(4-1) تعتبر الشخصية الايجابية القادرة على تحقيق أهدافها والتأثير في الآخرين مطلباً ملحاً وهدفاً سامياً لكل من يسعى إلى النجاح والتميز ..وقد تحدثنا في حلقات سابقة عن هذه الشخصية بشيء من التفصيل, وتعرفنا على مواصفات هذه الشخصية ومقوماتها وارتباطها بالتفكير الايجابي وضرورة التخلص من القناعات والأفكار السلبية.. وفي هذه الحلقة نتناول التطبيق الأول من التطبيقات العملية التي تساعد على أن يصبح الإنسان ايجابياً وهذه التطبيقات ذكرها الدكتور صلاح الراشد في برنامجه الرائع والمتميز التفكير الايجابي وهو المرجع الرئيسي لهذه المادة. وسوف نستكمل بقية التطبيقات في حلقات قادمة. الإيمان بمبدأ الوفرة التطبيق الأول: ألإيمان بمبدأ الوفرة وهذا المبدأ يعني الكثرة والغنى, و ينص على أن العالم مليء بالثروات والعطايا الروحية والنفسية والمادية. وينص أيضاً على أن الذي يعطي سوف يتلقى بالمقابل. إن قانون الوفرة يقول أن هناك أموال كافية لكل شخص يعرف كيفية الحصول عليها و الاحتفاظ بها و نحن نعيش في عالم وفير يوجد به ما يكفي من المال لجميع من يريدوا ذلك و مستعدون لتسخير هذه الوفرة لهم . وقانون الوفرة يقوم أساساً على فكرة العطاء المستمر والعمل بعقلية الغني والتخلص من عقلية الفقير.. يقول نورمان فينسنت بيل في كتابه (النتائج العجيبة في التفكير الايجابي ) ..لكي تحصل على الأشياء الجيدة في الحياة يجب أن تعطي أولاً. وهذا انتوني روبنز في كتابه (القوة اللا محدودة) يحدد خمس نقاط للنجاح والغنى...ويقول في الخامسة.. أعطي أكثر مما تتوقع أن تأخذه .. ويعتبر هذه النقطة الأكثر أهمية من بين النقاط الخمس, كما يقترح في كتابه الآخر (أيقظ العملاق داخلك) أن نسبة 10 % مما تجمع من أموال يجب أن تعطيها للآخرين وهذا أيضا رأي الدكتور ستيفن كوفي في كتابه (قيادة تركيز المبادئ) ويرى الدكتور صلاح الراشد أن صاحب عقلية الفقير لا يغنى أبدا ولو ورث مليون دولار لفرط بها وصار فقيرا مرة أخرى لان عقلية الفقير الأخذ ويجب أن يغيرها إلى عقلية الغني وهي العطاء ، وضرب مثلا لعقلية الفقير كأن يستأجر احدهم رجلا للعمل عنده وكان قد حدد في ذهنه مائتين دولار كراتب للرجل وعندما فاوضه قال له مائة وخمسون فيوافق الرجل مضطرا فيستمر بإعطائه مائة وخمسون ديناراً لأنه قبل بها وهذه عقلية الفقير و الأفضل أن يعطيه مائتين دينار إذا اثبت فعاليته في العمل. أن التفكير بعقلية الغني هو الطريق إلى الوصول للثراء والمحافظة عليه..وهنا نجد أمثلة لمن فكروا بهذه العقلية القائمة على العطاء أكثر من توقع الأخذ من الآخرين. فهذا بيل جيتس صاحب شركة ميكروسوفت و الأغنى في العالم , تجد أن ثلاثة من المليارديرات في العالم هم من إتباعه وموظفيه وهذا مالا يحدث مع تجار العرب. وعلى المستوى المحلي تجد أن شخصية كالمرحوم هائل سعيد أنعم , كانت عقلية الغني هي وراء تحقيق ثروة كبيرة وإنشاء إمبراطورية اقتصادية والمحافظة عليها من خلال العطاء الدائم والمستمر ومساعدة المحتاجين وخدمة المجتمع. الوفرة ...مبدأ إسلامي إن مبدأ الوفرة القائم على العطاء هو مبدأ إسلامي بامتياز ويتجلى في العديد من التوجيهات الربانية في القرآن الكريم والتوجيهات النبوية في حديث النبي صلى الله عليه كما يظهر في تطبيقات الصحابة والتابعين. فقد بينت الكثير من الآيات القرآنية أهمية هذا المبدأ وحثت وشجعت على الإنفاق والعطاء والتفكير بعقلية الغني الكريم ..ولعل ابرز إشارة إلى هذا المبدأ تأتي في آية الوفرة كما سماها الدكتور صلاح الراشد وهي قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم)( البقرة الآية) وهناك غيرها من الآيات التي تحث على العطاء ومردوده الايجابي على الإنسان كقوله تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)( سبأ 39) وقوله جل وعلا (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن َشيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)( آل عمران 92) كما حرص النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه إلى بيان أهمية الإنفاق والعطاء ودوره في تنمية المال وبركة الرزق .. فيقول (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إلا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ) (صحيح مسلم). ويقول عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى أهمية أن يكون الإنسان معطياً أكثر منه آخذاً (اليدُ العُليا خيرٌ من اليد السُفلى)) (رواه البخاري ومسلم)...وقد حرص الصحابة والتابعون على تطبيق هذا المبدأ وكانوا يتسابقون على الإنفاق فهذا أبو بكر الصديق يعطي نصف ماله وهذا عثمان ابن عفان ينفق إنفاقاً سخياً فيبارك الله له في ماله وتجارته. كما إن التفكير بعقلية الغني والعمل بالأسباب جعلت عبد الرحمن ابن عوف يرفض قبول المساعدة والصدقة حينما هاجر وهو لا يملك شيئاً ويقول دلوني على السوق ويبدأ بالعمل ثم يموت وهو من أغنى الناس في المدينة. وهذا عبد الله ابن المبارك يعطي مائة دينار لفقير فيقال له دينار يناسبه فيقول لكنه لا يناسبني. شروط العطاء حسب قانون الوفرة 1 - أن تعطي حتى يصبح العطاء عندك عادة من الصعب تركها. 2 - أن تعطى ولا تتوقع في المقابل, فهناك الكثير ممن يعطى وينتظر المقابل فلا يجده فيشعر بالإحباط ( وهذا عطاء مشروط وغير صادق )والأصل أن تعطي دون انتظار الجزاء( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً)(الإنسان 9). 3 - أن تعطي من أساء إليك , وهنا يكون العطاء الصادق , ولا يوجدا أعظم وأكرم في العطاء من الله عز وجل فهو رغم معاصينا ونكراننا يعطينا ...أعطانا فلم نشكر وابتلانا فلم نصبر ومع ذلك لم يوقف عطاءه...تخلقوا بصفات الله فالله يحب من يتأسى بصفاته. اختبار ذاتي كما أسلفنا إن التفكير بعقلية الغني والعمل بالأسباب بعد التوكل على رب العالمين يوصل الإنسان إلى الغنى وهذا ملاحظ في كثير من الأغنياء في العالم والذين بدأوا من الصفر , ولذا عليك أن تسأل نفسك بكل صدق: لماذا لست غنياً إلى الآن؟ ما الأسباب التي منعتك من ذلك؟ دعك من المرح المفرط ومن الإحباط القاتل، اكتب في ورقة كل إحباطاتك ومخاوفك وأعذارك المفضلة ، ونظرتك وتفسيرك لفقرك الحالي. اكتب كل الأسباب التي تراها تعوقك عن الثراء، ثم اجلس مع شخص ما يعرفك جيداً، وناقش معه تلك الأسباب، ولا تندهش إذا توصلتما إلى قناعة مفادها أن أسبابك هي أعذار وقعت في حبها. إشراقه (لا تجعل العاطفة تسيطر عليك وكن أنت سيد المال وليس العكس)..(من كتاب أغنى رجل في بابل).