الخطابة إحدى الركائز الأساسية والوسائل المهمة في الدعوة إلى الله تعالى فهي اللقاء الأسبوعي «الجمعة» الذي يحتشد فيه المسلمون في مسجد جامع ليسمعوا الخطيب يذكرهم بربهم ويعلمهم دينهم. فالخطابة في الإسلام تمثل مظهر الحياة التي تجعل القيم النبيلة والمثل الرفيعة والأخلاق الفاضلة تصل من قلب إلى قلب ومن فكر إلى فكر فتنتعش الروح ويتجدد الإيمان فلا غرو أن تكون بذلك من شعائر الإسلام . ومن المؤسف حقاً في عصرنا الراهن أن كثيراً من المنابر أصبحت تحمل فوقها ساعة الجمعة أشباه الخطباء الذين فرغوا الخطابة من محتواها وأخرجوها عن اطارها الصحيح وأبعدوها عن أداء أماناتها وإبلاغ رسالتها فلا يرقى أكثرهم لأن يقرأ آية من كتاب الله ويعطيها حقها أو يروي حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو يصوغ عبارة صحيحة من ناحية اللغة فما أصدق ماقاله أديب العربية والإسلام مصطفى صادق الرافعي في مقالة أدبية له بعنوان وحى القلم «ألا ليت المنابر الإسلامية لايخطب عليها الا رجال بمعنى الكلمة لا رجال في أيديهم سيوف من خشب». وأني لأعرف أناساً من المصلين يتأخرون عن الخطبة بصرف النظر عن الحكم الشرعي لذلك ويحضرون قبيل إقامة الصلاة حتى يعفوا آذانهم عن سماع الكلام المكرر الذي يخدش روعة الجمعة ويُذهب جلال اليوم وبهائه. وهذا الحديث ليس موجهاً لهؤلاء الذين اتخذوا من الخطابة مهنة يتكسبون من ورائها انما هو موجه إلى دعاة على درجة معينة من الثقافة يفقهون دور الخطابة مدركين أثرها وتأثيرها في المجتمع. وعليه من المهمة الأولى في جعل الخطابة فناً من الفنون الرفيعة والوعظ والارشاد النافع أن تكون الخطبة شاملة للكثير من المسائل بمافي ذلك القضايا الاجتماعية المستوحاة من معاناة الناس اليومية وقضايا التربية والتعليم والآداب العامة وانضباط الدارسين في حلقات تحفيظ القرآن الكريم واحترامهم للمسجد وحث الآباء والأمهات على مزيد من الاهتمام لأبنائهم تربوياً واجتماعياً وسلوكياً وبعيداً عن الوقوع في الانحراف الخلقي بيد أن من الخطباء من يجعل شغله الشاغل وهمه الأكبر الحديث عن عذاب القبر وعذاب النار وسخط الله وعقابه وقضايا أخرى ويعد الحديث عن شؤون الدنيا أمراً لاينبغي أن يكون موضوع خطبة أو يحسبه رجساً من عمل الشيطان يجب على الخطباء أن يجتنبوه فإن الخطبة بزعمهم تقوم على الوعظ الذي يشمل التخويف والترهيب. ونحن في الأيام الكريمة القادمة من أيام شهر رمضان المعظم فالحديث عن هذا الشهر وفضائله وآدابه مادة دسمة أمام الخطباء والدعوة لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمعاقين وذكر الكثير من مآثر الشهر والانتصارات التي فيه والغزوات والإنجازات التي حققها الرسول والخلفاء الراشدون وبالذات في غزوة بدر الكبرى والاسترشاد بخطبة حجة الوداع التي ألقاها أفصح العرب طراً محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ففي هذه الخطبة من الدروس والعبر مالو أدركه الوعاظ والخطباء لاستفادوا لأن الخطابة رسالتها أحسن مايكون الأداء والدروس والموعظة الحسنة.