سنوات الحكم التي أمضتها السيدة «مارغريت تاتشر» في رئاسة وزراء بريطانيا، ثم حجم الإنجازات التي قدمتها للشعب الانجليزي كان كله كفيلاً بأن يتوجها بلقب «المرأة الحديدية» .. ومعظم الانجليز متأكدون من استحقاقها للقب. لكن المرأة الحديدية ما لبثت أن واجهت مأزقاً ووجدت نفسها مضطرة لخوض الحرب مع الأرجنتين، واعتقد معارضوها أنها النهاية التي ستصهر الحديد.. لكن بعد أن خاضت السيدة «تاتشر» حرب « الفوكلاند» التي استمرت «11» يوماً، ثم كسبتها وجدت الشعب البريطاني يتوجها بلقب جديد وهو «المرأة الفولاذية» ! وفي حفل التتويج بهذا اللقب دنت السيدة «تاتشر» من أحد مساعديها وهمست في أذنه قائلة : «كانوا قديماً يقولون إن وراء كل رجل عظيم امرأة .. لكنني أثبت للعالم أن وراء كل امرأة عظيمة رجال من ورق»! لا ندري إن كانت هناك حرب حقيقية بين فحولة الرجال ورقة النساء، ليست على صعيد عالمنا العربي، بل حتى العالم الغربي.. إلا أن من الواضح ان السيدة «تاتشر» كانت تشعر بدخان الحرب في داخلها، وربما تعرضت فعلاً لمواجهة مؤامرات الرجال، لذلك كانت في أقصى درجات الثمالة بلقبها الجديد.. المر الذي يجعلنا نعتقد أن لا مفر للمرأة من الصمود، والصبر حتى تصبح «حديدية» أو حتى «فولاذية»، وحينها فقط من حقها أن تطلق على الرجال الذين وقفوا في طريقها بأنهم «رجال من ورق »! المرأة في كل أنحاء العالم مغلوبة على أمرها، ولا تمثل في كثير من الديمقراطيات المتقدمة أكثر من رقم، ورمز انتخابي.. وإذا ما جنح الشعب الأمريكي لاستبدال السيد «جورج بوش «بالسيدة «هيلاري كلينتون» فلا أظن المعادلة ستتعدى موضوع «التغيير» ليس إلا !! فمن يتابع برنامج «أوبرا» لابد ان يتأكد ان مشاكل المرأة الأمريكية أكثر من مشاكل المرأة العربية أو حتى اليمنية بالتحديد. في اليمن مطلوب منا تمكين المرأة وكثير من الناس يبحثون عن وسائل لذلك، لكنهم في ساعة الجد يصطدمون بكثير من الناس الذين مازالوا يرفضون «المرأة الحديدية» القادرة على البذل والإنجاز، لأن نجاحها يسجل اعترافاً خطيراً بأنهم «رجال من ورق» .. هكذا يحسبون المسألة ومن الصعب إقناعهم بأن ما تضيفه المرأة للمجتمع هو عطاء للجميع وليس لجنس النساء فقط .. ومن الصعب إقناعهم بأن تعليم فتاة وتأهيلها حتى تصبح طبيبة مثلاً يعني أنك تضمن وجود امرأة لتوليد زوجتك في المستشفى، ولعلاج ابنتك في العيادة، ولتعليمها في المدرسة. المشكلة تكمن أحياناً ليس في الاعتراض على عمل المرأة فجميع اليمنيات في الأرياف يعملن لساعات أطول من ساعات عمل الرجل لكن البعض يرى المشكلة في ان تحتل المرأة مكانة، أو بالأصح أن تكون في موضع مساوٍ له !!وهذا هو الموضع الذي يثور عليه «الأنا» الرجولي ويدفعه إلى سلوك محبط إن لم نقل إنه سلوك عدواني لابد ان ندرك ان عظمة الرجال والنساء في ما يقدمونه من عمل وخدمة للإنسانية .. وإذا كان البريطانيون احتفلوا بالسيدة «تاتشر» ولقبوها بالمرأة الحديدية ثم الفولاذية فذلك لأنها قدمت لوطنها الشيء الكثير فباتت تستحق مقابله الكثير ، وهو الأمر الذي يعني أن على النساء ان يقدمن لشعوبهن شيئاً لكي تمكنهن هذه الشعوب من تبوء منازل التشريف الرفيعة .. فليس بالأمنيات وحدها تبنى الأوطان. مناسبة الحكاية كلها هي أننا منذ أن انتهت الانتخابات الرئاسية والمحلية وحتى الساعة وقد خفتت أصوات النساء وضعفت انشطتهن إلى أبعد الحدود ولم يعد الكثير منا يسمع إلا عن بضعة أسماء معروفة للقاصي والداني، فيما توارت الأخريات وسيظهرن قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة ليطالبن بحصصهن من المقاعد!! لطالما اعتبرت نفسي واعتبرني الآخرون من أشد الناس دعماً للمرأة اليمنية ومشاركتها في الحياة المهنية والعامة لكنني اليوم أقول كيف بوسعنا دعم النساء إذا هن غير متواجدات أصلاً في الساحة ü لابد من المرأة أن تتحرر من عقدة العزلة والانطواء والتمني على الله بالأمنيات .. لابد لها أن تثبت وجودها بنفسها، وإلا فإذا بقي الحال على ما هو عليه فإنني أعتقد أن المجتمع لن يعثر على «اليمنية الحديدية» حتى بعد عشرة قرون !