أكد تقرير للأمم المتحدة ان إجمالي العراقيين الذين «قتلوا» خلال العام 2006م يتجاوز «34» ألف مواطن .. ويقول الرئيس العراقي جلال طلباني ان «70%» من هؤلاء القتلى هم من أبناء المذهب الشيعي. عندما استمعت للتقرير تذكرت بيتاً شعرياً للشاعر العراقي مظفر النواب يقول فيه : «إننا أمة لو جهنم صبت على رأسها .. واقفة» ! فالرقم المعلن لم يهز شعرة في ضمير الإعلام العربي ولم يضع أحد أمامه علامة تعجب أو استفهام ! ولم يدخل قاموس خطابات زعيم سياسي عربي ليتأسى على هذه الأرواح المهدورة ببشاعة في وضح النهار، وفي أوج الزحام وبوسائل لم يشهد لها التاريخ البشري مثيل إطلاقاً. «34» ألف عراقي ذبحوا في عام واحد من غير أن يستحقوا مقالاً في عاصمة عربية إسلامية ترثيهم .. ومن غير ان يستحقوا الوصف من قلم شريف ب«شهداء الإرهاب» .. و من غير ان يستحقوا صورة لجسد طفل أو أم ممزق في ركن من شارع عربي يشهد على الجريمة ويذرف دمعة على المأساة التي آل اليها هذا الشعب العريق! «34» ألف عراقي ذبحوا في عام واحد ومازالت عواصم الأمة العربية والإسلامية تخلد ذكرى «شهداء» الحادي عشر من سبتمبر من الأمريكيين وتنعت من قتلهم بالإرهابيين وتطاردهم عبر الحدود وإلى داخل غرف نومهم ، أو ثكناتهم .. فهؤلاء كلهم إرهابيون ومجرمون ويزعزعون الأمن والاستقرار العالمي وهم أعداء الانسانية لكنهم عندما يشدون الرحال من بلدانهم إلى العراق يتحولون بقدرة قادر إلى «مجاهدين في سبيل الله» و«مقاومين» للاحتلال وأبطال صناديد تقف لهم الأمة إجلالاً وإكراماً وتقرأ الفاتحة على أرواحهم من فوق كل منبر إذا ما قتلوا فهم وحدهم «شهداء والعراقيون «قتلى»! «34» ألف عراقي ذبحوا في عام واحد وهذه إحصائيات الطب العدلي، فيما ضعفهم لم يدخل حسابات أحد،وعواصم الأمة ومنابر الإعلام لم تهتز لهذا الرقم المهول، ولم يغريها الخوض في المأساة، لكن عندما جرى الحديث عن المذاهب نفخت الأمة من مشارقها إلى مغاربها بأبواق الفتنة، ودقت طبول الحرب الطائفية، وأوقدت في كل شارع وكل صحيفة وكل فضائية وإذاعة لتؤجج نيران الحقد والكراهية ونزعات استنزاف الدماء من غير تفكير أو احتساب بأن هذه الدماء عراقية غارقة بعروبتها .. إسلامية تنطق الشهادتين مع كل نفس تلفظه !! كل العراقيين الشرفاء يقفون اليوم متبلدين ومتسائلين : لماذا استرخصت الأمة دماء العراقيين !؟ وكيف تحول المتطرفون إلى «ارهابيين» في بلدانهم و«مجاهدين» في العراق !؟ وكيف انقلبت الأموال التي تذهب إليهم من أموال «تمويل للارهاب» تعقد المؤتمرات وتدرب الفرق لمكافحتها إلى أموال «دعم المقاومة» في الوقت الذي يرى العالم بأسره ان السيارات المفخخة تستهدف العراقيين ويتم تفجيرها وسط الجامعات والأسواق الشعبية وحافلات نقل الموظفين ومؤسسات الأمن الداخلي والمستشفيات ومراكز تجمع العمال الكادحين ممن يستبقوا الفجر إلى الأرصفة سعياً وراء لقمة خبز شريفة لأبنائهم !؟ العراقيون وحدهم من استقبل الشهر الأول من عام 2007م بعمليتين إرهابيتين اهتز لهما عرش الرب في السماء الأولى في الجامعة المستنصرية، سقط جراءها «65» شهيداً وأكثر من «240» جريحاً والثانية حدثت أمس في سوق «حراج» شعبي يرتاده بسطاء الناس من الذين اعتادوا شراء أو بيع الأدوات والملابس المستعملة يعني من الفقراء ذهب ضحيتها «74» شهيداً وأكثر من «150» جريحاً حتى ساعة كتابة هذا المقال ومع هذا لم تهتز الشوارع العربية ومازالت غارقة في الحديث عن حقد «الشيعة» على «السنة» وياليتها أبقت لهم حقاً في العراق، فقد أصبحت تنعتهم ب«الصفويين» منساقة خلف خطاب قوى الاحتلال، وطوابيرها الماسونية والفاشية التي تبذل الغالي والنفيس لتأجيج الفتنة المذهبية في كل شارع عربي إسلامي كما هو شأنهم عبر تاريخ الأمة! لماذا ابيح العراق وهدرت دماء أبنائه تحت مسميات وفتاوى شتى !؟ ولماذا لا يتحدث أحد عن حق العراقيين في الحياة الآمنة ولا يسأل أحد من فجر السيارات المفخخة في الجامعة المستنصرية وفي سوق الحراج بالأمس، وفي غيرها رغم ان رواد هذه الأماكن من جميع المذاهب والاديان والقوميات !؟ لماذا لا ترفع شوارع العالم الإسلامي صورة طفلة في الثالثة من عمرها ذبح الإرهاب جميع أفراد أسرتها !؟ لماذا لا تنشر الصحف صورة أم عراقية ذبح الارهاب جميع أفراد أبنائها وبناتها نكل بهم أمام أعينها وعلق جثثهم على أجذع النخيل بشارع «حيفا» ببغداد!؟ لماذا كل من يقوم بهذه الأعمال الوحشية ما زالوا يسمون «مجاهدين» وضحاياهم «قتلى» وليسوا شهداء !؟. إن كان الشارع العربي الإسلامي لا يكترث لأمر العراق ويضخ الأموال لدعم الإرهاب فليعلم الجميع ان السلوك المتكرر سيتحول إلى ثقافة لا تعرف حدود جغرافية ولا تؤمن بدين أو مذهب وستتنقل بلا جوازات سفر إلى مختلف البلدان وكما يقول إخواننا اليمنيون «بلاء في مصر كفاك الله شره»!