عندما احتل الجيش الإسرائيلي جنوبلبنان ظنت حكومته حينها بأن حلم إسرائيل «الكبرى» «من النيل إلى الفرات» بدأ يتحقق، إلا أن هذا الحلم الصهيوني التوسعي سرعان ما تكسرت مرآته وعلى يد المقاومة الإسلامية اللبنانية «حزب الله»، والذي وكله الشعب اللبناني بكل طوائفه بالدفاع عن لبنان وكسر القدم الصهيونية وإخراجها من الجنوب المحتل. وبالفعل حقق «حزب الله» ما وكل به، ففي عام 2000م وجد الجيش الصهيوني نفسه مطروداً من جنوبلبنان بعدما لقنه «حزب الله» درساً قاسياً جداً ظل الصهاينة يحفظونه عن ظهر قلب، وأصبحوا منذ ذلك الحين وحتى الآن يعتبرون لبنان خطاً أحمر من الصعب تجاوز حدوده الجغرافية، والتي يتمترس على امتدادها كابوس مخيف يدعى «حزب الله». إلا أن إسرائيل وبعد خروج جيشها من جنوبلبنان ظلت خلال الست السنوات الماضية تحاول وبمساندة قوية من حليفتها «أمريكا» إبعاد حزب الله من الحدود اللبنانية ونزع أسلحته، وهذا طبعاً من أجل الحفاظ على أمن واستقرار اسرائيل، ولتحقيق ذلك اتبعت إسرائيل عدة سياسات أبرزها سياسة إقناع العالم بأن «حزب الله» منظمة إرهابية وتدعمها وتساندها إيرانوسوريا، وأنها منظمة تأسست لتحقيق هدف واحد هو زعزعة أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وطبعاً تكللت هذه السياسة بالنجاح.. حيث تم إدراج «حزب الله» في قائمة المنظمات الراعية للإرهاب، إلا أنه لم يغير من الأمر شيئاً، ولم يكن له أي تأثير سلبي على «حزب الله»، بل على العكس ازداد هذا الحزب قوةٍ وعزيمةٍ وإصراراً على حماية لبنان من الغطرسة الصهيونية، وللأسباب التالية: عدم اقتناع الحكومة اللبنانية ومعظم الأحزاب والطوائف اللبنانية بما تروجه الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية عن إرهابية «حزب الله» واقتناعها بأنه مقاومة شرعية أوجدتها جميع الأوساط اللبنانية من أجل حماية لبنان من الأطماع الصهيونية. كما أن «حزب الله» منذ تأسيس وهو لا يزال يلعب دوراً أساسياً مع الحكومة اللبنانية والأحزاب الأخرى في عملية إحلال الأمن والاستقرار في لبنان.. وليس لهذا الحزب أطماع في السلطة، فحزب الله حزب مقاومة وطنية شريفة وليس حزباً إرهابياً. سياسة إشعال نار الحرب الأهلية في لبنان، طبعاً هذه السياسة جاءت داعمة للسياسة الأولى ومكملة لها، فالدولة الإسرائيلية بعدما أكدت من نزع أسلحة «حزب الله» قامت بتجنيد أتباع لها مهمتهم اغتيال شخصيات قيادية وحزبية ودينية «مسيحية ومسلمة» مع الإشراف وبشكل غير مباشر على هذه المهمة.. وذلك من أجل إشعال نار الحرب الأهلية بين أحزاب وطوائف لبنان بغية إضعافه ومن ثم السيطرة عليه، ولكن قرعات الطبول الصهيونية لم يكن لها أي تأثير على الشارع اللبناني، بل قوت من وحدة صفة، فكانت مؤامرة مكشوفة وردة فعل لبناني أحرجت الإدارة الإسرائيلية أمام حليفتها الإدارة الأمريكية، إلا أن الأولى «إسرائيل» بررت فشلها في تمزيق لبنان والسيطرة عليه إلى الدور الذي تلعبه سوريا، وأن ضرب هذه العلاقة معناه إخضاع لبنان.. وكان اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق هو الضربة التي قضت على العلاقة اللبنانية السورية. فبعد هذا الاغتيال الآثم اتهمت سوريا بالوقوف وراء اغتيال «الحريري» وانتهزت اسرائيل هذه الفرصة وطالبت حليفتها «امريكا» بسرعة التدخل والضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار بجبر سوريا على سحب قواتها من لبنان باعتبارها «قوات أجنبية»، وبناءً على ذلك نفذت الإدارة الأمريكية بالضغط أيضاً على مجلس الأمن لإصدار قرار يقضي بنزع أسلحة حزب الله، ولكن القرار لم ينفذ بسبب إصرار حزب الله على عدم التخلي عن أسلحته، مما أغضب ذلك إسرائيل والتي ظلت تقتنص أي خطأ يرتكبه «حزب الله» لتشن عليه حرباً بغية القضاء عليه، فظلت مستعدةٍ لذلك إلى أن قام «حزب الله» باختطاف جنديين إسرائيليين فاقتنصت إسرائيل هذه المغامرة وكان هذا الاقتناص مريراً وقاسياً جداً على الشعب اللبناني وعلى إسرائيل نفسها والتي شنت في 12 يوليو حرباً غير عادلة وغير متكافئة على حزب الله، بل على لبنان الجريح تحت ذريعة تنفيذ قرار مجلس الأمن القاضي بنزع سلاح حزب الله. الغريب في الأمر أن إسرائيل تعتبر من أبرز الدول عصياناً وتمرداً على القرارات التي صدرت ضدها من قبل منظمة الأممالمتحدة، إلا أن إسرائيل ونتيجة لتكبرها وجدت نفسها تقع في مستنقع حزب الله الذي كبدها خسائر كبيرة وهائلة في المعدات والأرواح، كما أن الصواريخ التي أسقطت على شمال الأرض المحتلة أدخل الرعب والخوف والفزع في قلوب الصهاينة وجعلتهم يذرفون الدموع والدماء، فكان رد إسرائيل على ما تكبدته من خسائر هو تدمير البنية التحية ل«لبنان الجريح والصامد» وذبح الكثير من المدنيين العزل، فهذا السلوك اللا إنساني دليل دامغ على انتصار «حزب الله» وهزيمة إسرائيل ونهاية لأسطورة «رابع أقوى جيش في العالم»، أسطورة جعلت الأنظمة العربية تخاف من غضبها.