رحم الله قائل المثل الشعبي : «أشتي لحم من كبشي واشتي كبشي يمشي » لأنه ينطبق تماماً على سياسة الحكومة تجاه السياحة ، إذ إنها ترفع شعار «السياحة نفط دائم » لكنها تريد الجني بغير تكاليف استثمارية! بعد ان استفزني مقال هاجم السياحة ووزيرها، وجدت نفسي أتحرى عن الحقيقة وليتني لم أفعل لأنها رغم تفنيدها لما جاء في المقال المذكور، إلا أنها أكثر مرارة منه .. فعندما كنت أستمع إلى حديث الحكومة عن السياحة يساورني الظن بأنها وضعت كل امكانياتها تحت خدمة الرهان السياحي بينما الواقع يؤكد بأن ميزانية وزارة السياحة لا تتعدى «63» مليوناً و«480» ألف ريال ، كما لم تقدم الحكومة لإدارة الترويج السياحي ريالاً واحداً. ومع ان المجلس الأعلى للسياحة أقر العام الماضي برئاسة عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء السابق عدة إجراءات للارتقاء بالبنى التحتية للسياحة ، بينها بناء دورات مياه على الطرق الخارجية إلا أن وزارة المالية وافقت على اعتماد مليوني ريال فقط لهذا المشروع من «100» مليون ريال طلبتها وزارة السياحة .. فياترى كيف حسبتها وزارة المالية ؟ فمبلغ كالذي خصصته بإمكان فاعل خير تقديمه لبناء حمامات أحد المساجد!! أما إدارة المسوحات والخرائط فقد كانت فضيحتها أكبر من السياحة ، حيث إنها مازالت ترفض طبع خرائط سياحية بدعوى ان النموذج المقدم من قبل وزارة السياحة فيه أخطاء! ولأن القائمين على هذه الجهة من ذوي الخبرة والكفاءة العالية ارسلوا للوزارة نموذجاً لخارطة طبيعية لليمن يقترحون طباعتها كدليل سياحي لمدن اليمن ومواقعها السياحية، رغم انها خارطة مخصصة لإبراز طوبوغرافيا الأرض من جبال وهضاب ووديان .. كما لو أنهم يعتقدون ان السائح سيبحث عن الجبال والوديان ولا تهمه خطوط السير إلى المدن والمواقع الأثرية .. لذلك ما زال السياح يتيهون عند المنافذ الحدودية لليمن. ومن أغرب مفارقات الرهان على السياحة هي ان موظفاً بوزارة المالية أوقف مشروع وضع العلامات الارشادية في الطرق ، وأصر على أن تقوم وزارة السياحة بإعلان مناقصة .. ومع ان الوزارة حاولت بكل الوسائل إقناع صاحبنا بأن وزارة النقل هي الجهة الوحيدة المحتكرة لهذه العلامات إلا أنه أصر على أن تعلن وزارة السياحة عن مناقصة .. إذن على وزارة السياحة الانتظار حتى يبعث الله بثلاثة مستثمرين يفتحون ثلاث شركات ليصبح النصاب أربعة طبقاً لقانون المناقصات ويتنافس المتنافسون على العلامات الارشادية التي تعتزم الوزارة وضعها على جانبي الطرقات. مفاجآت ومفارقات الرهان السياحي اليمني لم تنته بعد، لأنني بحثت في كل أروقة وزارة السياحة عن أحد وكلاء الوزير لأتقصى منه الحقائق فلم أجد أحداً لأن الحكومة لم تضع حتى يومنا هذا اللائحة الداخلية للوزارة رغم مرور عامين على تأسيسها ، لذلك فإن وزارة السياحة بلا وكلاء .. أليس هذا غريباً في دولة مؤسسات ، وقف العالم على قدميه إجلالاً لتجربتها الديمقراطية الأخيرة !؟ لا ندري كيف نراهن على استثمارات سياحية، ونحن عاجزون عن توفير الحد الأدنى من امكانيات التحول إلى بلد سياحي له ثقله بين دول منطقة تعد الأكثر ثراء في العالم.. ولا ندري لماذا يحدث كل هذا رغم ان الاحتياجات واضحة ومعروفة ، ورغم ان كل مسئولي الدولة يسافرون إلى الخارج ويرون بأعينهم أي نوع من الخدمات تقدمها تلك الدول لإغراء السياح ! عتب أخير على الأخ وزير السياحة الذي يفترض به كشف هذه الحقائق في مؤتمر صحافي وعدم تركنا نتخبط في انتقاداتنا.. فالوصول إلى هذه الحقائق لم يكن سهلاً بالنسبة لي وقد استغرق زمناً .. في الوقت الذي نؤمن فيه بالشراكة الإعلامية الحكومية ونحرص على ان يكون نقدنا بناءً يخدم التنمية الوطنية.