«التجارة شطارة» .. مثل يفتقد الكثير من الدقة، بعد ان كشفت اسواقنا في اليمن الوجه القبيح لهذه العبارة فتحت هذا العنوان يحلل البعض لنفسه ان يتمادى في جشعه واحتكاره لأقوات الناس ، وتحت نفس العنوان يطلق العنان لاطماعه فيكشر عن انيابه ماصاً دماء الابرياء تحت شهوة «الربح السريع». تتعدد الطرق وتختلف الاساليب ويظل الهدف دائماً واحداً.. تحقيق ثروة وفي زمن قياسي وبأقصر الطرق ، اناس كانوا بيننا يوماً ما اشخاصاً عاديين لايعرفون طريقة التجارة ويرتعبون عند الحديث عن الملايين وفجأة نراهم يدخلون سوق التجارة وبقدرة قادر من تجار تجزئة الى تجار جملة يجيدون استخدام الآلة الحاسبة بامتياز، لارصيد لهم سوى الجشع والطمع والاحتكار! تجار كانوا يوماً من الايام «تجار وسط» ثم تحولوا بقدرة قادر الى رجال اعمال بلا منافسين!! يعملون في الظلام حيث نجدهم خاملين وهادئين معظم الايام ، لكنهم سرعان ما يخرجون عن صمتهم مع اشاعات بازمة اقتصادية.. انهم يعيشون على الأزمات ويكبرون من اقوات الشعب! طمعهم هو البوابة السحرية التي ينفذون منها الى الثراء. انهم باختصار «تجار من ورق» يتحولون في الازمات الى ابطال السوق، يساعدهم في ذلك الاندفاع غير المبرر للمواطنين على زيادة الاستهلاك لغرض التخزين. تعود بداية الحكاية الى منتصف العام الجاري، فقبل هذا التاريخ كانت الاسعار مستقرة والاسواق هادئة خاصة اسعار مادتي القمح والدقيق، ورغم ان تلك الاجواء ترافقت مع زيادات سعرية نسبية في الاسعار رافقها نقاشات ولقاءات مستفيضة بين الحكومة والقطاع الخاص الا ان العلاقة بين التاجر «الحلقة الاقوى» والمستهلك «الحلقة الاضعف» ظلت دافئة كغير العادة ليستبشر الجميع خيراً بهذا السلوك الحضاري.. لكن يافرحة ما تمت.. فشهر العسل الذي كنا نتمنى ان يستمر لم يدم طويلاً.. وفجأة ودون مقدمات بدأت حرائق الاسعار في الاشتعال دون «لهب او دخان» بل بهدوء تام حرصاً على عدم ازعاج المواطن الغلبان، حيث قام العديد من التجار والمصنعين والمستوردين على رفع اسعار بعض السلع والتي تركزت معظمها على المواد الغذائية ذات الاستهلاك اليومي من قبل المواطنين ولك ان تتخيل ماذا ستكون هذه السلع! تطور مفاجئ دفع المعنيين في وزارة الصناعة والتجارة الى التواصل مع العديد من التجار والمصنعين محلياً والمستوردين وذلك في محاولة لاطفاء اشتعال نيران الاسعار غير المبررة بحسب المعنيين في الوزارة، في المقابل برر التجار اقدامهم على هذه الخطوة بايراد سببين رئيسيين لاثالث لهما ، تمثل الاول في الارتفاع العالمي لاسعار المواد الخام والسلع الغذائية فيما تمثل العامل الثاني في ارتفاع سعر صرف سيئ السمعة «الدولار»! خطوة احادية الجانب من التجار والمستوردين معززة بشحنة من التبريرات والتعليلات ، وصفها المعنيون في وزارة الصناعة والتجارة -حينها- بانها اعذار واهية وغير منطقية ولا تستند لاي مبرر علمي يؤكدها سوى انها ستعمل على زيادة معاناة الانسان اليمني ولاسيما اصحاب الدخل المحدود . كما اعتبروا هذه الخطوة من جانب التجار خروجاً وانقلاباً على ماتم الاتفاق عليه سابقاً بين الجانبين! وزارة الصناعة انشأت لاكثر من مرة غرف عمليات لمراقبة الاسعار وضبط المخالفات في العديد من المحافظات، الا ان تلك الجهود وصفت من قبل مراقبين واقتصاديين ب«المتواضعة» وغير الفعالة حيث فشلت في ضبط «فلتان السوق». وفي مقابل ذلك وامام هذه الصورة الضبابية والمعتمة لاح وبهدف تخفيف الاحتقان بعض التجار والمستوردين والشركات الى الاعلان للجمهور عبر وسائل الاعلام المختلفة عن ثبات اسعار منتجاتها ، بل ويطالبون الجمهور بالتبليغ عن اي تاجر تجزئة او بائع يبيع سلعاً خلافاً للسعر المعلن عنه. مراوغة .. اعادت الامل لدى الكثير من المستهلكين، الا ان الفرحة كالعادة لم تكتمل حيث اختفى 70% من تلك السلع المعلن عنها من الاسواق والبقالات وفي احسن الاحوال لاتباع الا لمن يدفع السعر المطلوب وصولا الى رفع خيالي للاسعار في الاونة الاخيرة. ساعة الصفر ظلت اسعار السلع الغذائية تتواصل في الصعود يحركها في الغالب -بحسب اقتصاديين- تجار الازمات، ليبقى عود الثقاب بجانب الزيت، وخرج الوضع عن السيطرة وخط مقاييس عالية منذ شهر سبتمبر الماضي وتحديداً قبيل الشهر الكريم ليصبح المواطن هو الحلقة الاضعف في كل ما يدور، حيث زاد من تفجر الوضع الارتفاع العالمي لاسعار القمح والدقيق، حيث قفزت اسعار القمح في البورصة العالمية الى مستويات قياسية فبلغ سعر الطن ارقام تجاوزت 450 دولاراً، وهو تطور عكس نفسه على السوق المحلية ايضاً. فالمتابع للحالة الصحية التي آلت اليها مادتا القمح والدقيق في اليمن ، يجد اسعارها ارتفعت الى مستويات قياسية حيث تجاوز سعر كيس القمح عبوة 50 كجم 5600 ريال.. فيما وصل سعر كيس الدقيق الابيض عبوة 50كجم الى نحو6500 ريال ومع ان تدخل واسع من الحكومة بدعم المؤسسة الاقتصادية لشراء القمح وبيعها بسعر التكلفة للمواطنين الا ان السياسة التنفيذية لهذا القرار زادت من تفاقم الوضع اذ ادى استهتار عدد من موظفي المؤسسة وحتى من السلطات المحلية الى تحول تلك الشحنات الى اداة فساد وبيع وشراء في السوق السوداء. الصورة مقربة أمام هذه الصورة وجد المواطن نفسه ايضاً احد المساهمين بالأزمة وذلك بصورة مباشرة وغير مباشرة، انه حكم اصدره خبراء اقتصاديون مؤكدين ان الاندفاع الكبير والشديد من قبل المواطنين على شراء المواد الغذائية والمبالغة في «النهم» الزائد، ساهم هو الآخر في خلق الازمة ايضاً، حيث قل المعروض وزاد الطلب، اما العامل الآخر للمشكلة، فقد حدده الاقتصاديون بلجوء التجار الى تعمد احتكار واخفاء البضائع بهدف خلق ازمة في السوق واستغلال المناسبة «لاقتناص الفرص» بدافع الطمع والثراء.. بالاضافة الى الارتفاع العالمي في اسعار السلع خاصة مادتي القمح والدقيق ، وكذا هوس المستهلك وفشل اجراءات الرقابة على اسعار السلع من قبل وزارة الصناعة والتجارة. زيادات غير مبررة! الرجل الاول في وزارة الصناعة والتجارة الدكتور يحيى المتوكل محنط عند ان الزيادات السعرية التي شهدتها الاسواق مؤخرا غير مبررة بأي حال من الاحوال. مشيراً الى ان فرض هذه الزيادات مع وجود الكميات مخزنة لدى التجار او تم التعاقد عليها من قبل تعتبر غير منطقية. وبالمقابل فأن مستوردو القمح ومنتجو الدقيق حلقة هامة في هذه المشكلة حيث اكدوا مرارا انه لاعلاقة لهم بالارتفاعات الاخيرة في اسعار القمح والدقيق في السوق المحلية. محملين الحلقات الوسطى من تجار الجملة والتجزئة مسؤولية هذا الارتفاع: وقالوا ان كيس القمح او الدقيق عبوة 50 كجم يباع بسعر يتراوح بين 4500-4700 ريال فقط، مؤكدين ان ما شهدته الاسواق من ارتفاعات غير مبررة، يتحمل مسؤولياتها الحلقات التجارية الوسطى والتزم كبار مستوردي القمح والدقيق بطبع الاسعار على الاكياس التي سيتم تعبئتها. ختاماً لم يعد احد يعرف من المسئول عن قطار الاسعار او من يقدر على ايقافة، ربما لان المواطن سلم امرة لله بعد ما وجد اذان المعنيين في الحكومة من (طين وعجين) ، وربما لان العابثين بأقوات الناس من المستوردين والتجار تحولوا الى مافيا لم تعد أي جهة قادرة على كبح جماحهم ، او انها المصالح الخفية بين المسئولين والاحزاب في السلطة والمعارضة مع التجار والمستوردين وحتى المصنعين في داخل اليمن . واذا بات الامر تعاملا من باب حسن النية يبرز السؤل "اذا كان القمح والدقيق ارتفع عالمين واستسلم الناس لها فلماذا ذلك الغليان في ابسط السلع المصنعة محليا كالزيوت والحليب ومشتقاته وغيرة وغيرة فما يقوم به المصنعون المحليون يتم على الملاء شعبيا وحزبيا وحكوميا"؟