لمغتصبي حقوق اهلنا في الوطن المحتل شبكة من انصار عنصريتهم البغيضة في سائر بلدان أوروبا على وجه الخصوص ، وللقواسم المشتركة بين جميعهم دورها الفاعل والمؤثر في تشكيل اركان ما يعد بمثابة السند الدولي للكيان العدو، وهم على اختلاف جنسياتهم واعراقهم ودياناتهم يرون في كل من يجرؤ على مجرد استنكار ما يرتكبه بنو صهيون من مجازر دموية بشعة بحق انساننا العربي في كل فلسطين .. معادياً للسامية حتى وان كان سامياً غصباً عنهم، وكأنما هي «الفزاعة» التي جرى تسخيرها خصيصاً لمصادرة حرية الرأي والتعبير فيما يتعلق أساساً بحيثيات صراعنا التاريخي مع هذا العدو منذ كانت النكبة الأولى وإلى يومنا هذا. وعلى الجانب الآخر .. يتحمل أصدقاء العرب في دول الغرب ذاتها تبعات انحيازهم للحق العربي، حدث هذا مع المفكر الفرنسي «روجيه جارودي» وهو ما حدث بعدها كذلك مع النائب البريطاني «جورج جلاوي» مع الفارق بين الحالتين، وينضم اليهما في الآونة الأخيرة الروائي الألماني العالمي «جونترجراس» الذي يدفع راضياً ضريبة مصداقيته، بسبب اعترافه مؤخراً بانضمامه الاضطراري وليس الاختياري، وهو في السابعة عشرة من عمره، إلى الوحدات النازية الخاصة بحماية هتلر إبان سنوات عهده والتي ساهمت في تنفيذ ما اصطلح على تسميته بالمحرقة اليهودية آنذاك. وإذا كان «جونترجراس» قد اعترف بمثل هذه الحقيقة بعد أكثر من ستين عاماً على واقعة انضمامه القسري إلى قوات النخبة الهتلرية إياها، فقد اعتبرها في سياق اعترافه هذا وصمة عار في ثنايا سجله الأدبي وهو الذي اطلق عليه بنوقومه «ضمير الأمة النابض» ثم عاد بعضهم لمطالبته بالتخلي عن جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في عام 1999م وكأن هذا البعض هو الذي اكتشف حقيقة انتسابه لما اراد هو ان يتبرأ منه عبر الاعتراف به .. مؤكداً بأنه لم يطلق رصاصة واحدة حال تواجده في صفوف تلك القوات وعلى صغر سنه حينها.بل إن هناك من غير مواطنيه الألمان من ذهب إلى حد مطالبته كذلك بالتخلي عن لقب «مواطن شرف »الذي منحته إياه واحدة من مدن بلاده المقتطعة أصلاً من نسيج الجسد الجغرافي لألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بينما اعربت إحدى منظمات الكتاب والأدباء غير الألمانية بالمقابل عن نيتها سحب جائزتها التي كانت قد منحته إياها في وقت سابق.وفي اعتقادي .. ان الحركة الصهيونية العالمية ليست بمنأى عن كل هذا وذاك، إن لم تكن هي التي تقف وراء ما تعرض له جونترجراس ولايزال، بعدما أقدم على اشهار اعترافه هذا بدافع من شعوره الانساني، ودونما تدخل من أحد، ذلك انه لم يشأ ان يتستر على ماضيه، وهو ما يفرض على الآخرين ضرورة تقديره، لكونه نوعاً من أدب الاعتراف.