبل هذا الوطن شهيد من..؟! يستذكر شباب البداية تلك اللحظة التي خرجوا بها بحزن وأسى على مصير ثورتهم وحلمهم وكما يقول «أحمد طه المعبقي»: إن «مشروع الثورة الشبابية ذبح داخل الساحة وقبر فوق المنصة، والإعلام القطري والمال القطري أنتج لنا ثوار التخمة وتجار الأزمات، بينما مصير ثوار فبراير خلف القضبان، أو على أرصفة البطالة، وفشل الثورة الشبابية السلمية، ليس فقط عندما ركبت القوى التقليدية مسار الثورة الشبابية فحسب، بل يعود فشل الثورة الشبابية، عندما تخلى شباب الثورة السلمية، من الاستمرار في النضال السلمي، وانجرارهم خلف صراعات القوى التقليدية ذات الطابع الدموي، ومازلنا نتجرع مرارة هذا الصراع حتى اللحظة» . فيما يقول «رمزي العبسي»: إن ساحة الحرية تحولت من ساحة للحرية إلى مخيم للاستبداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.