من أغبى النظريات التي مرت على البشرية نظرية ((الندرة )) نظرية اقتصادية حمقاء تقوم على الندرة النسبية للسلع والخدمات، والتي تنص على كثرة الحاجات وقلة وسائل إشباعها، أي عدم كفاية السلع والخدمات الموجودة في هذا الكون لإشباع حاجات الإنسان المتجددة والمتزايدة إشباعاً كلياً. فالمشكلة إذن هي الحاجات والموارد وليس الإنسان، أي هي توفير الموارد لإشباع الحاجات، وليس إشباع حاجات كل فرد من الأفراد، ففيها خلط بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، فكانت الدراسات الاقتصادية تدور حول العمل على زيادة ما يستهلكه مجموع الناس من السلع والخدمات. أضف إلى ذلك أنهم عرّفوا الحاجة بأنها الرغبة، فكل ما ترغب فيه فأنت تحتاجه، وكانت الطامة الكبرى أن آمنت شعوبنا وحكامنا بهذه النظرية ، فاندلعت الحروب لإرواء الحاجات وحتى يكتفي الغني الذي لن يكتفي ويموت الضعيف الذي لا يستحق في نظرهم ، بل ويزداد الفقر بطشاً بتلك الأمم والشعوب ، وهكذا تدور رحى الندرة ، فالأعداد في تزايد والإمكانات و الموارد في تناقص ، وكأنهم هم يقسمون رحمة ربك ، صلوا على رسول الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وهنا تظهر عقلية الفقير وعقلية الغني ، فالعقل الذي يرى أن ما لديه لن يكفيه ولن يغطي حاجاته تراه يهرول ، ويجري ولن يشبعه إلا حثواً على وجهه التراب ، أما عقلية الغني فهو يرى دائماً أن لديه حاجته ولذا فهو يقدم للآخر ما يزيد عنه ، إنه العفو ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : (( اليد العليا خير من اليد السفلى )) وكما قال تعالى (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )).. وبأننا لن نبتعد كثيراً نرى هذا واقعاً ملموساً في حياتنا ، المسئول يقول (( الموارد قليلة و الشعب كثير .. كم نكفي لنكفي !! )) الله المستعان .. هذا كلام يقال ... أما قرأ (( وفي السماء رزقكم)) يا أخوتي اليابان ذات المائة والثلاثين مليون نسمة في جزر لا يصلح للحياة فيها إلا أقل من 25% من هذه الجزر ، ولا تمتلك أية موارد طبيعية ، يحيا شعبها في أرقى درجات المعيشة المعاصرة ... إنها عقلية الغني .. اليد العليا . ونحن شعب لا نزيد عن الثلاثين مليون نسمة ، تمتد ثرواتنا في البر والبحر ، الملايين منا يركضون لتسجيل أنفسهم وأسرهم في الجمعيات الخيرية ، وفي أكثر من جمعية ليضمنوا الحصول على المعونات من هنا وهناك وهم في خير ، والمحتاج الحقيقي لا يصله شيء ، هذه عقلية الفقر .. اليد السفلى . حسبي الله ونعم الوكيل . حقوق الواجبات والزكاة والوقف منهوبة بيد القائمين عليها ، باسم الوصاية أو الحاجة أو سمها ما تسمها ، أكل للسحت باسم الحق العام ... يد سفلى ذليلة .. بهذه العقلية لن نرى أي تقدم ولا نهضة .. بل سنظل يداً سفلى إلى أن نؤمن ونقتنع بكامل حواسنا بقانون رباني فريد واضح (( الوفرة )) ،نعم إنها الوفرة التي تقول أن موارد الكون كافية لكل الناس ، كافية لأي عدد منهم ، إذن الخطأ في النظام الاقتصادي وليس في فهمنا للاقتصاد . هذه الوفرة تفترض أن تقتنع بما لديك لأنك تمتلك أفضل من غيرك وتسعى للأفضل لأن غيرك بحاجتك ، بمعنى أنك عوناً للآخرين ، فمن خلالك يحصلون على دعمهم ومن دعمك لهم يدعمون هم من هم أدنى منك , وهنا يبرز قانون التدافع الذي سبق الحديث عنه بصورة قوية وتبرز من الوفرة أهمية العطاء .. أهمية الصدقة . نعم الصدقة سر الصدقة وعمل الخير ، أن تفتعل الخير لذات العمل دون انتظار أجر أحد من الناس ، ولا تنتظر الشكر على ما تقدمه ، هذا التصرف وحده يجلب السعادة ، سوف تراها وتشعر بها تملأ كل حياتك تلك سنة الصدقة. وفي رواية الترمذي : عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم ))ثَلاَثٌ أُقسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثكُمْ حَدِيثاً فاحْفَظُوهُ. قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ الله عِزًّا.. ولا يفتح عبد باب مسألة إلاّ فتح الله له باب فقر..)) الحديث. واضحة جلية ... ما نقص مال من صدقة .. لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.. واضحة جلية .. من فتح باب المسألة .. إلا فتح عليه باب الفقر فلا أشبعه الله .. بل وأذله الله .. فانظروا لحالنا .. ولباس الحال هو .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وليحذر الناس من ضياع الصدقة والعطاء .... وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما : ((خمس خصال إن أدركتكم وأعوذ بالله أن تدرككم: 1- ما عمل قوم بالفاحشة فظهرت فيهم واستعلت إلا ابتلاهم الله بالطاعون، 2- ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالسنين وشدة المئونة وجور الأئمة، 3- وما منع قوم صدقة أموالهم إلا منعهم الله المطر حتى لولا البهائم لم يسقوا المطر، 4- وما نقض قوم عهد الله، وعهد رسوله إلا بعث الله عليهم عدوا من غيرهم يأخذون بعض ما كان في أيديهم، 5- وما من قوم لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» . وهذا العطاء المميز والفريد لا نراه في واقعنا كمسلمين وإنما في غير المسلمين ، فهذا قانون كوني فريد من نعوه ... الوفرة ... انظروا ( بل جيتس ) ... أغنى أغنياء العالم تبلغ نفقاته وعطاياه السنوية المليار دولار لصالح جمعيات متنوعة منه جمعيته لدعم الأطفال الأيتام ومرضى السرطان ... انظروا السيد الحريري ... تبنى وأنفق على قرابة الثلاثة والثلاثين ألف طالب لبناني من مختلف الأديان والمذاهب اللبنانية من المرحلة الثانوية وحتى المراحل الجامعية المتقدمة ، ليصل أنفاقه على البعض منهم إلى أكثر من مئة ألف دولار ... هؤلاء هم أبناؤه الذين يذكرونه بعد موته ويدعون له .. أنظر إلى السيد هايل سعيد .. الذي ما بخل على أهل قريته ومدينته ثم كل شعبه ، ليصبح هو ومؤسسته أكبر مؤسسة تجارية ومالية واقتصادية في اليمن . انظر إلى السيد عبد الله عقيل مسلم الذي كانت صدقاته اليومية عشرات الآلف من الريالات تذهب في رضا الله وطاعته.. هؤلاء هم الأيادي العليا ... فانظروا أين أنتم.. أزيدكم .. لو قرر كل فرد منا أن يجعل 10% من دخله الشهري ينوي به أن يوجهه في الصدقة ولوجه الله ... انظر كيف ستتغير حياتك ... جربها .. لن تندم ... إنه سر قانون الوفرة ...أحد قواعد النهضة .. دمتم بخير ولنا لقاء .