الإنفاق لوجه الله نعمة عظيمة ونظرة كريمة يجود بها ملك الملوك على من أحب أن يؤثر الناس على نفسه ويسعد قلبه بسعادة سواه من البشر .. وهي مما يمكن أن يُحسد عليها الإنسان من النعم .. وردت في القرآن آيات عظيمة تحث على النفقة وتدعو إلى البذل وتعد المنفقين بالعوض المباشر والمضاعف في نفس الوقت, شريطة أن لا ينفق الإنسان إلا في سبيل الله تعالى: “مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم” صدق الله العظيم. وارتبط الإنفاق في القرآن ارتباطاً وثيقاً بالتقوى والسمع والطاعة لله والذي تتوقف عند حدة الأطماع لفتح باب الجوائز القيمة والعظيمة يضاف إليها رضا الإنسان عن نفسه ورضا الله عنه قبل كل شيء، “فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” صدق الله العظيم. هناك رابط وثيق بين الإنفاق والإيمان لأن المؤمن يعطي دون أن يخشى ويمنح دون أن يطمع وهو بهذا أو ذاك لا يرجو إلا رضا الله وحده، كما أن المؤمن رحيم، رقيق القلب، يخاف أن يبيت عفيفاً وسواه يغرق في برك الذل والحاجة، “آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبير”. وهناك وعد بالإخلاف على المنفق في الدنيا والآخرة: “وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين” لكن للإنفاق شروطًا حددها القرآن الكريم في آيات كثيرة ومنها “الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.. إذاً فيجب أن لا يتبع الإنفاق منٌ أو أذى كما يجب أن يكون الإنفاق قبل أن يصيب الإنسان مرض الموت “وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لولا آخرتني إلى أجلٍ قريب فأصدق وأكن من الصالحين”. إذن قناعة الإنسان بأهمية العطاء وثقته بحلول الجزاء وإيمانه بوقوع العاقبة كل ذلك سيدفعه للإنفاق لكن يجب أن لا يكون على فراش الموت بل في وقت الرخاء والقوة والاقتدار قبل أن يتدخل الشطان ليحول بين الإنسان ورغبة الحصول على الأجر والثواب. هناك شرط آخر من شروط الإنفاق وهو عدم بيات نية الشكر من الناس لأنه بذلك سيلج باب النفاق وهنا سيكون كل عمله هباءً منثوراً “إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا, إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا”. الإنفاق مبدأ إسلامي وإنساني تعاوني وبنائي وقادر على ربط طبقات المجتمع بعضهما مع بعض وربط العبد بخالقه لأن المنفق لا يفعل ما يفعل إلا لإيمانه الشديد بأن ما بين يديه منحة من الله لأنه تعالى يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء وإن الله قادر على تبديل أحوال البشر فيغني الفقير ويورث الفقر للغني، وببساطة شديدة هو مالك الملك فمن أين يمكن أن تقتحم حيلتنا حصون عطائه، وكيف يمكن أن تصبح آدميتنا مفتاحاً لنيل سخائه؟! ولأي مدى يمكن أن تتحلل أطماعنا في محراب رجائه؟! لهذا نعطي بخجل وننفق بوجل ونبقى بين كفتي الخوف والرجاء أملاً في القبول وهروباً من صدمة الرفض، لهذا نعطي بإيماننا ونخاف أن تتجسس علينا شمائلنا ونسكن الدرك الأسفل من بيوت الحميم! لهذا نتحسس الحاجات ونحاول فك الضائقات ونتجنب إعلان المزايا وتعداد الصفات، فإذا أردت أن تنفق حق الإنفاق اخلص النية واكتم السر وتحقق من الحاجة وتجنب أن ترائي أمام الناس حتى لا توهمك نفسك بأنك صاحب الفضل والمن، إنما هو الله مالك الخزائن كلها.