انقضى أمس مؤتمر حول العراق، وقبله انقضت مؤتمرات.. وفي كل مرة يتحدث العالم عن أحلام يغفو عليها ليفيق صباح اليوم التالي على دوي انفجارات وعشرات الجثث تملأ الشوارع.. أتدرون لماذا !؟ سيبقى وضع العراق على ماهو عليه إلى أجل غير مسمى مادامت دول جوار العراق تقسم بأغلظ الأيمان داخل قاعة المؤتمر صباحاً على حرمة دماء العراقيين، وفي المساء تفتح حدودها لخفافيش الإرهاب لتقيم أعراسها وسط بغداد.. ومادامت عواصم هذه الدول تزف التهاني عبر صحفها الرسمية لأسرة أحد مواطنيها الذي فجر نفسه داخل مدينة «الحلة» وقتل أكثر من «40» عراقياً، وعندما حاولت عراقية تفجير نفسها في فندق بالعاصمة عمان حكم عليها بالإعدام.. سيبقى الوضع على ماهو عليه مادام العالم كله يصفق للقادة والأمنيين الذين خانوا رئىسهم بعد سنين من الهتاف «بالروح بالدم نفديك ياصدام» وما ان سمعوا صوت الغول الأمريكي يزحف نحو بغداد حتى فروا بجلودهم، وبأموال العراق تاركين رئىسهم وشعبهم وحدهم بوجه ترسانة الاحتلال.. ليصبحوا في كل العواصم التي فروا إليها «ابطال العراق الشرفاء» وليتحول كل مواطن عراقي إلى «خائن وعميل» ! سيبقى وضع العراق على ماهو عليه مادام العالم يلعن كل من كان من مذهب الرجل الذي هتف بحياة «مقتدى » لحظة إعدام صدام، ولايلعن الذي وشى للاحتلال بمخبأ صدام، وسلمه يداً بيد بعد أن كان البيت الأبيض يحلم أن يطاله حتى بعد قرن.. وسيبقى الوضع مادام العالم يتفرغ للانتقام من ايران لتوغلها في العراق ويطلق يد الاحتلال الامريكي لتفعل ماتشاء - وان كانت هي من غزا العراق، وأدخل ايران واسرائىل والقاعدة وجيوش ثلاثين دولة لاتجد من يستنكر وجودها العسكري على أرض الاحتلال لمجرد أنها لاتثير العصبية المذهبية لأحد. سيبقى وضع العراق على ماهو عليه إلى أجل غير مسمى مادمنا بالأمس حشدنا كل اجهزتنا وامكاناتنا وتحالفنا - حتى مع الشيطان - للقضاء على التشدد والتطرف الديني، وردم مستنقعات الارهاب، فيما نحن اليوم نصفق ونهلل ونمجد التنظيمات الدينية المتطرفة، ونتصدر بها عناوين صحفنا، وندعمها بالمال والسلاح لمجرد أنها لاتستهدف امريكا، ولاتمزق أشلاء المئات من جنودها، ولاتختطف أحد جنودها وتقطع رأسه بالسكين أو تعلقه على أعمدة الكهرباء، بل هي تفعل كل هذا بالعراقيين، ونحن نرى كل شيء بأعيننا، ونسمع أرقام الضحايا بآذاننا ومازلنا نرفض التصديق بأن مايحدث في العراق هو ارهاب وليس جهاداً !! أوضاع العراق لن تتبدل قريباً مادام «مشعان الجبوري» الذي دخل العراق على ظهر دبابة امريكية وكافأه الاحتلال بمنصب ثم بعد أن طرد بتهمة فساد صار في أعيننا بطلاً قومياً، وزعيماً للمقاومة لمجرد أنه فتح قناة «الزوراء » بعد طرده من وزارته، وعرض لنا بعض أفلام وثائقية تصور عمليات للمقاومة.. من غير أن يعرف أحد أن هذه الأفلام تباع بأقراص مدمجة على أرصفة جميع المدن العراقية وبينها الكثير من مشاهد فصل رؤوس المختطفين من مختلف الجنسيات باستثناء الامريكية. لا أدري كيف لنا ان نتفاءل بانفراج الوضع في العراق وهذا هو مستوى وعينا، وهذه هي طريقتنا في التفكير والتحليل السياسي.. وحتى عندما ارتفع عدد ضحايا الارهاب إلى أكثر من 800 شخص عراقي في عملية واحدة لم تهتز عواصم العالم، ولم يتحرك ضمير الشارع العربي، ولم تتبدل وجهة نظر أحد حول طبيعة مايجري في العراق، وبقي الشارع يوزع تهمه على العراقيين بين خونة، وصفويين، وارهابيين، وعملاء، وتارة يهدر دماء الشيعة، وتارة أخرى يهدر دماء أهل السنة من غير ان نسمع الأقلام وهي تلقي بلائمة شيء على أولئك الذين كانوا يمسكون بقيادة كل شيء في العراق، ويتوعدون بذبح جنود الغزو على أسوار بغداد، وإذا بهم يفرون، ويخلون الطريق لقوات الغزو لتمر من البصرة إلى بغداد دون ان تصادف جيشاً يعيقها، أو حرساً خاصاً يذبح أحد جنودها على أسوار بغداد فيمنعها من تدنيس القصر الجمهوري.. في الوقت الذي ظلت ناحية أبو الخصيب تقاوم حتى بعد علمها ان اركان النظام وصلت إلى ماخلف الحدود بسلام.. للأسف الشديد ليس هناك من يقبل سماع الحقيقة، أو حتى البحث عنها.. فالكل يصفي حساباته داخل العراق وبدماء العراقيين.. لذلك سيبقى الوضع العراقي على ماهو عليه إلى أجل غير مسمى، وغير قريب.