منذ تولى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي رئاسة الوزراء في بلاده غير أموراً كثيرة في مفهوم الوظيفة أو الولاية العامة وجعل من نفسه قدوة في العمل المبدع المتفاني وطلب من وزرائه أن ينهجوا النهج نفسه بعد أن منحهم الصلاحيات الكاملة ومعها موازين الثواب والعقاب فمن أراد أن يكون في مستوى الاستراتيجية المحددة خطواتها وأهدافها بالمليمتر وعقارب الساعة الزمنية فله الحظوة والمهابة ، ومن رأى في نفسه قصوراً لايمكنه تجاوزه عقب فترة السماح التجريبية فليذهب إلى بيته معززاً مكرماً فمن قال لا أدري فقد أفتى ، ومن قال لا استطيع فقد أبلى ، وبهذا النهج المثابر ضمن أهداف مرئية دبت حياة من نوع جديد في الحكومة الاتحادية ، التي كانت الحكومات المحلية قد سبقتها باشواط في التحديث والعصرنة والضبط والربط ، وللحق فإن هذا من محاسن اللامركزية ،حيث يتجسد الفرق بين المتقدم والمتأخر. ويُتوقع أن تسارع الامارات العربية الخطى كواحدة من اسرع دول العالم تنمية وأن يواكب ذلك ثورة قانونية هي ضرورة لامفر منها في زمن لايعترف بالمرتبكين العاجزين عن اتخاذ القرار يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى في «محلّك سر» وقد اعتمد الشيخ محمد سياسة الخلوات الطويلة مع وزرائه ليومين في منتجع يتدارس معهم بعيداً عن الرسميات ما تم انجازه وما ينبغي تذليله في إطار الاستراتيجية ، وكان آخر هذه الخلوات يومي الخميس والجمعة الماضيين في استراحة «ضدْنا بالفجيرة» ولأنه شاعر فلا يفوته في هذه المناسبات مخاطبة الرأي العام بما يعتبره عهداً ينبغي الوفاء به فالعمل تكليف لاتشريف وآخر ما جادت به قريحته ونشرته الصحف في أماكن بارزة هذه المكاشفة بالشعر العامي لمناسبة الخلوة الأخيرة: بيني وبين الوطن عهد وبوفي به وأنا معاهد بلادي أن أعلّيها وكل شيء يوصل وما في شيء ما أدري به ورفعة وطنا أمانة مانخليها أريد للشعب تتلبى مطاليبه واريد للناس تحقق أمانيها وأن يشعر ابن الوطن بالخير ويصيبه والتنمية تفرح الدولة وأهاليها ثم يختم بمخاطبة الوزراء : انتو حملتوا الأمانة ولكم الثيبة للّي حملها وهو قاصد يؤديها وليس سراً أن الشيخ محمد بن راشد قد بنى سمعة عظيمة كمحارب باسل للفساد الذي رأى في استشرائه سوسة ستنخر كل منجز وتشوه كل جميل ، وكانت له في هذا المجال ضربات مدوية بحجم المسؤولية الملقاة على كاهل المسؤول ، وليس على طريقة إذا سرق الفقير حدوه وإذا سرق الكبير كافؤوه ، وكان ذلك في امارة دبي قبل توليه نيابة رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء ، حيث طرحت هذه الحرب ثمارها ومعلوم أن دبي هي العاصمة الاقتصادية للامارات وتتفوق على الصين في نسبة النمو السنوي التي تصل في بعض القطاعات إلى حدود العشرين بالمائة ، وتشهد هذه المدينة نمواً عمرانياً وتوسعياً مذهلاً في البحر والبر والفضاء تتردد أصداؤه في كل انحاء العالم لتحطيمه الأرقام القياسية التي تهز موسوعة جينيس بين انجاز وآخر كظاهرة عربية غير مسبوقة. الشاهد هو أن عالمنا العربي يبحث عن قادة من هذه النوعية التي تحلم ثم تعمل لتحقيق الحلم والدفاع عنه ضد حزب اعداء النجاح.