الاقتصاد والسياسة الاقتصادية هما اللذان يقرران مستوى حياة الإنسان «فرداً وأسرة، ومجتمعاً» فحسب الرؤية الاقتصادية للإنسان تكون حياته.. فسلامة وصوابية الرؤية الاقتصادية تؤدي إلى الاستقرار الحياتي ثم التطور والنهوض، وصولاً إلى الرخاء والرفاهية، طبعاً بعد تحقيق الإشباع للضروريات .. والعكس بالعكس صحيح.. إذا كانت الرؤية الاقتصادية مختلة، معتلة، خاطئة، فيصعب معها تحقيق الاستقرار الحياتي، وكذا التأسيس لحياة أكثر تطوراً وتقدماً.. بل إن الذي يحدث هو العكس.. اختلال الأحوال الحياتية وطغيان الفوضى بدلآً من الاستقرار، وغالباً ما يتبع ذلك تراجع وسوء في الأوضاع الحياتية للإنسان. فالاقتصاد اليوم يجب أن يعرفه كل فرد، لأن الفرد يحتاج ذلك كفرد، ويحتاجه كرب أسرة وعضو فيها، ويحتاجه كمسؤول، وحكومة، ودولة.. وتعريف الاقتصاد باختصار دون الخوض في التعاريف المتعددة لفلاسفة ومفكري الاقتصاد، هو «علم الندرة».. أي الذي يدرس الندرة، ويعمل على معالجة وإشباع حاجة الإنسان.. أي أنه العلم الذي يبحث في الكيفية التي يشبع بها حاجات الإنسان المتزايدة المتصاعدة المتطورة باستغلال الموارد والإمكانات المتوافرة، والتي غالباً ما تكون محدودة، وفيها نقص عن حاجة الإنسان «أي نادرة».. وحتى البحث أيضاً في حل مشاكل الإنسان الحياتية في حالة الوفرة دون تبذير أو تقتير، وإنما من خلال استغلال واستثمار رشيد للموارد الوافرة.. فالوفرة اليوم قد تصبح ندرة أو عدم ندرة غداً.. وهنا لابد ما أشير إلى الرؤية الإسلامية الرشيدة.. فالله سبحانه وتعالى يوصي عباده بالأكل والشرب دون إسراف أو تقتير.. والرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه نهى عن الإسراف في استخدام الماء حتى لو كنا على نهرٍ جارٍ.. رغم أن المياه أوفر المواد على وجه الأرض ومع ذلك نُهي المسلمون عن الإسراف فيه.. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع».. أي لا نأكل دون حاجة للأكل، وإن كانت الحاجة إلى الأكل فلنأكل لكن في حدود الحاجة.. أي دون الشبع، والمقصود بالشبع التخمة التي تعطل أجهزة الجسم وتصيبه بالفتور والخمول. وحين نقول «الاقتصاد».. نعني أيضاً القدرة على إدارة مواردنا المحدودة والنادرة بكفاءة لتحقيق أهدافنا وحاجاتنا.. والموارد قد تكون أموالاً، وقد تكون مواد وأشياء مادية، وقد تكون أيضاً بشرية، مع العلم أن الوقت أيضاً يدخل ضمن الموارد.. فما أحققه خلال عشرة أيام سيكون من الأفضل اقتصادياً لو حققته خلال خمسة أو ستة أيام أو حتى سبعة أيام.. لأن في ذلك وفر في الجهد والمال والوقت.. وعليه فالاقتصاديون يؤكدون أن النجاح والاقتصاد الواعي هو الذي يقوم على التخطيط.. والتخطيط يحتاج إلى بيانات ومعلومات وأرقام عن مواردنا وإمكاناتنا البشرية واحتياجاتنا، والتي تعتبر قواعد أساسية في وضع الخطط.. وقبل التخطيط يجب أن تصنف الحاجات إلى حاجة عادية وحاجة ثانوية، وحاجة مهمة وحاجة أهم، ونضع الأولوية في التخطيط للأهم، علماً بأن التخطيط يعني التنفيذ الزمني للأهداف.. أي أن الاقتصاد ليس عملاً عشوائياً يقوم على التخمين والاتكالية التي تقول: «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». في الختام ومما سبق.. الاقتصاد هو البحث في الندرة، وإشباع الحاجات الإنسانية، والطريق إلى ذلك يمر عبر البحث والدراسة والإدارة والتخطيط والحسابات الدقيقة.. وهو سمة العصر للأفراد والأسر والجماعات والدول.. وبدونه تصعب الحياة.