فالجهاد من جاهد يجاهد جهادا أو جهدا... والمجاهدة يعني تغليب عمل على ما تتمناه النفس وتسعى إليه وتحبه وتتمتع فيه... فالقيام من النوم للصلاة جهاد لأن الإنسان بطبيعته يعشق النوم ولكن تغليب العبادة على راحة الجسد جهاد... والخروج لقتال المعتدين من الأعداء جهاد لأن المجاهد غلب سلامته وراحته بقتال الأعداء... والإنفاق في مرضاة الله جهاد لأن المنفق المجاهد غلب احتفاظه بالمال وحب النفس للمال بإنفاقه في مرضاة الله ... والدعوة إلى الله باللسان واللين والحوار جهاد لأنه آثر راحة البال بتحمل نتائج الدعوة من مشاكل وصعاب .... والجهاد يدل على السلم والسلام والإسلام وليس على القتال والشدة والقسوة ... فالآية الأخيرة من سورة (الحج) توضح لنا وبوضوح تام هذا المعنى السامي والراقي والرائع لمعنى الجهاد ... فالله سبحانه وتعالى يقول ... وجاهدوا في الله حق جهاده (يعني لتكون أعمالكم التي تجاهدون بها أنفسكم خالصة لوجه الله الكريم) ... هو اجتباكم (يعني هيئ الصنف المناسب ليكون مجاهدا في سبيل الله) وما جعل عليكم في الدين من حرج (جهاد النفس ومجاهدة الآخرين في أمور الدين رفعة ورقي وليست إزعاج وإحراج وسيهيئ الله الآخرين لقبول توجهاتكم الجهادية دون إحراجكم لأنكم تنطلقون من منطلق الدين) ... ملة أبيكم إبراهيم ( اختيار الله للنبي إبراهيم دليل قاطع على تعريفي لمفهوميه الجهاد البعيدة عن مفهوم القتال فإبراهيم عليه السلام جاهد أولا نفسه باحثا عن ربه ثم جاهد أبيه وعبادته للأصنام بالكلمة "يا أبت .. يا أبت" ثم جاهد قومه لثنيهم عن عبادة الأصنام لعبادة الله بالكلمة والحجة والمنطق ولم يستخدم أبو الأنبياء السيف والشدة والقسوة في مسيرته الدعوية لذلك ربط الله الآية بملة وتوجة وطريق أوفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم ( شاهدا على تبليغه الرسالة الإلهية بنظام الجهاد السلمي المسالم اللين دون الدم والقتل ترغيبا وليس ترهيبا) ... وتكونوا شهداء على الناس ( شاهدين على كل من جاهدنا أنفسنا لنوصل إليه رسالة السلم والسلام والإسلام )... فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( أكثر الأعمال مجاهدة للنفس وتثبيته لفكرة الجهاد الصلاة وإقامتها في وقتها مجاهدا للنفس وراحته وأعمالها والتزاماتها ... والزكاة والتي تقتص جزء مما يحبه الإنسان والتي يتزين بها ويكد من أجله ويجاهد في الأرض لأجله فإقامة الصلاة وإنفاق المال أعظم الجهاد ومن موجبات الإسلام وأن يصبح المجاهد شاهدا على الناس)...واعتصموا بالله هو مولاكم (الاعتصام بالله أساس مقومات الجهاد لأنه ارتباط بالله ومنه يستمد المجاهد قوته وطاقته التي تعينه على مجاهدة نفسه والآخرين ... وتوليته كل تفاصيل حياتنا أساس النجاح والتوفيق والسداد في كل شئون الحياة)... فنعم المولى ونعم النصير ( فلا مولى كتولية الله كل تفاصيل حياتنا والتي تجلب في آخر مطاف الجهاد النصر من خلال استجلاب نصره سبحانه وتعالى)... وعندما ننتقل لبقية الآيات التي تتكلم عن القتال في القرآن والتي تقريبا (45 آية من أصل 8ألف آية يحتويها القرآن الكريم ) نجدها جميعا تنطق بقوله "قاتلوا" وليس "إقتلوا" بإستثناء ثلاث آيات الأولى في سورة البقرة والأخيرتين في سورة النساء وهن يتكلمن أيضا عن دفع القتل عن النفس لأن الآيات التي تسبق اللآية تتكلم في نفس السياق عن قتال المعتدين ثم تأتي الآيات اللاحقة لها بوقف القتل عمن ينتهي ويسعى للسلم أما مفهومية قاتلوا فهي تعني دفع الضر عن النفس والوطن والمال والعرض ,,, لذا نجد أن الإسلام دين سلام وليس دين دماء حتى لو أعطانا أبناءه أمثلة مناقضة لما نقوله ولكنهم يمثلون أنفسهم ولا يمثلون الإسلام وما يمثل الإسلام هو التفسير السليم الصحيح للقرآن وآياته والنبي وحياته ,,, والله من وراء القصد. [email protected]