م لأكثر من نصف قرن من الزمن المرُ سعت اسرائيل ومعها كل الدوائر والمنظمات الصهيونية والدول الغربية إلى تعزيز احتلالها للأراضي العربية وضمان التقهقر والتخاذل العربي بوضع كل السبل والوسائل التي تمكنها وحليفاتها من احتلال العقل والوجدان والشعور العربي، وإفراغ كل منهما من مقوماته وأدوات فعله وتأثيره.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل عملوا ليل نهار ليصنعوا ويزرعوا انتصارات وهيمنة وعظمة اسرائىل في وعينا ومساحات تفكيرنا، وحوّلوا كل تلك الدوائر الخبيثة إلى ثقافة يُغذَّ بها العقل والعاطفة العربية تحقيقاً للأهداف الصهيونية الرامية إلى إلحاق الهزيمة بالعقل العربي ليتحقق الاحتلال والسيطرة الكاملة على أرضه وضمان عدم المقاومة ومن ثم الاستسلام للأمر الواقع. لقد تحملت مهمة تسويق تلك الثقافة في الوطن العربي دوائر ومراكز عربية خدمت الصهاينة من حيث أضرّت بالعرب؛ وأسست ضعفاً وهواناً في إرادتهم، وألزمت عزائمهم الاعتراف وبشكل يقيني بأن اسرائىل القوة التي لا تُقهر، والشوكة التي لا تُكسر، وسُوّقت تلك الكذبة الكبيرة تحت شعارات ومبررات ألحقت الخذلان بالعزيمة العربية وجعلتها تردد مقولة شائعة عند بعض الشعوب العربية «دي اسرائيل يا ابني!!». كانت نكسة حزيران 1967م البوابة الرئيسية لتسويق البعبع الاسرائىلي ونفث سموم ثقافة الهزيمة والانكسارات والعبث السلطوي في وجدان ووعي وإدراك وعزيمة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. وتلك كانت جريمة حضارية وتاريخية في حق الأمة كلها، زادت الشعوب العربية ضعفاً وهواناً وسقوطاً في محرقة التبعية والانجرار إلى المجهول، وساعدت تلك اللحظة الخطأ في الحسابات المغرورة في زيادة تسلط الحكام العرب وتشبثهم الجنوبي والكبير بكراسي السلطة مقابل زيادة الإذلال لشعوبهم، والاستغلال الفاحش لمقدّرات أوطانهم، وتركهم يدورون مع اللقمة حيث دارت، متناسين الوطن وحقه في التطور وضرورة العمل التشاركي لرفعته وتحريره من التبعية والانجراف وراء الطوفان الغربي والخبث الصهيوني. إن المقاومة اللبنانية قد وضعت حداً فاصلاً بين الماضي والحاضر، ونسفت ثقافة العجز والانهزام في الوجدان العربي، وأحرقت تلك الكذبة الاسرائىلية الكبيرة التي أصابت أجيالاً عربية بالإحباط واليأس، وقطعت الطريق أمام كل الذين يروجون للتفوق الاسرائىلي، فما عاد لتلك الثقافة الانهزامية من أثر، وستتحول الانتصارات التي صنعها رجال المقاومة اللبنانية وبتضامن ووحدة الشعب اللبناني برمته إلى ثقافة الإنسان العربي اليوم وغداً وبعد غد، وستتلاحق المكاسب والانتصارات في عمق الإرادة والعزيمة العربية، وصولاً إلى التفوق والتمرد على الواقع والظروف، ومن ثم التغيير والتجديد في مجريات الحياة والأحداث. ليس هنالك شيء يقال له «المستحيل» وحتماً فإن ثقافة الانتصار ستجتثه من قاموس ومفردات الوعي والتفكير العربي، لأن إرادة وعزيمة الإنسان العربي قادرة على تغيير الأحداث واللغة والصيغ والمفاهيم التي تكتب بها مسارات التاريخ المعاصر، مثلما هي غير عاجزة عن قلب معادلات الواقع والتحكم في نتائجه وأبعاده المستقبلية، ومن ثم إعادة رسم الخارطة الدولية من جديد وبقناعات وموازين خاصة. لا يجدر بنا القول أو الانجرار وراء المقولات التي تروّج وتصف النصر الذي حققه اللبنانيون ومقاومتهم بأنه متعدد الجنسيات؛ لأن الآخرين قد يمدونك بالأدوات والوسائل المادية؛ لكنهم غير قادرين على أن يمدوك بالإرادة والعزيمة والإيمان بأحقيتك في التفوق والنصر وتغيير مسار التاريخ المعاصر في المنطقة العربية إن لم يكن في العالم كله. لقد شارك اليمنيون بجدارة واقتدار في هذا النصر وصناعة ذلك التفوق بالمواقف العظيمة التي أبداها اليمن قيادة وشعباً، وتضامن بكل ما يستطيع مع رجال المقاومة اللبنانية في ميدان المعركة في الحث الدائم والدعوة المستمرة للجماهير اللبنانية بالوقوف صفاً واحداً أمام العدوان الهمجي، والدعوة المستمرة للقيادات وللشعوب العربية بأن تتحمل مسئولياتها الدينية والحضارية والإنسانية والتاريخية والأخلاقية، وألا تدع اللبنانيين يعانون وحدهم، فتخاذل من تخاذل، وتآمر من تآمر، وبقيت اليمن على موقفها وإيمانها بأن الدم واحد، والعرض واحد، والنصر أو الهزيمة ستتحملهما الأمة العربية، وخير لها أن تقف بمسئولية وتحافظ على حقها بشرف وكرامة.