في جاكرتا وفي المباراة النهائية لكأس آسيا استطاع العراقيون أن يتوحدوا في مؤازرة منتخب بلادهم.. هتفوا بحنجرة واحدة، وصفقوا بيد واحدة.. وارتعشت قلوبهم كأنها قلب واحد.. ونجحت الرياضة فيما لم تنجح فيه السياسة، وإن على مستوى تلك المساحة الخضراء التي لا تتعدى بضعة أمتار. صورة الفريق العراقي وهو يلعب.. ومن ثم تتويج ذلك الأداء الرائع بفوز مستحق على المنتخب السعودي، تجاوز مشهد الأشلاء المتطايرة والدماء المسفوكة التي خلفها الانتحاريون هناك في بغداد. انتابتني مشاعر متناقضة وأنا أتابع سير المباراة.. وفي مقاربة سريعة للفريق العراقي قبل الاحتلال وعلى عهد الرئيس المغدور به/صدام حسين وجدتني أقل تعاطفاً مع هذا الفريق وأكثر انحيازاً للفريق الخصم، ساعتها فقط أدركت ما الذي يمكن أن تفعله السياسة في عواطفنا ومشاعرنا رغم الأداء الأنيق والرائع للفريق العراقي الذي لا أشك لحظة في أنه كان يشعر بأنه في مهمة وطنية نبيلة تتجاوز الانتماءات والولاءات لأنظمة سياسية أو أشخاص أو زعامات أو أية صراعات مختلفة ليبقى علم الدولة وسمعتها الوطنية هما الأعلى دائماً. ليست الرياضة على أية حال وما تحرزه الفرق الرياضية من انتصارات أو نتائج جيدة سوى ثمرة لجهد جماعي منظم تتكاثف فيه القدرات الفردية مع التخطيط الصائب والجهد الدؤوب لمجموعة وضعت نصب أعينها هدفاً لابد من تحقيقه.. وعلى قدر التنفيذ الحرفي والسليم للخطط المرسومة وحسن استغلال المهارات تأتي النتائج الممتازة.. وتتجسد الديمقراطية في أعلى صورها وأنت ترى حكم الساحة يصول ويجول، يجري ويتابع كي يفرض الانصياع والطاعة وتطبيق قوانين اللعب بحذافيرها حتى لا نرى عنفاً في أي نوع من الملعب وهو - أي الحكم - مجرد من أي أسلحة سوى صافرته وحركة يديه وبالطبع شخصيته القوية في تنفيذ كل ذلك. أعود فأقول - وربما يكون هذا شعوراً شخصياً صرفاً - إن مشاعر الكثير من أبناء العروبة قد نأت بنفسها بعيداً عن العراق والعراقيين في شعور غير ودي تجاه عراق ما بعد صدام.. العراق المحتل وصور القتل والدمار والفوضى العارمة التي تعم البلاد.. وارتفاع اللافتات الطائفية والعرقية في بلد كان قد نجح إلى حد كبير في النأي بشعبه بعيداً عن هذه الروح المريضة وراسماً صورة في الذاكرة الجمعية العربية لبلاد رداؤها العروبة وعباءتها ونبضها القومية العربية الواحدة. ولعل الرياضة وبالخصوص كرة القدم استطاعت وتستطيع أن ترمم هذه المشاعر غير الودية تجاه بلد شقيق وإخوة أشقاء لا نتمنى لهم سوى تحقيق المزيد من الانتصارات في الملعب السياسي كما هو في الملعب الرياضي.. تشرئب الأعناق وتتطلع الأفئدة صوب بغداد سليمة معافاة وصوب ذلك اليوم الذي يرحل فيه الاحتلال ويعم الأمن والسلام والإخاء ربوع هذا البلد العزيز الغالي.