الحاجة إلى علماء الأمة الإسلامية أمس من أي وقت مضى، والأمة أحوج إلى علمائها أكثر جداً من أي فترة مضت.. فالأمة قد استهدفت بالفتن والصراعات والمواجهات والاقتتال الطائفي والمذهبي والمناطقي، ونسوا أعداءهم صهاينة وأمريكان.. وهذا ليس بخافٍ على أحد.. فما يجرى في فلسطين بين أبنائها من قتال ومواجهات مسلحة، وما يجرى في الصومال، وما يجرى في دارفور، وما يجرى في العراق، وما يجرى في كثير من البلاد العربية من عمليات عسكرية من قبل جماعات تتسمى بأسماء إسلامية ضد اخوانهم، وأبناء جلدتهم، ووطنهم ليس من الإسلام في شيء.. ولا يخدم الأمة بقدر ما يخدم أعداء الأمة، ويحقق أهدافهم في بلاد الإسلام والمسلمين.. وكل من يحرض المسلم على المسلم أو يحرض المسلم على مواطنيه من المسيحيين، أو من يحرض على قتل معاهد ومسالم فهو باغٍ وعادٍ ومسعر فتنة وحرب تفتك بالأمة، وتغتال أمنها، وتروّع حياتها، وتعبد الطريق وتيسر السبل وتوفر المعاذير لإتيان أعدائها تحت مبرر نشر السلام والأمن والاستقرار ومكافحة التطرف والإرهاب.. وها هو حالنا في بلاد الإسلام لا يسر ولا يُحسد.. إنه حال محزن ومبكٍ.. والأنكأ أن كل ما يحدث من مآسٍ لأمتنا الإسلامية يرتكب باسم الدين.. فكل يعتبر مذهبه وفكره المتعصب والمتطرف هو الإسلام.. وكل يعتبر اجتهاداته هي الإسلام.. فأي إسلام هذا الذي يبيح لمسلم أن يقتل مسلماً أومعاهداً أو مسالماً ومصادقاً وأخاً له في الوطن والعروبة، أو حتى أي نفس كانت..؟! فقتل النفس من المحرمات، وإخافة السبيل، وترويع المسلمين والناس حرابة.. أي حرب على الله ورسوله، ومرتكبها فاسق آثم قضى الله عليه بأشد العقوبات في الدنيا خزياً وتعزيراً، وله في الآخرة عذاب أليم. إن ما تعانيه بلاد المسلمين من مآسٍ لا يدل سوى على غياب العلماء والمفكرين الإسلاميين العقلاء والمتنورين، وتتربع على كرسي الإفتاء والوصاية على الدين مجاميع متعصبة ومتطرفة تفهم الدين كما تريد، ولا ترى الاسلام الصحيح إلا في مذاهبها وأفكارها واجتهاداتها، وما عدا ذلك كفراً وجحوداً وخروجاً يجب مقاتلته وإبادته. نحن اليوم بحاجة إلى رؤية إسلامية موحدة، فالمذاهب ليست الأصل بل الأصل هو الكتاب والسنة، وهما المرجعية الأولى لكل المسلمين، «إن الدين عند الله الإسلام».. وما يفتت ويفرق ويفتن بين المسلمين فليس من الدين.. فالقتل محرم في الإسلام لأي كائن كان.. والفتنة أشد من القتل، لأنها تقتل أمة، أي أن الفتنة أعظم جرماً من القتل.. ولا جهاد في الإسلام إلا ضد معتد آثم، أو محتل غاصب، أو محارب، أو حربي.. وما يجب أن يكون بين المسلمين هو الحوار البناء والهادف وفي ضوء الكتاب والسنة، ولتكن البداية بما هو متفق عليه بين المذاهب ومن ثم التحاور حول ما اختلف فيه.. بحيث أن يغلب ما فيه مصلحة الأمة.. وخاصة فيما هو اجتهاد.. لأن النص لا اجتهاد معه.. إلا في حدود ما يهدف إليه النص.. مع العلم أن الاجتهاد بشري.. ليس كالكتاب والسنة، أي أنه إذا كان صالحاً لزمن ومكان المجتهد فقد لا يصلح لزمن ومكان آخرين. إن الله يقول: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، و«إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون».. هذا في كتاب الله سبحانه وتعالى.. فما خرج عنه في المذاهب فهو خروج على الدين يجب العودة عنه.. وفي العقيدة «درء المضرة قبل جلب المصلحة».. وعليه فأي متمذهب يدعو لفتنة فقد أشعل ناراً ضارة بالمسلمين وبالتالي ضرب مصلحة المسلمين بمقتل.. بدون استرسال.. نحن بحاجة إلى وحدة المسلمين، وهذا مرهون برؤية إسلامية وفكر إسلامي موحد.. وهو معوّل على علماء ومفكري وقادة الأمة.. ما لم فالأمة هالكة غرقاً في خلافاتها.