مازلنا نتكلم عن مكافحة الفساد والمفسدين، وإشعال حرب ضارية في مواجهتهم.. لكننا هل فكرنا بأن نحتاط لأنفسنا من هذا السرطان المفترس !؟ الفساد كائن بشري لا يختلف عن الذين يعتزمون محاربته إلا بالأخلاق.. ومثلما نفكر بالقضاء عليه كان من الطبيعي ان نفكر انه بقدر شراسة المعركة سيّشتد ضراوة في مواجهتنا.. وإذا كنا ننتظر الوثائق والاثباتات التي تدينه فإنه لا يضع اعتباراً لكل هذا، كونه يبيح كل المحظورات من أجل البقاء، والتصدي لكل محاولة قد تطيح بنفسه الفاسدة. الفساد استبقنا إلى لقمة الخبز، وقبل أن نخطو خطوة واحدة باتجاه رفع المستوى المعيشي للمواطن كان لنا بالمرصاد فأخفى أكثر من ثلاثة ملايين كيس قمح ليفتعل ازمة اقتصادية وسعرية يشغلنا بها عن أي تفكير آخر للحد من طمعه غير المشروع.. ومع ان جهات رسمية أكدت ان القمح الذي عثر عليه مخبأ في بني حشيش يعود لأربعة تجار إلا ان وزارة التجارة والصناعة اكتفت بتلك البيانات ومن يومها لا أحد يعلم شيئاً حول مصير هؤلاء التجار.. الأمر الذي دفع كثيرين إلى عدم الاكتراث حول ماتردد أمس بشأن احتمال ان يكون حادث الحريق الذي التهم أمس ارشيف وزارة التعليم العالي بأنه مدبر، ويرجح ان المتورطين بالفساد في مكتب البعثات هم من يقفون خلف الحادث نظراً لأنه جاء بعد أيام قليلة من قيام الوزير بتشكيل لجنة فحص لجميع ملفات البعثات. عندما نقلت هذا الخبر لأحد الاصدقاء واخبرته ان وزارة الداخلية ارسلت فريقاً تحقيقياً على الفور للتوصل إلى الجناة سخر مني صاحبي، واستقبل الخبر ببرود شديد.. بعدها قال لي: وما الفائدة حتى لو توصلوا إلى الجناة، فالشعب اليمني كله من صعدة إلى عدن يعرف الجناة وراء ارتفاع اسعار القمح والسلطات بنفسها ضبطت أكثر من ثلاثة ملايين كيس مخبأ، ورئىس النيابة المتخصصة بالقضايا التجارية يؤكد ان وزارة الصناعة لم تحل أي متهم إلى القضاء على خلفية الأزمة السعرية بعد ان كانت الوزارة تدعي احالة أكثر من الفي تاجر مخالف للنيابة.. فماالذي حدث.. واين الصدق في كل ما تردد حول هذه الأزمة !! بدا لي الأمر منطقياً جداً، وان الناس في دوامة، تتجاذبها الحيرة : هل تنضم إلى حلف مكافحة الفساد، وتباشر هجومها على الفاسدين من فوق كل منبر أم عليها ان تقف مراقبة لمايحدث حتى ينتهي البرلمان من المصادقة على قانون مكافحة الفساد الذي اشتد تصدي نواب المعارضة له في الآونة الأخيرة.. !؟ على امتداد نحو 28 عاماً اعتاد المواطن اليمني على الوضوح والصراحة التي يتعامل بها الرئىس علي عبدالله صالح في مختلف الأمور، لذلك ظل المواطن ينتظر من الاخوة المسئولين أن يتعاملوا معه بنفس الوضوح والصراحة، ولا يهابوا شيئاً في مكاشفته بحقيقة ما يدور.. فذلك أفضل بكثير ممالو استغل بعض المغرضين الغموض لتعبئة خاطئة. اليوم نجد أن المواطن في السوق يريد ان يقول «لا» بوجه من يرفع الأسعار خلافاً لما أعلنته الحكومة لكنه يتردد لأن الوزارة المعنية رغم ضبطها أكثر من ثلاثة ملايين كيس دقيق مخبأة مازالت تقول ان متغيرات عالمية وراء أزمة أسعار القمح، وان انفلونزا الطيور وراء أزمة اسعار لحوم الدواجن والبيض وحتى لحوم الابقار.. ! اليوم نجد أن بعض الاقلام الشريفة تريد مهاجمة الفساد لكنها لاتجد من يستمع لما تنشره من اخبار، وتخشى ان تجد نفسها وحيدة حين تدافع عن المواطن وتهاجم التاجر لأن هناك مسئولاً سيبرر الغلاء ويفند كل ما تدعيه هذه الأقلام.. أمس فقط وجدت نفسي تنتعش مجدداً بالأمل حين انتزع الشيخ/ سلطان البركاني، رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية موافقة من المجلس بأن تشمل مكافحة الفساد التحقيق حتى في جرائم الفساد التي تنشرها وسائل الاعلام.. وانني لأعتبر ذلك نصراً للاعلاميين وأول تحالف حقيقي وشراكة جادة لمكافحة الفساد، ولا يسعني إلا ان احيي كتلة الحزب الحاكم في نفس الوقت الذي اتساءل يا ترى لماذا ترفض المعارضة مناقشة قانون مكافحة الفساد وغادرت مجلس النواب أمس !؟