ما انفك أصحاب الفخامة والسيادة والسمو يتحدثون بلسان الأمة، وباسم الأمة، ويدعون تمثيل صفوة هذه الأمة.. ولا ندري متى كانت هذه الأمة تبيعة من كتب الله عليهم الذل والمسكنة! أصحاب الفخامة والسيادة والسمو لا تهزهم المجازر الصهيونية في غزة، ولا التي تنقلها الفضائيات على الهواء اليوم من لبنان، ولم ترأف قلوبهم لطفلة ذبحت الطائرات الصهيونية كل أفراد أسرتها في رحلة على شاطئ.. ولا أم تستغيث بعد أن دفنوا أبناءها تحت ركام بيت اغتالت سكونه وسلامه قذيفة اسرائيلية.. لكنهم أحزنهم الإعصار الذي ضرب شواطئ أمريكا فتسابقوا لتقديم المعونات السخية لمن أصبحوا بلا مأوى في أغنى دول العالم.. ويالنبل ضمير ذلك الأمير العربي الذي تبرع بعشرة ملايين دولار لجمهور «غانا» في مونديال ألمانيا! أصحاب الفخامة والسيادة والسمو ما زالوا يعتقدون أن هول الدمار والمجازر الاسرائيلية في لبنان غير كافٍ لتقرير الوقت المناسب لعقد قمة عربية طارئة.. والمؤامرة التي تلف حبالها على رقاب الشعب العربي ليست بالخطورة التي تستحق بحث وتداول زعماء الأمة.. والمشاهد الدامية على الشاشات ليست بالألم الكافي لترق لها قلوب قادة الأمة.. لكن ما أقدم عليه حزب الله من أسر جنديين اسرائيليين هي بمفهومهم الجريمة التي تستحق إصدار بيانات التنديد ب«المغامرة»، وتكفير المقاومة بإسقاط «الشرعية» عنها، وإعلان قطع أية مساعدات أو دعومات كانت تقدم لشعبي فلسطينولبنان اقتصاصاً للجندي الأسير في غزة والجنديين الأسيرين في لبنان. في زمن المواجهات المصيرية مع أشد الأعداء لؤماً وعداءً لله ورسوله والمؤمنين قدم أصحاب المعالي والفخامة والسيادة والسمو أول دعم معنوي يحظى به العدوان الصهيوني على لبنان بإدانتهم أعمال النضال العربي وإسقاطهم حق مقاومة الاحتلال عن شعبنا المظلوم الذي ما زالت اسرائيل تخنق سجونها بأكثر من عشرة آلاف أسير من أبنائه دونما أن يجرؤ أحد من أصحاب المعالي والفخامة والسيادة والسمو بمناشدة «أصدقائهم» أو «حلفاء التطبيع» بإطلاق سراح أي من هؤلاء الأسرى المسلمين. بتصوري إن أكبر أخطاء أصحاب المعالي والفخامة والسيادة والسمو هي سوء تقديرهم وتقييمهم لحسابات شعوبهم التي لطالما يعتقدون أنها مجرد قطعان صاغرة لعصا راعيها، يمكن أن تطيعها حتى على الطريق إلى المسالخ «الدولية».. ونسوا أن هذه الشعوب وإن غفت لها زمانها الذي انتفض حتى بوجه فرعون، والامبراطوريات العظمى، وقوى الاستعمار والطغيان التي جثمت على صدر الأمة قروناً ثم رحلت خاسئة ذليلة بفعل الإرادة الحرة الكريمة للشعوب الأبية. تاريخنا العربي علمنا أنه لا ينسى موقف أحد دون توثيق على صفحاته.. وعلمنا قصصاً ودروساً تؤكد أن نهاية الأفعوان بين أنياب أفعى، وأن المتخاذلين يموتون في كل ساعة ألف مرة خوفاً فيما البواسل لا يموتون غير ميتة واحدة على يد عزيز مقتدر، مالك الأرواح وخالقها. أصحاب المعالي والفخامة والسيادة والسمو يخشون الدخول بمعارك، وبذلك نلمس لهم عذراً فمقادير الشجاعة لا تستوي بمكيال واحد.. لكن كيف نلتمس عذراً لمن يعجز عن صياغة بيان استنكار، أو قول كلمة سواء في قضية الحق فيها بائن والظلم فيها بائن.. وكيف نفسر موقف من يمتنع حتى الجلوس تحت سقف قمة عربية في قاعة مغلقة الأبواب يتداول الرأي بما يحدث.. فما أبخس هذه المواقف ياأصحاب المعالي والفخامة والسيادة والسمو!!