إ ذا كانوا يريدون تدمير اليمن فقد أخطأوا، وإذا كانوا قد اختاروا هذا التوقيت لهذه المهمة المستحيلة فقد أخطأوا مرة أخرى، بل القول الصحيح: إن إعادة تقسيم اليمن غير ممكن في الأساس، وقد يكون هناك بعض من في نفوسهم مرض.. أو بعض من شبههم الرئيس علي عبدالله صالح بأصحاب «فيروس» زعزعة الاستقرار قد يرمون حجراً هناك أو يشعلون إطاراً في مكان آخر أو يهتفون بعبارات نابية لبث الفرقة بين أبناء جلدتهم وإطلاق تصرفات لاتنسجم مع أخلاق اليمنيين وتتنافى مع سجاياهم في استثارة المناطقية والقروية والشطرية، لكنها في الأخير تصرفات غوغائية لن يكتب لها النجاح في إعادة تقسيم الوطن لاعتبارات ترتبط بواحدية الشعب والثقافة والهوية والجغرافيا. يكفي الإشارة هنا إلى استحالة تحقيق هذه الفرضية بالنظر إلى أن اليمن المشطر ظل ردحاً طويلاً من الزمان غير قادر على تحديد خياراته الوطنية، بل إن النظام السياسي «الشطري» بقى مرتهناً لإرادة الخارج غير قادر على حسم قراراته السياسية والاقتصادية على حد سواء. والحقيقة الأكثر وضوحاً أن عبقرية المكان والإنسان على حد سواء لم تتح قيام مشروعات استراتيجية جرّاء التقسيم السياسي باعتبار أن المناطق متداخلة ومتكاملة يستحيل إقامة أية مشروعات بمعزل عن توحيد النظام السياسي، وهو ماترجمته دولة الوحدة كنظام سياسي واحد. ولا بأس هنا من إيراد بعض الأمثلة على ذلك، ومنها أن النظام الشطري لم يتمكن من معالجة المشكلة الحدودية مع الأشقاء في كل من السعودية وعمان، بل إن هذا النظام الشطري ظل بؤرة قلق للجيران، غير أن قيام النظام السياسي الواحد في اليمن مطلع تسعينيات القرن المنصرم وقيام المؤسسات التشريعية الدستورية التي تعبر عن إرادة اليمنيين جميعاً أمكن معالجة هذه القضية الشائكة بترسيم الحدود مع هذين البلدين الشقيقين بالوسائل السلمية وعلى قاعدة «لاضرر ولاضرار». ولم تفتح أبواب التنمية في اليمن إلا بعد إعادة تحقيق الوطن التي تركت ظلالاً من الثقة باستقرار الاستثمارات الوطنية فضلاً عن جذب الاستثمارات الخارجية، وتحديداً في مجالات استكشاف الثروات النفطية. ونمو موازين التبادل التجاري بين اليمن والعالم الخارجي. وفي هذا الصدد استطاع الرئيس علي عبدالله صالح قيادة ديبلوماسية حكيمة ومقتدرة في الإطار العربي والإقليمي والدولي حيث تمكن اليمن الواحد احتلال مكانة مرموقة وسط الأسرة الدولية، وبدأ العالم معجباً أشد الإعجاب بهذا البلد الفتي وهو يقدم أنموذجاً في النظام السياسي التعددي وعلى نحو غير مسبوق. إنني لست في معرض إيجاز التحولات الحضارية في ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي تحققت لليمن الواحد رغم الصعوبات الاقتصادية والأزمات العالمية التي كانت لها انعكاساتها على الاقتصاد الوطني.. فهذه المجالات لها ناسها المختصون والمتخصصون. لكنني أشير فقط إلى أطوال الطرقات التي تحققت وإلى الاكتشافات النفطية والغازية التي تمت وإلى البنى الأساسية التي أقيمت على امتداد الوطن اليمني. وعندما يتساءلون عن الفساد - مثلاً- لتبرير أعمال غير وطنية تمس الوحدة فإن الفاسد الحقيقي هو الذي يقطع الطرقات ويقيم ولائم الدمار ويطلق خطب الفتنة بين الناس، وليس من بيده معول البناء وإقامة المؤسسات وتعبيد الطرقات. كان يكفي على مجموعة الانفصال في صيف 4991م أن يتواروا عن أعين الناس بعد أن ارتكبوا تلك الحماقة وتركوا الوطن مهدماً ومنهوباً ويعيش آلاماً عديدة، لكنهم عاودوا الحنين إلى سفك الدماء وأكل أموال الشعب وتهديد أمن الوطن واستقراره في وقت كان الواجب عليهم الاعتذار لهذا الشعب الذي عانى الويلات تحت حكمهم بالحديد والنار زمن التشطير والمغامرة الحمقى التي ارتكبوها بعد الوحدة.