تواصل أنهار الدم العراقي جريانها من غير ان يسكن لها حال يوماً، إلا ان ما تبدل فيها هو انها قبل اشهر كانت تسفك ببنادق المحتل، فيما اليوم اضيفت لها سكاكين الفتنة المذهبية والدينية والاثينية .. ولم يعد المحتل وحده من يذكي ثقافة القتل ، بل عواصم العالم العربي كلها متورطة. في اليمن ومع الأسف الشديد استعرت موجة الخطاب الطائفي بالشأن العراقي ،وبدت الساحة الثقافية منساقة وراء ذات العصبية التي تذكي الصراع المذهبي وتتسبب بإزهاق أرواح آلاف الأبرياء في العراق .. ومن شدة هذه الموجة يخيل للمرء ان هناك من يقف وراءها بكيان منظم ومحترف لفن الترويج! الصحف اليمنية باختلاف ألوانها ومسمياتها لا تكاد تذكر اسماً من الشخصيات العراقية إلا واردفته بين قوسين بمذهبه الديني .. فيما صفحات الرأي تعج بالكتابات ذات الانفاس المشتعلة بحمى الطائفية، ونفث النزعات الانتقامية من هذه الفئة أو تلك .. ولو قادتك قدماك إلى أي مكان عام بدءاً من الباص وانتهاءً بالمقيل فان الخطاب نفسه يتكرر هنا أو هناك وبنفس المصطلحات، والمنطق كما لو ان اجماعاً شعبياً قد تبلور في غضون الشهرين الماضيين! وهنا لن أتساءل عمن يقف وراء اشاعة وترسيخ هذه الثقافة «المتطرفة» لانني اعرف الجواب ولا أحبذ زج القارئ فيها، ولكن اتساءل : أين النخب المثقفة من كل هذا ؟ وأين موقع النخب الواعية من مسئوليات تنوير المجتمع بتفادي الانطباعات المتعصبة المبنية على أحكام مطلقة، وعلى انصاف وأرباع الحقائق وأحياناً كثيرة إشاعات وقصص لا منطق فيها ولا أصل لها ..!؟ أليس من واجب قادة الرأي في اليمن حماية الساحة الثقافية الشعبية ممن يوهمها بمعارك وهمية أو بطولات زائفة، أو أعداء تصنعهم مواقع انترنت وصحف وإذاعات وفضائيات غارقة في التطرف المذهبي، أو تحترف تجارة الأخبار مع من يدفع بالعملة الصعبة! ربما مازال صناع القرار اليمني بعيدين عن الاحساس بوجود موجة تغذية الاحقاد الطائفية فيما يتعلق بالشأن العراقي رغم ان وسائل الإعلام تبرزها بوضوح ولكن أود لفت انتباههم وانتباه كل نخب الوعي ان من يؤجج هذه النزعات انما يستهدف الساحة الداخلية لليمن، وهو يقصد بها غير الجبهة العراقية .. ففي اليمن قوى سياسية لا تشعر بوجودها وثقلها إلا عندما يغيب الاستقرار الداخلي وتضطرم الفتن وتشتد الأزمات وهي في ظل التحولات العظيمة التي تشهدها اليمن اليوم ، والرهان الدولي الذي ترجمه مؤتمر المانحين في لندن على القيادة السياسية اصبحت تشعر انها بلا قيمة في انظار الخارج قبل الداخل لذلك هي حريصة جداً على السعي لتأجيج الفتن أملاً في انفجار الوضع الأمني الذي هو شرط كل استثمارات ورهانات تنموية وقد وجدت في أحداث العراق مناسبة «مأمونة» لنقل الأحقاد المذهبية إلى الساحة اليمنية. إن الدموع التي تذرفها هذه القوى على ضحايا الفتنة المذهبية هي دموع التماسيح التي ابت النزول من العيون على مجزرة قانا وحرب الإبادة الصهيونية التي تشنها اسرائيل على لبنان طوال «33» يوماً من القتل الوحشي والتدمير وتشريد الأهالي من قراهم ومدنهم في جنوبلبنان ولاشك ان هناك من غير اليمنيين من يجد المتعة في اللعب على نفس الأوتار أينما حل من الشارع اليمني. إن موجة الخطاب الطائفي بلغت من الخطورة حداً أن باتت تستغل البوابة العراقية للدخول فيها إلى المدارس وتعبئة رؤوس التلاميذ بأحقادها ونزعاتها .. وليس من مبالغة في هذا لأنني على يقين ان الجميع لديهم تلاميذ في المدارس وبوسعهم التأكد مما يحدث والاستماع بتركيز إلى ما يقال عسى ان تفيق لديه مشاعر الحذر ويبادر إلى كتم هذه الابواق الناعقة بسموم الفتن. أما إذا كان هناك من يؤوّل ما يجري بالعاطفة العروبية والإسلامية المعروفة لدى اليمنيين منذ الأزل فإن ذلك لا يلغي دواعي الحذر مادام المتهمون بأحداث القاعدة وقتل الأجانب ثبت أنهم كانوا ضحايا تعبئة خاطئة فكيف الحال إذا كانت هذه التعبئة موجهة ضد طائفة إسلامية معينة !؟ ألا يكفينا دماء آلاف العراقيين التي تسفكها سكاكين الفتنة لنضيف اليها دماء يمنية من الشباب البريء الذي لا ذنب له غير تصديق مبالغات وأكاذيب وسموم الإعلام والذهاب إلى العراق، وكل اعتقاده أن الجنة تفتح ابوابها لمن يقتل عراقياً من هذا المذهب أو ذاك!!