كأنها لمحة عين وقد دقت عقارب الساعة، مضى 17 عاماً على إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني بعد أن ظل رهين التشطير لمئات السنين. لست بحاجة إلى التذكير بالصعوبات التي لازمت اليمنيين، وظلت ممسكة برقابهم وكادت أن تودي بهم إلى مصير مظلم في ظل ظروف التشطير، حيث عاش الشطران معارك داخلية وحروباً أهلية متتالية للإمساك بتلابيب كراسي السلطة، فضلاً عن تلك المواجهات العسكرية الدامية بين النظامين الشطريين وتوظيف القدرات والطاقات والإمكانات المحدودة لشراء العتاد العسكري في ظروف تغذيها الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. بالمطلق لم ترث دولة الوحدة عام 90م من الإمكانات والموارد ما يؤهلها لأن تجد حلولاً جذرية لمشكلاتها الاقتصادية المعقدة، خاصة إذا ما عرفنا أن مديونية الشطرين عشية الوحدة بلغت قرابة 8 مليارات دولار، وأسهمت سنوات حكم المحاصصة بعد ذلك بتحميل خزينة الدولة أعباء إضافية للإنفاق المهول لكسب ذمم الناس والقبائل والوجاهات الاجتماعية والسياسية. ربما كان إحساس ومشاعر الناس بالإنجاز الحضاري الكبير الذي تحقق يوم 22 مايو1990م طاغياً وعارماً بعد أن فقدوا أمل إمكانية تحقيق ذلك المشروع في ظل التشدد الذي جوبهت به الأفكار الوحدوية التي كان يطرحها الرئيس/علي عبدالله صالح والهادفة إلى التعجيل بإعادة تحقيق وحدة الوطن. وكما قلت ربما إن تلك المشاعر قد غطت وإلى فترة من الاحتقان الذي كان طاغياً على المشهد السياسي بين الأفرقاء، بل وتناسي المشكلات الاقتصادية المتراكمة التي ورثتها دولة الوحدة إلى أن كان خيار المتشددين في «الاشتراكي» العودة بالمشروع الوحدوي إلى ما قبل 22 مايو، وهو خيار خيب ظن أكثر الناس تعاطفاً مع «الاشتراكي». في لمحة عين يلتفت المرء إلى السنوات السبعة عشرة من عمر الوحدة اليمنية وقد خرجت كالعنقاء غير آبهة بأكثر التحديات والصعوبات ضراوة.. حيث استطاع الرئيس/علي عبدالله صالح بمهارة الربان الحكيم إعادة الثقة في الداخل والخارج على السواء بالمشروع الوحدوي اليمني. داخلياً حصنّه من الاختراقات، وجنبه مغبة الانزلاق إلى المغامرات الانقلابية بتأصيل المشروع الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي للسلطة على أسس الانتخابات لكافة المؤسسات الدستورية، والتأكيد على مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال توسيع صلاحيات النظام اللا مركزي.. ونقل السلطات إلى المجالس المحلية.. فضلاً عن التمسك القوي بخيار التعددية الحزبية والصحافية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحليات في مواعيدها المنتظمة وبصورة نزيهة وعلى قاعدة من الشفافية مما أكسبها احترام وتقدير الأسرة الدولية. وخارجياً يمكن القول إن الرئيس/علي عبدالله صالح تمكن من تجاوز آثار حرب الانفصال بتقديم أنموذج في التسامح الذي كان له أثره على صعيد الخارج المتعاطف.. كما تجاوز «مطب» الاحتلال الأرتيري لجزر حنيش اليمنية بقبوله التحكيم الدولي، فضلاً عن رعايته اتفاق جدة التاريخي الذي أسس علاقات شراكة ليس مع المملكة العربية السعودية فحسب، بل مع دول الخليج، وهي العلاقات التي شهدت -ولاتزال - تطوراً كبيراً أسهم في انضمام اليمن الكامل لمجلس التعاون الخليجي. ومع البروز الواضح لتنامي المشروع الوحدوي في سنوات ما بعد القضاء على حركة الانفصال صيف 1994م، وذلك من خلال برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والتشريعية، وإنجاز المشروعات الخدمية والاستراتيجية، مع تنامي الدور الخارجي لليمن حيث باتت بفضل الحنكة القيادية للرئيس/علي عبدالله صالح تحظى بمكانة مرموقة وارتبطت بشراكة واسعة في محيطها العربي والإقليمي والدولي قلما توفر لأي من الدول ممن لديها إمكانات هائلة ان تحظى بمثل ما حصلت عليه اليمن من ثقة ولعب دور مهم ومؤثر في تطورات المنطقة. على سبيل المثال. لمحة عين سريعة إلى التاريخ القصير من عمر الوحدة ليشعر الإنسان بحجم التغيير الهائل، وفارق النقلة الحضارية التي قطعها شعبنا.