الاحتلال والجماعات (الإسلامية ) المتطرفة وجهان لإرهاب واحد في العراق .. فكلاهما يقتل ، وكلاهما متعدد الجنسيات ، وكلاهما يرتكب جرائمه تحت شعارات نبيلة ، ولكن أيهما كان أبشع وأكثر وحشية من الآخر! ؟ عندما قاتل (المجاهدون ) في أفغانستان إبان الحرب الباردة كانت الولاياتالمتحدة هي من تدفع لهم الفاتورة بالعملة الصعبة ، وتمول كل احتياجاتهم . إذن من يدفع الفاتورة لهم اليوم في العراق ، ويضع بين أيديهم هذه الأموال الطائلة التي كانت كفيلة باستقدامهم إلى العراق من مختلف البلدان العربية والأوروبية والآسيوية والافريقية !؟ ثمة حقائق تؤكد هبوط الوعي الثقافي العربي بشكل عام ، وأن الطبقة الواعية تمثل أصغر حلقات المجتمعات العربية لذلك لم يكن لها أي أثر في توجيه مسار الرأي العام .. فالجماعات التكفيرية سواء في القاعدة أم غيرها ارتكبت جرائم بشعة في بلدانها وضربت مصالح دولها الاقتصادية ، وأضرت كثيراً بسمعة شعوبها والعالم الإسلامي لكنها عندما شدت رحالها إلى العراق افترض العالم العربي بها الفضيلة ، وأسبغ على عناصرها صفة (المجاهدين ) .. ورغم أن الجميع يعلم أنها عناصر دموية ، غارقة في الإجرام رفض الجميع أن يصدق أنها هي من تقتحم البيوت وتذبح كل من فيها بالمناشير الكهربائية المخصصة للمسالخ ! وظل الكل مصراً على تبرئتها من السيارات المفخخة التي تنفجر وسط التجمعات البشرية ، وتحصد أرواح المئات يومياً.. لو راجعنا أوراق سنوات احتلال العراق منذ اليوم الأول وحتى الآن نجد أن الشارع العربي المفتون بشعاراته القومية لم يترجم موقفاً قومياً واحداً إزاء سيول الدماء التي سفكها الإرهاب في العراق .. فلم تشهد العواصم العربية مسيرات أو تظاهرات ، ولم تنظم المهرجانات ، ولم تعلق صورة طفل عراقي واحد ممن فصلت رؤوسهم بمناشير المسالخ وألقيت بأحد براميل القمامة في شارع أو قاعة عربية .. لكن أفلام الضحايا من اللاجئين الفلسطينيين في العراق تداولتها كل العواصم العربية .. فهل ثمة من يستطيع تفسير هذا الموقف !؟ اليوم في كل مجالس العراقيين يدور هذا الحديث ، ويتساءل العراقيون بدهشة : لماذا هان الدم العراقي على أبناء الأمة !؟ولماذا انصهر خطاب القوميين في تيار الفتنة المذهبية ؟ ومن وراء حماية التنظيمات التكفيرية والقاعدة في العراق من خلال صناعة شماعة (الصفوية ) التي بررت لتلك الجماعات الإيغال بقتل العراقيين ، وبرأت ساحتهم من أي عمل دموي وكرمتهم بلقب (المجاهدين ) !؟ قبل بضعة أشهر كتبت مقالاً عن (سقوط بغداد ) وألقيت اللوم على كبار جنرالات النظام السابق التي فرت من مواجهة الاحتلال قبل وصوله بغداد .. فكان أن رد أحدهم في «الجمهورية» بمقال تحت عنوان (أنت لست عراقياً يانزار ) فشتمني فيه وشتم أبي وأمي ، وادعى أن أسرتي قدمت من إيران إلى العراق ، وأنني صفوي ، وطال من عرضي .. فاتصل بي أحد الزملاء غاضباً من الموضوع لكنه وجدني سعيداً به .. فسألني عن سر سعادتي به ، فأخبرته لأنني بهذا الموضوع نجحت في إقناع عشرات الكتاب والمثقفين اليمنيين بوجهة نظري عمن يقف وراء نشر ثقافة التكفير ، وفتاوى القتل في العراق .. وعمن يقف وراء إطلاق مفردة صفوي كضوء أخضر للآخرين لقتل الموصوف به بتهمة العمالة .. معظم الذين أعرفهم تغيرت أفكارهم حول حقيقة مايجري في العراق بعد قراءة ذلك المقال ، ولم يصدقوا أن الرأي محرم لدى قيادات النظام المخلوع ويجازى صاحبه بفتوى العمالة ، وتجريده من جنسيته ، وهدر دمه ودم أسرته والإساءة لعرضه كمافعل ذلك الكاتب الذي رد على مقالي في «الجمهورية» يوم 18 ابريل الماضي . للأسف الشديد ظلت ساحة الرأي العام العربي غير متوازنة إطلاقاً ، فهيأت مظلة للتنظيمات الإرهابية ، ودافعت عنها باستماتة ، وساهمت في تعزيز نفوذها داخل العراق إلى الدرجة التي تعاطفت مع إرهابي ذبح (134) عراقياً بمفرده وتداولت صوره ، وبيانات أنصاره ولم تتعاطف مع أسر الضحايا ، ولم تفكر في أي نوع من البشر هذا الذي يذبح هذا العدد بمنشار مسلخ ..!! خلال الشهرين الماضيين تم سحق أغلب هذه الجماعات الإرهابية ، لذلك لم تعد الفضائيات تتحدث عن الكثير من السيارات المفخخة والجثث المجهولة .. وكان لتعاون حكومات بعض الدول العربية دور في شد الخناق على الإرهاب وأنا واثق كل الثقة أن مقاومة الاحتلال الحقيقية ستنشط ، ولن يصمد المحتل طويلاً ولعل الأرقام المرتفعة هذه الأيام من القتلى الأمريكيين هي بشرى خير ..