ستة أعوام انقضت منذ سقوط بغداد بأيدي الاحتلال، من غير أن يسأل أحد: كيف سقطت بغداد؟ وكيف اجتاح الغزاة بلاد الرافدين بطولها وعرضها في غضون أيام أو حتى بضعة أسابيع؟ ولأن أحداً لم يسأل عن ذلك طوال أيام الاحتلال وأعوامه الستة، لذا شاع في كل الأرجاء خطاب الفتنة، وأصبح الشعب العراقي في نظر الناس خائناً، فيما تحوّل الخونة أبطالاً صناديد، تصطف الحكومات لاستقبالهم على بوابات المطارات، رغم أن التاريخ لم يكتب يوماً أن ثمة شعباً خان وطنه، أو خذل قادته، لكنه يروي آلاف القصص عن وزراء، وقادة، وجنرالات خانوا أوطانهم، بل وباعوا شعوبهم مقابل حفنة من الدولارات..! في كل تجارب العالم العسكرية تحتمي الشعوب خلف جيوشها، وتخرج الجيوش إلى الحدود لدرء الخطر عن شعوبها، إلاّ في العراق انسحب الجيش إلى داخل المدن واحتمى وسط المدنيين.. وحين تقدمت دروع الاحتلال باتجاه قلب العاصمة بغداد لم تجد من يطلق عليها رصاصة واحدة.. لذلك بكى القائد المصري سعد الدين الشاذلي أمام كاميرا «الجزيرة» وهو يُعلّق على مشهد الدبابة الأمريكية الأولى التي عبرت أحد جسور بغداد دون أن تخدشها رصاصة واحدة.. وبكى معه ملايين العرب. ستة أعوام مضت على احتلال العراق من غير أن يسأل الشارع العربي: أين توارى قادة العراق العسكريون، والمدنيون الحكوميون، والحزبيون عندما كانت دروع الاحتلال تجتاح بغداد، وتعيث فيها فساداً وعدواناً؟ ولماذا تخلّوا عن الرئيس وأبنائه وأحفاده، وتركوهم وحدهم ينازلون الاحتلال حتى الرمق الأخير؟! لماذا لم ينزفوا قطرة دم واحدة من أجل العراق، أو حتى من أجل قائد العراق. لاشك أن احتلال العراق تم بصفقة سرية مع العديد من صناع القرار، مقابل أن تسلم أرواحهم وأهلوهم، ويسيحون في الأرض أحراراً، فيلعبون دور أعداء الاحتلال، ويذرفون الدمع على شهداء العراق ويرسمون سيناريو الفتنة، وجولات الإرهاب حتى تموت «المقاومة» في مستنقع «القاعدة»، وتُذبح الفلوجة باسم الحرب على الإرهاب، وترتكب مجازر المفخخات وسط الأسواق لكسر إرادة العراقيين في مقارعة الاحتلال. ستة أعوام مضت، والكل يرفض الجهر بأن أمريكا لم تكن قادرة على البقاء في العراق لولا اتفاقها مع إيران، وتقاسم الكعكة في جنح الظلام، وأن العراق أبيح للغزو من قبل كل دول الجوار.. فشوارعنا العربية تغمض عينيها عن كل المحاور الاستراتيجية للعبة الاحتلال، وكل ما تجيده هو الحديث عن «السنة والشيعة»، وما إن يكتب أحدنا رأياً حتى يهاجموه:صفوي على غرار ما ردّ به أحدهم على مقال كتبته قبل عامين.. أما لو اكتشفوا أن صاحب الرأي «سني» قالوا: إنه إرهابي من القاعدة أو من مخابرات صدام..!؟ ستة أعوام ونحن ننتظر من يجهر بلا خوف: بأن مَنْ دخلوا على دبابات الاحتلال عملاء وأن من خذلوا بغداد يوم التاسع من إبريل ولم يقاوموا الاحتلال هم خائنون وعملاء.. فالعراق سيعود لأبنائه الشرفاء ذات يوم.