(ثورات الشعوب براكين لاتخمد) هكذا يعرفون الثورات لكن لم ندري كيف كتب للثورات الربيع العربي أن تهدئ ، دون أن تصل الى كامل أهدافها التي خرجت من أجلها . قد يقول قائل ان القوى التقليدية العتيدة -التي أكل عليها الدهر وشرب -هي السبب والمسبب الذي جعل ثورات الربيع العربي تعاني من الإخفاقات والإرهاصات عندما تكون قاب قوسين أو أدنى من النصر . صحيح أن هذه القوى ظهرت لنا منذ الوهلة الأولى لنطلاق الثورة الشبابية الشعبية السلمية على أنها قوي ثورية من الطراز الأول وأنخرطت في العمل الثوري ومن ورائه العمل السياسي من خلف الكواليس حتى إذا ما جأت بعضا من ثمار الثورة في إنتزاع بعض المناصب السيادية في الدولة من أيدي الفاسدين سرعان ما هبت ولهثت تلك القوى نحو المحاصصة والتقاسم في المناصب . هنا إنكشف القناع عنها وأدرك الجميع أنها ليست قوى ثورية بالمعني الذي يتطلبه التغير حتى وإن كانت تبريراتهم السياسية أقرب للصواب لكن هذا لا يعني تميع ثورة شعب بأهدافها ومبادئها بعملية سياسية إيدلوجية تنعكس سلبا على الثورةوالتغير المنشود . كان بإمكان تلك القوى أن تبقى ثائرة في الميادين والساحات حتى في المسارح السياسية تناضل مع شبابها لا أن تناور و تحاور مع نظام -تعرفه أكثر منا في مناورته المقيته والفاشلة ، أو ربما الأجدى بها -أي القوى التقليدية - أن تفسح المجال للشباب ليواصلو نضالهم دون أن تقطع نضالهم بعملية مثل هكذا . بل كان يجب على القوى المنظمة للثورة أن لا تتهافت على المناصب وترمي وطن بأكمله خلفها . تعجبت لأمرهم هذا وأدركت كيف تثبت النظريات دون دراسة أو عناء ، فهم حقيقة الوجه الأخر للنظام إن لم نقل أنهم نفس الوجه ونفس الفكر والتوجه لا يختلفان مادام الأمر هكذا فمن المفترض من ثورات الربيع العربي أن تخرج أولا على نفسها وتحطم العقلية الفردية فيها والفكر الإستبدادي والثقافة المناصبية والتسلطية في ذاتها وأن لا تترك مجال لثقافة التقديس و الصنمية بداخلها ولو كانت فعلت ذلك لما ألت اليه ثورات الربيع العربي الي ما ألت اليه الأن من المساومة والمحاصصة والتقاسم ، إضافة الى التأمر الداخلي والخارجي ضدها . وهنا أقول وأكرر أن أول أسباب تعثر ثورات الربيع العربي هو تلك القوى التقليدة المحنطة التي لا تؤمن إلا بذاتها وبمشروعها الرجعي والإستبدادي المتغلغل في أدبياتها . وثاني الأسباب هو أننا لم نكن مستوعبون لثقافة التغير بالمعنى الكافي لإحداث التغير ويتضح هذا جليا في سلوكنا الثوري فحين وصلنا الى مرحلة من مراحل الثورة المحددة وحدث شيء من التغير فإذا بنا بدأنا نتراجع ونقتنع بما إستعدنا من الحقوق والحريات المستلبة وبل متفاخرين بما حققنا متناسئين وطن بأكمله مازال يرزح تحت وطأة الفساد والفاسدين بل متناسئين أهداف ومبادئ خرجنا من أجله مازالت لم تحقق . والمشكلة الكبرى هي أننا حتى في ظل قناعتنا بما تحقق تجد أننا جعلنا تلك القوى على فتات المناصب التي حصلنا عليها وإذا بأولئك المنقذون للوطن - كما يدعون- بدأو يمارسون نفس النظام السابق ونفس الفكر والعقلية الذي خرجنا ضدها وكأنك (ياابو زيد ماغزيت) ولا خرجت بثورة . للأسف أيها النخبة نحن ما خرجنا ضد شخص لنعزله ونعين أخر نحن خرجنا ضد نظام فاسد بكامل مؤسساته وقواعده خرجنا نطالب بوطن مستلب بحريات أنتهكت بحقوق نهبت خرجنا نطالب بوطن دمر تدميراً ممنهج فلا تخجلونا ياسادة أمام العالم ، وتعطو العالم صورة لنا - من خلالكم- بأن خرجنا نبحث عن منصب أو سلطة . بل ومن العيب والجريمة أن يلد من رحم الثورة نظام يكون نسخة أخرى للنظام الذي قامت ثورتنا عليه ، يجب يا سادة أن نأتي بالتغير الذي ظلينا نشده في الساحات بين الحر والبرد ، الذي بحت أصواتنا ونحن نعزف الأناشيد لأجله ، يجب أن نأتي بالتغير الذي سقطت لأجله الشهداء وصبغت بدمائهم الزكية تراب هذا الوطن الغالي فلا تخون الشهداء ولا تجزوء المبادى والأهداف التي ماتو من أجلها ، تذكرو دائما أنات الجرحى وصيحات الثكالاء ، تذكرو أنهم لم يخرجو من أجلكم وإنما من أجل هذا الوطن .