من لحن القول ، الحاجة أم الاختراع .. ابتدع كثير من الناس طرقاً جديدة لطرق أبواب القلوب واستعطاف النفوس للحصول على الفلسات التي تصبح فيما بعد رزماً من الأوراق النقدية من الفئة الكبيرة ، ألف ،أو خمسمائة. وإذا صادف أن جلست بباب إحدى المحلات في وقت قدوم متسوّل أو أكثر يرمي بكيس بلاستيكي فيه كمية من العملة المعدنية ويقول لصاحب المحل هذا مبلغ كذا ، فقد يعطيه ما يقابله من فئة الألف أو الخمسمائة ريال .. أو يقول له : والله اليوم قد سبقك فلان مع السلامة. فلم يعد خافياً أن هناك من يدعي أمراضاً كالجروح التي تبدو متقيحة أو آلام في العمود الفقري ويرقد على ظهره في رصيف الشارع تلامسه أقدام المارة أو عجلات المركبات ، بعضهم يصيح ويبكي وبعضهم يجلس القرفصاء شابكاً يديه على وجهه ومنكساً رأسه..وواحدة تراها اليوم في إحدى الشوارع وغداً في شارع آخر مقوّسة ظهرها ومطأطئة رأسها إلى الأرض وأمامها ورقة وضعت في أطرافها أحجاراً صغيرة لكي لاتأخذها الرياح وتحرك يديها كمن به شلل رعاشي .. أحياناً تبكي طوال الوقت وهذا كان في بداية دخولها سوق المتسولين المربح ، ثم ما لبثت أن اتبعت طريقة السكوت ومحتفظة بحركة اليدين المرتعشة. وبعضهم وبعضهن يطرقون أبواب المنازل لطلب قيمة العلاج لهم أو لأبنائهم أو زوجاتهم وهن كذلك ويحملون عدة أوراق وصور يقولون : إنها تقارير طبية ، وبمجرد إعطائهم عشرة أو عشرين ريالاً يقولون : هذا لا يكفي ، فيرجعون من حيث أتوا غاضبين وناقمين .. ويجلسون أمام الباب مع استمرار الطرق والصياح. ولعل القارئ لم ينس ما التقطته عدسة الصحيفة قبل أيام لطفلة ظهرت في اللقطة الأولى كسيحة مخفية رجليها في ثوبها ومتشبثة بثياب أحد المارة ، واللقطة الثانية وهي واقفة على قدميها وتكاد تمسك بتلابيب شخص آخر ولم تتركه حتى أعطاها نقوداً. كما أن صورة ذلك الشخص الذي كان يجلس فوق جزيرة شارع التحرير بتعز فوق ورق الكرتون محاطاً بأولاده وبناته على مدار اليوم إلى أن خطف أحد المجرمين إحدى بناته وذهب بها إلى مكان ما .. وكنت أحد الذين سمعوا شهادتها وهي تصف لمسئولي البحث الجنائي بتعز كيف استدرجها عندما ذهب والدها للصلاة كما قالت..وتبين أن الرجل يملك أطيانا ً في إحدى مديريات المحافظة وبيوتاً وبعد تلك الحادثة منع من البقاء هناك فتحول إلى شارع جمال لفترة من الوقت إلى أن اختفى نهائياً والله أعلم إن كان قد مات أو أنه تعرض للضغوط لترك هذه الحرفة البغيظة. لكن ما رأيكم في المتسوّلين من الموظفين لاسيما في الجهات التي حظيت قياداتها وأعضاؤها وموظفوها برواتب مجزية ، وما برحوا يجاهرون بتسوّلهم الإكراهي لابتزاز أصحاب القضايا.؟. والمعاملات؟..