إسرائيل هي الدولة الوحيدة العنصرية التي من حقها ممارسة العنف وكذا التشجيع عليه بشكل علني، ومن حقها أيضاً أن تضع مناهج تنضح بالعنصرية وتشجع على الإرهاب وقتل الآخرين ومع ذلك لا أحد يتهمها بالإرهاب ولا أحد يجرؤ على قول: إن مناهجكم كلها عنصرية وإنكم تحثون على العنف والقتل. هذه الأقوال ليست أنموذج إدعاءات عربية ضد إسرائيل إنما هي خلاصة مايمكن أن تنتهي إليها دراسة جديدة مميزة للباحث الإسرائيلي د/ايلي فودا تنبع أهميتها أنها صادرة من الجامعة العبرية في القدسالمحتلة، وتقول الدراسة التي شملت ستين كتاباً على امتداد أربعين عاماً: إن كتب التدريس المعتمدة في المدارس اليهودية لعبت دوراً مركزياً في تصعيد الصراع العربي الإسرائيلي في الماضي ولازالت تشكل عاملاً يحول دون التراضي والسلام بين الشعبين ،بل هي نوع من الكراهية والعنف في نفوس الإسرائيليين من خلال هذه المناهج التي طبّعت الإسرائيليين على ذلك. الدراسة تتضمن تحليلاً دقيقاً موثقاً للكتب التعليمية الإسرائيلية على مدى أربعين عاماً وتشمل ستين كتاباً وتضيف الدراسة أن كتب التعليم الإسرائيلية قادت إلى تكوين فكرة مسبقة لصورة العربي في ظل حالة الاغتراب وتطور الصراع بين الشعبين وأوصاف غشاش ومتخلف ولص هي جزء من صفات الصقت بالشخصية العربية في هذه المناهج ومناهج التدريس الإسرائيلية تمحورت فقط حول تاريخ أرض إسرائيل والشعب اليهودي والصراع العربي اليهودي من منظور محدد حيث تستعمل مصطلحات القاموس السياسي الصهيوني .. وقد وضعت هذه المناهج على يد مؤلفين إما أنهم امتداد للصهاينة الحاقدين الكارهين لكل ماهو مسلم وكل ماهو عربي وإما أنهم لايفهمون شيئاً عن العرب والمسلمين ..لذلك تضمنت كتب التاريخ حقائق مشوهة ومزورة في أكثر الأحيان، ليست نتيجة السياسات العليا فقط بل نتيجة الجهل والخبث والنتيجة واحدة تشويه في تشويه. وتذكر الدراسة قصة الاستيطان بمنطقة «ملبس» وإنشاء مستوطنة «بتاح نكفا» الإسرائيلية فتقول في كتاب رحلة مع المستوطنات الأولى للصفوف الدنيا جاء الوصف التالي عن اللقاء الأول مع العرب الفلسطينيين في قرية عربية مجاورة كان الناس نحيفين وجوههم صفراء والذباب يتنزه عليها دون أن يحاولوا طرده.. وكثير منهم كانوا عمياناً يمشون وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض يتحسسون طريقهم بالظلمة، أما الأولاد فساروا حفاة وعيونهم مريضة وبطونهم منفوخة وآثار لسعات الحشرات بادية على أجسادهم وتتكرر الأوصاف التي تؤدى لنشوء الأفكار المسبقة عن العرب في عشرات الكتب ويقول مؤلف الدراسة إنها جاءت من أجل تثبيت مقولة: «فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا وطن» بينما تظهر الدراسة كيف أن العربي ظهر في هذه الكتب طوال فترة الصراع حتى عام 1948م على أنه إنسان ظالم ومعتدٍ وأن اليهود ظلوا ضحية ذلك كما تسمي الأحداث والتطورات حسب القاموس السياسي الصهيوني ثورة 1936م الفلسطينية عبارة عن أحداث وحرب عصابات وكارثة 1948م غير موجودة ويتم التركيز كثيراً على اسطورة انتصار الأقلية على الأغلبية وكيف نجحت إسرائيل الصغيرة في هزيمة العرب كتكرار للأسطورة اليهودية التي مازالت تعشعش في أذهانهم ..وجاء في الدراسة: ولدت في إسرائيل صناعة تربوية كاملة هدفها العمل من أجل الفصل بين تاريخ ممنوع وتاريخ مسموح في سياق بناء المسيرة الذاتية للإسرائيليين ولاتزود الكتب التعليمية العبرية الطالب بالحقيقة العلمية ولاتقدم له التاريخ المسموح أو الحقائق الميثولوجية بل تقدم له تاريخاً مشوهاً مكذوباً مزوراً لايمت للواقع بأي صلة. وتضيف دراسة الباحث الإسرائيلي د/ايلي فودا: استعملت كتب التاريخ التعليمية أساطير ورموزاً أخذت من مخازن الذاكرة الجماعية للمجتمع وساعدت بذلك في ايجاد صورة للماضي وتدوينها بناء على احتياجات الحاضر حيث تشمل تصورات خيالية للواقع والتاريخ وتعتبر الدراسة ماورد بأحد مستويات وزارة المعارف الإسرائيلية عام 1985م أن الهدف الأعلى من تعليم التاريخ هو غرس وتنمية مشاعر التضامن مع الشعب والبلاد والدولة ونتيجة لذلك تقول الدراسة: ولدت النظرة للعرب من خلال الأفكار المسبقة فظهر العربي بصورة سلبية دائماً مقابل شخصية الإسرائيلي الايجابية وتم نزع الشرعية والانسانية عما هو عربي وأضافت إلى أن كتب التدريس لاتزال تلعب دور الوكيل لهذه الذاكرة ضمن مسيرة بناء الإسرائيليين وتم ظهور وكلاء جدد للذاكرة الجماعية مثل وسائل الإعلام والأدب والسينما التي تزخر هي الأخرى بتشويه آخر جديد وبعبارات أكثر إسفافاً.. وتكشف الدراسة التي تعتمد أبحاثاً مماثلة من العالم وتراجع بروتوكولات وزارة المعارف الإسرائيلية كيف قامت إسرائيل باستعمال كتب التاريخ والأخرى المتعلقة بالمواطنة وغيرها كأداة مركزية من أجل بلورة رواية تاريخية في الذاكرة الجماعية لليهود فيما يتعلق بالصراع والعرب وعموم المسلمين أيضاً. وتوضح الدراسة أن قضية اللاجئين الفلسطينيين وردت في الكتب التعليمية بشكل سريع جداً وبسبب هروب السكان الفلسطنيين وأوامر الدول العربية لهم بإخلاء فلسطين وعلى هذا الأساس لم تكن مذبحة دير ياسين ضمن خطة مبيتة وأن الضحايا سقطوا في خضم المواجهة المسلحة وبعد تحذير أهل القرية أيضاً أنهم كانوا ضحية صدام عادي وأن خطط الحركة الصهيونية لتهجير وتدمير قرى فلسطينية لم ترد في كتب التدريس أو تمت الاشارة إليها بعد شطب أجزاء منها بينما تأكيد اللاءات العربية الثلاث في مؤتمر الخرطوم وتم تغييب قرار «242» نهائياً وخلصت الدراسة إلى القول: حتى وان ظهرت المسألة خيالاً فمن الجدير التقاء بين إسرائيليين وعرب ويقصد الفلسطينيين لأن المصطلح اليهودي الصهيوني يطلق عليهم «عرب إسرائيل» بدلاً من الفلسطينيين بهدف صياغة كتب تعليم مشتركة تمزج بين الرواية الوطنية الصهيونية والرواية المضادة العربية الفلسطينية.. هناك سؤال غائب في هذه الدراسة لم يتطرق إليها الباحث الإسرائيلي د/ايلي فواد وهو لماذا لم يغير الكيان الصهيوني مناهجه التعليمية الباعثة على الشذوذ والتطرف والعنف والحرب والارهاب والعنصرية على الرغم من مرور سنوات طويلة من السلام مع مصر اتفاقية كامب ديفيد وسنوات الاتفاق الهش مع الفلسطينيين ومعاهدة أخرى مع الأردن والعلاقات مع موريتانيا ودول أخرى بل وصل الأمر في البعض منها إلى تبادل السفراء وملحقات..ولماذا في كل مرة تطلب من الدول العربية تعديل مناهجها التعليمية وتشن حملة عليها باعتبارها معادية للسامية وتتجاهل نفسها ومناهجها..قد يبدو السؤال سياسياً وفوق احتمال دراسته الأكاديمية منوهاً في دراسة إلى الدعوة إلى لقاء مشترك لصياغة كتب تعليم مشتركة وهي عملية سياسية بالأساس ومن المهم جداً مواجهة الواقع الإسرائيلي بالسؤال: هل يسعى ممثلو إسرائيل للسلام وهل هم مستعدون لذلك فعلاً وبجدية..وكيف يمكننا تصديق ذلك وهذه مناهجهم، وهذا مايخططون له ومايعملون على ترسيخه في أذهان الناشئة منذ ستين سنة وحتى اليوم ورمي قرارات الأممالمتحدة عرض الحائط وتجاهل الحقوق الشرعية للفلسطينيين اضافة إلى تجاهل كل القرارات المتخذة في اللقاءات والرفض التام الاعتراف بحقوق الفلسطينيين واللاجئين وهي أساس السلام ثم أين الغرب وبالذات الولاياتالمتحدةالأمريكية التي جعلت من مشروعها المعروف الشرق الأوسط الكبير تغيير المناهج العربية والدينية الإسلامية والتربوية للحفاظ على أمن إسرائيل.. وأين الغرب الذي يشن هجوماً عنيفاً على الدول الإسلامية والعربية ويصفها بأنها تدعو إلى العنف والارهاب وبين مايمارسه الكيان الصهيوني من حرب إبادة جماعية للشعب الفلسطيني والتدمير والتخريب للمقدسات الإسلامية وبالذات المسجد الأقصى..اضافة إلى أساليب المراوغة والمماطلة التي تمارسها إسرائيل..ولكن فقرار الوحدة بين منظمتي فتح وحماس وتشكيل حكومة موحدة هي الرسالة الموجه لإسرائيل «فما ضاع حق وراءه مطالب» ومسيرة الدفاع الفلسطيني متواصلة حتى النصر وتحرير الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.