سقطت المدن الصومالية من أيدي المحاكم الإسلامية بسرعة لا تقل عن السرعة التي دخلوا بها تلك المدن وخاصة مقديشو العاصمة، وكانت المدن والمناطق التي ذكرت الأخبار المختلفة أنها وقعت في أيدي قوات المحاكم دون قتال قد تردت فيها الأوضاع خلال سنوات الحرب الأهلية الست عشرة.. وسمعنا ما يفيد بهذا من بعض الصوماليين الذين تظاهروا ترحيباً بقوات المحاكم الإسلامية، حتى ظننا أن هناك قوة كبيرة عسكرية، أي أسلحة تخفيها المحاكم عن عدسات التلفزيون. وقلنا بأن التهديدات بدخول أديس أبابا لا يأتي من فراغ، وإن ما يسند القوة العسكرية وقفة الصوماليين وراء المحاكم كما قالوا في البداية، وأما قوات الحكومة والأثيوبية فقد استغلت ذلك التهديد في تعبئة الشعب والقوات المسلحة الأثيوبية والحكومة الانتقالية والرأي العام العالمي، وأعلن رئىس وزراء أثيوبيا مليس زيناوي بأنه اضطر لإعلان الحرب على المحاكم الإسلامية دفاعاً عن النفس، وهو متأكد بأن أي دولة عظمى عضو في مجلس الأمن لن تلومه وأن تعلن تأييدها له خاصة أن قادة المحاكم الإسلامية بدوا أكثر من واثقين بأنفسهم ولا يخشون أحداً، ولن تقف أمامهم أية قوة على الأرض. وفعلاً أعلنت الولاياتالمتحدة تأييدها لأثيوبيا والحكومة الانتقالية ومنعت أياً من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من التصويت لمطالبة أثيوبيا بوقف إطلاق النار والانسحاب من الصومال، وأما مطالبة الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية كل القوات الأجنبية دون تحديد فلم يكن لها أي صدى أو اعتبار. وكانت مقديشو على موعد يوم الخميس مع موجة من أعمال السلب والنهب إثر اختفاء عناصر المحاكم الإسلامية وإعلان رئيس المحاكم بأنهم انسحبوا مثلما انسحبوا من المدن والأقاليم التي وقعت تحت سيطرتهم لأيام أو أسابيع قليلة انسحاباً تكتيكياً، وهدد بشن حرب طويلة الأمد حتى تخرج القوات الغازية حسب قوله. والآن دانت الصومال من جديد لقوات الحكومة.. ووجد زعماء الحرب فرصة أخرى لخوض جولات من القتال والكر والفر وتقاسم المناطق بالقوة أو بدونها، وكل فريق يفرض نظاماً ضريبياً وإدارياً لنفسه في المناطق التي استولى عليها، وتكررت عملياً الاستيلاء عليها ثم الخروج منها مثلما تكررت المواقف المؤيدة أو المعارضة لهذا الفريق أو ذاك، كما تفشت ظاهرة القرصنة في البحر المحيط بالصومال، أي المحيط الهندي وتهريب الناس والأسلحة، وأصبح جزء كبير من الصوماليين لاجئين في اليمن وفي الدول الأفريقية المجاورة. وتفيد إحصائية الأممالمتحدة أن نسبة اللاجئين في اليمن هي أعلى منها في كل من أثيوبيا وكينيا وجيبوتي واريتريا، وأن هناك مخاوف من تدفقهم بأعداد كبيرة على اليمن بالذات ليشكّلوا عبئاً اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وصحياً على هذا البلد كما ذكر آخر تقرير من إحدى القنوات الفضائية منسوب إلى جهات دولية متخصصة. ومن المفارقات العجيبة أن من خرجوا من الصومال لم ولن يرغبوا في العودة حتى لو بدا أن السلام والأوضاع قد استقرت لعدم ثقتهم بأن تلك الأوضاع ستدوم، مما يفرض علينا اتخاذ ما يلزم من الاحتياطات لسد المنافذ على المزيد من القادمين إثر الحرب الأخيرة وما ستسفر عنه من نتائج غير محسوبة على المدى المنظور.