ربما آن الأوان لليمن لكشف الأوراق، وتسمية الأشياء والأحداث بمسمياتها، ومسبباتها فليس كل الأنظمة السياسية تؤمن بالحوار، والدبلوماسية، والشراكة الدولية في صنع السلام.. فلطالما عرف العالم تجار حروب، وفتن، وصناع أزمات لحسابات أنانية مغرورة ..! في الاجتماع الأخير لمجلس الدفاع الوطني الأعلى الذي ترأسه الرئىس علي عبدالله صالح ناقشت القيادة اليمنية إعادة النظر في علاقات اليمن مع بعض الدول التي تحاول التدخل بشئونها الداخلية.. وبحسب معلوماتي أنها المرة الثانية في تاريخ عهد الرئيس علي عبدالله صالح التي تقرر اليمن ردع المتدخلين في شئونها.. فالمرة الأولى كانت عام 1979م حيث قطعت فيها اليمن علاقاتها مع ليبيا إثر تورطها في دعم حركة انقلابية عسكرية في اليمن ! ولعل مثل هذه القرارات لاتقدم عليها اليمن إلا بعد استنفاذ جهود قنواتها الدبلوماسية، وبعد التأكد من ان هناك مساساً بسيادتها الوطنية.. اليوم - وفي ضوء اضطراب الساحة الدولية، وتفاقم التهديدات المتربصة لكل قطر من أقطار أمتنا العربية والإسلامية، لم يعد هناك من مناص لإقدام اليمن على قرار حازم لإيقاف كلاً عند حده - سواء باستخدام قوة الردع الأمني أو الردع الدبلوماسي السياسي.. فليس من الحكمة أبداً ان تبقى قيادة اليمن متفرجة على من يحاول إضرام نيران الفتن داخل البيت الوطني الذي بنته بشق الأنفس، واستغرقت عقوداً من التضحيات في تأمينه وترسيخ استقراره.. للأسف الشديد وجدنا على الساحة الوطنية من يجادل في الأسلوب الذي تعاملت به الدولة مع أحداث صعدة، وقبل ذلك كانوا يجادلون في الأسلوب الذي اتبعته الدولة في التصدي لبعض العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة.. وهنا لابد من التعريج على الاستراتيجية الأمنية المتبعة في اليمن، فقناع المجادلين بالحقيقة من وحي التجارب التاريخية.. ففي أوائل التسعينيات استغرقت اليمن في حواراتها مع قيادة الاشتراكي أكثر من عام، وشاركت اطراف عربية في دعم الحوار مثل سلطنة عمان، ثم المملكة الأردنية - لكن عندما نقض الطرف الآخر مواثيق الحوارات، ولجأ إلى السلاح لم يعد من خيار بديل للمواجهة المسلحة أمام صنعاء.. لكن عندما احتلت ارتيريا جزر ارخبيل حنيش كان الحوار مجدياً واللجوء إلى محكمة العدل الدولية مخرجاً رغم أن الأغلبية اليمنية الساحقة كانت تفضل استرجاع الجزر بالقوة، إلا أن حكمة القيادة السياسية غلبت عواطف الآخرين وانفعالاتهم وحقنت دماء أبناء البلدين. وعندما اختارت اليمن الانضمام إلى المعسكر الدولي لمكافحة الإرهاب عقب أحداث سبتمبر، انفردت اليمن باستراتيجيتها الأمنية المرتكزة على مبدأ «الحوار أولاً».. ففتحت قنوات الحوار والتوبة أمام المتورطين - خلافاً للأساليب التي اتبعتها الولاياتالمتحدة القائدة للحلف الدولي التي تعتمد القوة أولاً.. فكان أن تراجع الكثير من اليمنيين المتورطين في نهجهم المتطرف وتحولوا إلى مواطنين اسوياء قد يكون لهم الدور في مسيرة البناء الوطني.. أما الذين رفضوا الحوار وواصلوا حمل أسلحتهم بوجه الدولة مستهدفين الأمن الوطني والسلم الاجتماعي، فإنهم وضعوا الدولة أمام خيار واحد وهو قبول التحدي، وردع السلاح بالسلاح. أعتقد أن الجميع يتذكر بداية انفجار الأحداث في صعدة على يد حسين الحوثي، ويتذكر كم استغرق الحوار، الذي شاركت فيه لجان من العلماء والأحزاب الوطنية والوجاهات السياسية والاجتماعية.. لكن بعد إصرار الطرف الآخر على موقفه كان خيار الحرب هو الحاسم، مثلما هو خيار اليوم مع جماعات عبدالملك الحوثي. مايجب أن نفهمه جميعاً هو أن الواجب الدستوري المناط بسلطة الدولة يوجب عليها حماية أمن المواطن والوطن، ومتى ماتقاعست السلطة عن القيام بمسئولياتها فإنها تصبح مدانة دستورياً، ومن حق مختلف القوى مساءلتها عن سبب تهاونها مع من اعتدوا على أفراد القوات المسلحة وأزهقوا أرواح بعضهم، أو اعتدوا على المدنيين، أو قطعوا طريقاً، وأقلقوا سكينة عامة.. ومثلما هي مسئولية الدولة تجاه الأطراف الداخلية الخارجة على القانون تقع عليها المسئولية نفسها تجاه الأطراف الخارجية المسئولة عن دعم مثل هؤلاء المتمردين، أو تحريضهم، أو تمويلهم، أو حتى حماية وجودهم لديها.. فمثل هذا مسئولية تفرضها الثوابت الوطنية اليمنية المعلنة التي دأبت على ربط العلاقات الخارجية على أساس قيمها السياسية والأخلاقية.. في هذا الظرف الحساس والخطير فإن نعم القرار مااتخذه مجلس الدفاع الوطني الأعلى.. وعلى اليمن أن لاتتهاون مع كل من يتآمر على سيادتها وأمنها الوطني - حتى لو كان هذا الطرف من أكثر الداعمين سخاء للتنمية اليمنية.. فما يحدث هو حقد تاريخي على اليمن، لم يعد اصحابه يحتملون ان يروا اليمن وقد تبوأت مركزاً اقليمياً ودولياً هاماً، وتراهن اليوم على خطوة كبرى على مسار التحولات التنموية الوطنية.. فاستهداف اليمن هو ثمن النجاح الذي حققته.. فقد علمنا التاريخ أن «الشجر المثمر وحده الذي يرمى بالحجر».