بداية أعترف بأنني كأحد المراقبين العرب للأوضاع السياسية والثقافية في العالم العربي أفتقر إلى المعلومات الأساسية المتعلقة بموريتانيا . وأزعم أن هذا الحال يطال الكثيرين من المشارقة العرب ويضعنا في بؤرة المساءلة المعنوية والتاريخية خاصة وان موريتانيا تكتنز في داخلها أهم شفرات الحضارة العربية، الإسلامية وتتميز بعمق ثقافي نلحظ مداه الكبير في مئات آلاف المخطوطات التي تنتشر في طول وعرض المدن والقرى الموريتانية .قرأت قبل حين مقاربة منطقية لأحد الباحثين ممن توصلوا إلى قناعة بأن الصحراء الموريتانية كانت أفضل مستودع آمن لحفظ الكنوز المعرفية التي انزاح بها العرب اثر سقوط الأندلس .. ولقد كان ذلك الاختيار موفقاً إلى أبعد الحدود لأننا اليوم نسعد بقابلية استعادة تلك الجواهر والمكنونات ذات الأهمية الثقافية والتاريخية الكبيرة. وإذا كانت هذه بعض من المعلومات العامة عن بلاد شنقيط فإن المعلومات التفصيلية تظل غائمة في متاهة الافتراضات والتقديرات الانطباعية وبالذات حالما نستشعر وجود خطر ماحق على هذا البلد الذي يمثل أصلاً أصيلاً في منظومة البلدان العربية المغاربية ويتمدد بأذرع ثقافية كبرى باتجاه العمق الإفريقي. ما حدث خلال العام الماضي وضع المراقبين في وارد استعادة ذاكرة المكان والزمان حيث إن فريقاً من القيادات العسكرية أبرز ما يلي: البحث عن السبب الحقيقي الذي أوصل مجموعة من العسكريين إلى امتشاق السلاح ومبادأة الدولة . إعادة النظر في السياسات قصيرة النظر التي احتكمت دوماً لمؤسسة القوة والأمن واستسهلت طريق الإعتقالات والنفي والالغاء السياسي. التفكير الجدي في الآثار السلبية لاندفاع موريتانيا نحو علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بالرغم من أنها ليست محكومة بأوضاع دول الطوق العربي مثل مصر والأردن؛ لذلك فإن مثل هذه العلاقة المستهجنة من طرف الشعب الموريتاني لاتبرير لها في افق المشهدين السياسي والثقافي العام في موريتانيا والعالم العربي . انها لشجاعة أدبية بالغة إذا ما قرأ النظام إخفاقات الماضي واعتبر أن ما حدث كان بمثابة نذير يمكن الإفادة منه لصالح المستقبل .